المجاهدون في الخلافة الأموية، حصار القسطنطنية، مسلمةة بن عبد الملك وجهاده، قتيبة بن مسلم وجهاده، موسى بن نصير وطارق بن زياد
الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
غزوة تبوك من أهم غزوات الرسول ﷺ على الرغم من عدم حدوث قتال فيها، وترجع أهميتها إلى أنها كانت اختبارًا مهمًّا للتفرقة بين المؤمنين والمنافقين.
غزوة تبوك:
هذه هي آخر غزوات الرسول ﷺ، وواحدةٌ من أهمِّها، على الرغم من عدم حدوث قتالٍ فيها، ولكن ترجع أهميَّتها إلى أنَّها كانت اختبارًا مهمًّا للتفرقة بين المؤمنين والمنافقين؛ فهي تُشبه بذلك غزوة الأحزاب.
عُرِفَت هذه الغزوة بغزوة «العُسْرَة» لصعوبتها الشديدة من كونها كانت في قيظ الصيف، وكانت إلى تبوك البعيدة،كما أنَّها كانت لقتال غسَّان والرومان بأعدادهما الكثيفة. هذه الصعوبة جعلت كثيرًا من المنافقين من أهل المدينة ومن الأعراب حولها، يعتذرون عن الخروج مع المسلمين، وهذا كشف أوراقهم، فكان نفعًا للمسلمين. اجتهد المنافقون في تثبيط المؤمنين عن الخروج إلى تبوك، وعقدوا لذلك اجتماعاتٍ في بيت سويلم اليهودي، كما بنَوا مسجدًّا لأجل هذا الغرض، وهو الذي عُرِف بمسجد الضرار.
على الجانب الآخر اجتهد المؤمنون في تجهيز الجيش، وكان أعظمهم في ذلك عثمان بن عفان، ومع ذلك فقد تخلَّف عن الخروج مع المسلمين ثلاثة من الصحابة دون عذر؛ وهم كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أميَّة.
لم يمنع هذا التجهُّز الصعب رسولَ الله ﷺ من ممارسة أعماله الدعويَّة المهمَّة الأخرى، وكان منها استقباله لواثلة بن الأسقع، وهو من بني ليث بن كنانة، وقد أعلن إسلامه، ودعا قومه بعد ذلك فأبوا عليه، فعاد إلى المدينة، ثم خرج إلى تبوك، وله في ذلك قصَّةٌ مشهورة.
خرج الرسول ﷺ في رجب من العام التاسع الهجري في ثلاثين ألف مسلم، جلُّهم من المؤمنين الصادقين، مع قليلٍ من المنافقين، وكان الطريق وعرًا والمعاناة كبيرة، وقد وصلوا إلى تبوك سالمين بعد أن مرَّوا في طريقهم على ديار ثمود الأثرية.
للعجب، لم يقدر الرومان ولا غسَّان على مواجهة المسلمين، فانسحبوا، ولم يلقَ رسول الله ﷺ كيدًا، فكانت هذه أعظم رسالة تحذيريَّة لكلِّ القبائل العربيَّة؛ حيث إنَّ القوَّة التي تهابها الدولة الرومانيَّة العملاقة، وقبائل غسَّان الكثيفة، هي قوَّةٌ مرهوبة، وسيكون لهذا الحدث أثرٌ مباشرٌ على ما سيتبقى من العام التاسع، وعلى العام العاشر كلِّه؛ حيث سيأتي الجميع ليُعلن ولاءه للدولة المسلمة القويَّة، فجعل الله بذلك الخير الكثير في هذا الخروج الذي كرهه المنافقون.
في هذه الغزوة -أيضًا- تحقَّقت ثلاث نتائج عظيمة مباشرة؛ وكلها في شمال الجزيرة العربيَّة، فكانت على النحو التالي:
أوَّلًا: مصالحة أهل أيلة النصارى على الجزية.
ثانيًا: مصالحة أهل جَرباء وأذرح النصارى على الجزية.
ثالثًا: سريَّة خالد بن الوليد إلى دومة الجندل، فتمكَّن من أَسْرِ ملكها أكيدر بن عبد الملك، ثم حقن رسول الله ﷺ دمه، وصالحه على الجزية.
وفي طريق عودة الرسول ﷺ من تبوك تعرَّض لمحاولة اغتيالٍ فاشلةٍ من المنافقين، وعندما عاد إلى المدينة أمر بتحريق مسجد الضرار، وفي الوقت نفسه نزلت توبة الله على الثلاثة المؤمنين الذين خُلِّفوا عن الخروج مع رسول الله ﷺ.
الرسول ﷺ في المدينة بعد تبوك:
كانت عودة الرسول ﷺ إلى المدينة متزامنةً مع وفاتين مهمَّتين في السيرة؛ الأولى هي وفاة الابنة الثالثة لرسول الله ﷺ، وهي أم كلثوم ل، زوج عثمان بن عفان، ولم يتبقَّ عنده من الأبناء بعدها إلَّا فاطمة وإبراهيم. أمَّا الوفاة الثانية فهي لرأس النفاق عبد الله بن أُبيٍّ ابن سلول، وكانت وفاته ضربةً كبيرةً للمنافقين، أضعفتهم بعد نشاطهم الكبير في تبوك، ولكن لم تُنْهِ وجودهم.
كانت عودة الرسول ﷺ إلى المدينة هي عودة المنتصر الكبير، فعلى الرغم من عدم قتال الرومان فإنَّ بقاء الرسول ﷺ في أرض تبوك فترةً دون تعرُّض الرومان أو الغساسنة له، كان دليلًا على تطوُّر القوَّة الإسلاميَّة بشكلٍ لافت. -أيضًا- كانت المعاهدات التي عقدها رسول الله ﷺ مع القبائل النصرانيَّة في مدن شمال الجزيرة العربيَّة؛ كمدن أيلة، وجرباء، وأذرح، دليلًا على هيمنة المسلمين على الأوضاع السياسيَّة والعسكريَّة في جزيرة العرب. هذا دفع العرب إلى التدافع بعد تبوك في وفود متتالية لزيارة المدينة للإسلام وإعلان التبعيَّة للدولة المسلمة؛ لهذا عُرِفَ هذا العام التاسع الهجري بعام الوفود، وإن كانت الوفود لم تنقطع في العام الهجري العاشر أيضًا.
كان أهمُّ وفدٍ وصل إلى المدينة في رمضان فور عودة رسول الله ﷺ من تبوك هو وفد ثقيف؛ فقد جاء أخيرًا ليُعْلِن -بعد جدالاتٍ طويلة- إسلام الطائف، وقد ولَّى عليهم رسول الله ﷺ شابًّا منهم هو عثمان بن أبي العاص، وكان أكثرهم حرصًا على التفقُّه في الإسلام، كما أرسل معهم أبا سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة، ب، لهدم صنمهم الشهير اللَّات.
شهدت هذه الفترة -أيضًا- قدوم عدَّة وفودٍ أخرى مهمَّة للمبايعة على الإسلام؛ كان منها وفد ملوك حِمْيَر، ووفد الداريِّين، وفيهم تميم الداري، ووفد بني فزارة، ووفد مُرَّة[1].
[1] انظر: د. راغب السرجاني: من هو محمد صلى الله عليه وسلم، دار التقوى للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1442= 2021م، ص406- 409.
التعليقات
إرسال تعليقك