الرسول

الحديث عن مناسك الحج، ينبغي أن يكون تحت شعار:«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»[1]، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن يُخطئ كثير من الناس عندما يظنون أن سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصورة على الأعمال التي قام بها هو صلى الله عليه وسلم في حجته العظيمة من العام العاشر من الهجرة؛ لأن مفهوم السُّنَّة أوسع من ذلك! فالسُّنَّة كما يقول علماء الأصول: هي كل قول أو فعل أو تقرير للرسول صلى الله عليه وسلم[2]..

فهي بذلك أشياء متعددة؛ فما فعله الرسول في حجه أو عمرته فهو سُنَّة، وما قاله وإن لم يفعله، فهو سُنَّة كذلك، وما أقرَّ أصحابه عليه؛ سُنَّة -أيضًا- مع أنه لم يقله ولم يفعله، بل لا يُشترط أن يكون الإقرار بالتأييد أو الترحيب، إنما يكفي السكوت؛ لأنه لن يسكت على باطل صلى الله عليه وسلم؛ ومن ثَمَّ لو سكت صار هذا بمنزلة الرضا منه؛ ومن ثَمَّ صار سُنَّة كذلك.

 وتبدأ مناسك الحج الفعلية من يوم التروية، وهو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وفي هذا المقال نبحر مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والمناسك المشروعة في هذا اليوم.

لماذا سُمِّي بالتروية؟

سبب هذه التسمية هو: أنه لم يكن بعرفة ومزدلفة ماء في الزمن القديم، وكان الناس في اليوم الثامن يستقون الماء لحمله معهم إلى عرفات ومزدلفة، إمَّا أن يحملوه من ذي المجاز[3] أو من مكة.

الإحرام بالحج

- إذا كان يوم التروية  أحرم بالحج ضحًى من مكانه الذي أراد الحج منه.
ويفعل عند إحرامه بالحج كما فعل عند إحرامه بالعمرة من الغسل والطيب والصلاة.

- ثم ينوي الإحرام بالحج ويُلَبِّي.
وصفة التلبية بالحج: «لَبَّيْكَ حجًّ[4]، لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ»[5].
وإن كان خائفًا من عائق يمنعه من إتمام حجِّه اشترط، فقال: «وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني». وإن لم يكن خائفًا من عائق لم يشترط[6].

وقد ذهب الشَّافعيَّة إلى صحَّة الاشتراط، وأنَّه يُفيد إباحة التَّحلُّل من الإحرام عند وجود الحابس كالمرض، فإذا لم يشترط لم يَجُزْ له التَّحلُّل، ثمَّ إن اشترط في التَّحلُّل أن يكون مع الهدي وجب الهدي، وإن لم يشترط فلا هدي عليه، وفيه تفصيل.

وتوسَّع الحنابلة فقالوا: يستحبُّ لمن أحرم بنسك حجٍّ أو عمرةٍ أن يشترط عند إحرامه. ويفيد هذا الشَّرط عندهم شيئين:
أحدهما: إذا عاقه عدوٌّ أو مرضٌ أو غيرهما يجوز له التَّحلُّل. الثَّاني: أنَّه متى أحل بذلك فلا دم عليه ولا صوم، سواءٌ أكان المانع عدوًّا، أو مرضًا، أو غيرهم[7].
ثم يقول: «اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لاَ رِيَاءَ فِيهَا، وَلاَ سُمْعَةَ»[8].

- الانطلاق إلى منى إن لم تكن بها (ملبِّيًا).

ما يفعله الحاج في يوم التروية وليلة عرفة:

*   البقاء في منى وأداء صلاة الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، والفجر من اليوم التاسع.
*   تصلي كل صلاة في وقتها وتصلي الرباعية ركعتين (قصرًا)، والمحافظة على سُنَّة الفجر والوتر؛ حيث كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يُحافظ عليها.
*   المحافظة على الأذكار المشروعة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم.
*   إشغال الوقت بالذكر والقراءة وسؤال أهل العلم عن ما خفي حكمه.
*   يكون الإحرام على الكتفين والاضطباع لا يشرع إلاَّ عند طواف القدوم.
*   يجتنب الجدال والكلام فيما لا طائل منه.
*   المبيت في منى هذه الليلة أسوة بالمصطفى صلى الله عليه وسلم.

مسائل خاصة بيوم التروية وليلة عرفة:

1- الذهاب إلى عرفة ليلة التاسع من ذي الحجة، وعدم المبيت بمنى:

يجوز الذهاب إلى عرفة ليلة عرفة لنصب الخيام وإعداد المكان خشية الزحام، ويجب على الحاج أن يقف بعرفة يوم عرفة؛ ووقتُ الوقوف يبدأ من طلوع فجر يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم العيد، فإن دخلها نهارًا وجب أن يجمع مع النهار جزءًا من الليل ولو لحظــة، فإن لم يُدرك الوقوف بعرفة إلاَّ لحظة من ليلة العيد أجزأه ذلك.

وأشار الشيخ ابن عثيمين إلى أنه لو تقدَّم إلى عرفة ولم يبت في منى في ليلة التاسع فلا حرج عليه؛ لحديث عروة بن المضرس أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر يوم العيد في مزدلفة، قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله، إنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي، وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاللهِ! مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إِلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَهِدَ صَلاَتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلاً، أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ[9]»[10].

ولم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم المبيت بمنى ليلة التاسع، وهذا يدلُّ على أنه ليس بواجب[11].

2- قيام الليل جماعة في غير التراويح:

قيامُ الليل جماعة في غير رمضان جائز بشرط عدم المواظبة عليه، فلا تُسَنُّ صلاة الليل جماعة في غير رمضان ولكن تجوز؛ سواء صُلِّيت جماعة في البيت أو في المسجد، وذهب بعض أهل العلم إلى أن المداومة على صلاتها جماعة بدعة، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية : حيث قال: صلاة التطوع في جماعة نوعان: أحدهما: ما تُسَنُّ له الجماعة الراتبة؛ كالكسوف، والاستسقاء، وقيام رمضان، فهذا يُفَضَّل في جماعة دائمًا، كما مضت به السُّنَّة. الثاني: ما لا تُسَنُّ له الجماعة الراتبة؛ كقيام الليل، والسنن الرواتب، وصلاة الضحى، وتحية المسجد.. ونحو ذلك، فهذا إذا فُعِلَ جماعة أحيانًا جاز، وأمَّا الجماعة الراتبة في ذلك فغير مشروعة، بل بدعة مكروهة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين لم يكونوا يعتادون الاجتماع للرواتب على ما دون هذ[12].

3- حكم الذهاب إلى عرفة مباشرة:

إن المفرِد أو القارن إذا ذهب إلى عرفة مباشرة ولم يدخل مكَّة إلاَّ يوم النحر، فإنه يطوف طوافًا واحدًا هو طواف الإفاضة، ويُجزئه طواف الإفاضة عن طواف القدوم، ومن أَهْلِ العلمِ مَنْ قال باستحباب طواف القدوم قبل طواف الإفاضة كما هو مذهب الحنابلة[13].

https://en.islamstory.com/index.php/ar/artical/3408403/اعمال-يوم-التروية