إن نشأة المشاكل المرتبطة بالأقليات العرقية كالأكراد والأمازيغ والنوبة كانت مرتبطة بسقوط الخلافة الإسلامية أو ضعفها الشديد
الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
وَصَفَ اللهُ نبيَّه محمدًا ﷺ بأنَّه ذلك الرجل الذي يحمل النور، ويهدي الناس إلى طريق النجاة. جاء هذا الوصف بأكثر من طريقةٍ في كتاب الله تعالى.
وصفه بالهادي:
ما أشبه الإنسان الذي لا يعرف الله بالتائه في ليلٍ بهيمٍ في صحراء مظلمة يقترب من الهلكة! هذا التائه أحوج ما يكون إلى نور، وأحوج ما يكون كذلك إلى مَنْ يهديه إلى الطريق الصحيح الذي يُنجِّيه من الهلكة.
وَصَفَ اللهُ نبيَّه محمدًا ﷺ بأنَّه ذلك الرجل الذي يحمل النور، ويهدي الناس إلى طريق النجاة. جاء هذا الوصف بأكثر من طريقةٍ في كتاب الله تعالى. قال الله عز وجل مخاطبًا نبيَّه: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: 52]، وقال كذلك: ﴿وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ﴾ [الحج: 67]، وقال: ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الزخرف: 43]، وقال أيضًا: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 33]، وكرَّر سبحانه الآية نفسها في سورة الصَّفِّ [الصف: 9]، وقال كذلك بصورةٍ مشابهة: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا﴾ [الفتح: 28]، ووَصَفَ الله عز وجل رسوله ﷺ بأنَّه الحامل لنور الهداية، بل هو نور الهداية نفسه! قال تعالى: ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾ [الأحزاب: 46]، وجعل اللهُ تعالى الهداية في طاعته ﷺ، والفتنة والعذاب في مخالفة أمره. قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ [النور: 54]، وقال: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63].
والهداية التي وُصِفَ بها رسول الله ﷺ تختلف عن هداية ربِّ العالمين؛ فهداية الرسول ﷺ للناس تعني إرشادهم بأمانةٍ ودِقَّةٍ إلى الطريق الصحيح، وهو بعد هذا الإرشاد لا يملك أن يدفع إنسانًا بعينه، مهما كان حريصًا عليه، محبًّا له، إلى ولوج هذا الطريق، أمَّا هداية الله تعالى فهي تيسير سلوك الطريق المستقيم، ودفع العبد إلى حبِّ الإيمان، وكراهية الكفر والعصيان. من هذا المنطلق يمكن أن نفهم قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: 272]؛ فليس على الرسول ﷺ أن يدفعهم إلى طريق الهدى؛ إنَّما عليه الإرشاد له فقط، أمَّا تيسير السير فيه فعلى الله وحده.
ومثل ذلك -أيضًا- ما جاء في قوله تعالى وهو يخاطب نبيَّه محمدًا ﷺ وقد اجتهد بشدَّةٍ في دفع المشركين للإيمان فأبَوا عليه: ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ﴾ [النحل: 37]. لقد اجتهد الرسول ﷺ جدًّا في دعوتهم، لكن -لمرضٍ في قلوبهم- حرمهم الله من هذه النعمة، وقضى عليهم بالضلال.
ومثله -أيضًا- قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [النمل: 81]، وكذلك قوله تعالى: ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: 40]؛ فالذي اختار العمى لن يرى النور الذي مع رسول الله ﷺ، والذي اختار الصمم لن يسمع الإرشاد القويم، فهذا ليس قصورًا في الدعوة والهداية؛ إنَّما فَعَل الرسول ﷺ ما عليه واختار المدعوُّ العمى والضلال.
والقرآن الكريم يحفل بالآيات التي تبيِّن أنَّ المهمَّة الأساس لرسول الله ﷺ هي البلاغ والتذكير، وتنفي عنه القدرة على تغيير معتقد الناس بإرادته، فهذا التغيير لا يُحدِثه إلَّا الله تعالى، ولا يُسأل عنه الأنبياء أو الدعاة. من هذا النوع من الآيات ما جاء في قوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ` لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ [الغاشية: 21، 22]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ [الزمر: 41]، وقوله أيضًا: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق: 45]، وأمر اللهُ تعالى نبيَّه ﷺ أن يقول ذلك للناس، فقال له: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ [الأنعام: 104][1].
[1] انظر: د. راغب السرجاني: من هو محمد، دار التقوى للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1442= 2021م، ص45، 46.
التعليقات
إرسال تعليقك