الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
معجزات في الحيوان، مقال على موقع قصة الإسلام، يعرض معجزات الرسول مع الحيوانات ومنها قصة الجمل الذي بكى أمام النبي صلى الله عليه وسلم
معجزات في الحيوانات
وقد تمثَّل ذلك في أشكال عدَّة، كان منه تكليم ذراع الشاة المسمومة له r، وإخباره بأنه مسموم. وقد وقع ذلك في غزوة خيبر، حين أهدت زينب بنت الحارث اليهوديَّة امرأة سلام بن مشكم رسول الله r شاةً مشويَّة قد سمَّتها، وكانت قد سألت: أي اللحم أحبُّ إليه؟ فقالوا: الذراع. فأكثرت من السمِّ في الذراع، فلما انتهش r من ذراعها، أخبره الذراع بأنه مسموم، فلَفِظَ الأكلة.
يقول أبو هريرة t: لمَّا فتحت خيبر أُهْدِيَتْ لرسول اللَّه r شاةٌ فيها سمٌّ، فقال رسول اللَّه r: "اجْمَعُوا لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنَ الْيَهُودِ". فَجُمِعُوا لَهُ... فَقَالَ لَهُمْ: "هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟" قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: "هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا؟" فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: "مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟" فَقَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا نَسْتَرِيحُ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ[1].
وفي سياق معجزاته r في الحيوانات، لنا أن نتأمل قصة الجمل الذي بكى واشتكى للنبي r ما يلاقيه من تعب وجوع!
فقد روى عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: أردفني رسول الله r خلفه ذات يوم فدخل حائطًا[2] r حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله r فمسحذفراه[3] مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟" فجاء فتًى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله. فقال: "أَفَلا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا؟! فَإِنَّهُ شَكَى إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ[4]"[5]. فسكن، فقال: " لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي
وفي رواية أخرى عن يحيى بن مُرَّة من حديث طويل قال فيه: وكنت عنده - أي عند النبي r - جالسًا ذات يوم، إذ جاءه جملٌ يُخبِّب حتى ضَرَبَ بِجِرَانِهِ بين يديه ثم ذرفت عيناه، فقال: "وَيْحَكَ، انَظْرُ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ، إِنَّ لَهُ لَشَأْنًا". قال: فخرجت ألتمس صاحبه، فوجدتُه لرجل من الأنصار، فدعوته إليه، فقال: "مَا شَأْنُ جَمَلِكَ هَذَا؟" فقال: وما شأنه؟ قال: لا أدري والله ما شأنه، عملنا عليه، ونضحنا عليه حتى عجز عن السقاية، فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسِّم لحمه، قال: "فَلاَ تَفْعَلْ، هَبْهُ لِي أَوْ بِعْنِيهِ"[6].
وفي هذه المعجزة دَلالة مهمَّة على أهمِّيَّة الرحمة بالحيوان، ومراعاة حاله من القوة والضعف والراحة والتعب[7].
ومثل هذا الجمل الذي بكى أمام النبي r واشتكى له، فقد سجد له بعيرٌ آخر هائج لم يقدر عليه صاحبه.
يروي ذلك أنس بن مالكٍ t فيقول: كان أهل بيتٍ من الأنصار لهم جملٌ يَسْنُونَ عَلَيْهِ، وإنَّ الجمل اسْتُصْعِبَ عليهم فمنعهم ظَهْرَهُ، وَإِنَّ الأنصار جاءوا إلى رسول الله r فقالوا: إنَّه كان لنا جملٌ نُسْنِي عليه وَإِنَّهُ اسْتُصْعِبَ علينا وَمَنَعَنَا ظَهْرَهُ، وَقَدْ عَطِشَ الزَّرْعُ وَالنَّخْلُ.
فقال رسول الله r لأصحابه: "قُومُوا". فقاموا، فدخل الحائطَ والجمل في ناحيةٍ، فمشى النَّبيُّ r نحوه، فقالت الأنصار: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّهُ قَدْ صَارَ مِثْلَ الْكَلْبِ الْكَلِبِ[8]، وَإِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ صَوْلَتَهُ.
فَقَالَ: "لَيْسَ عَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ". فَلَمَّا نَظَرَ الْجَمَلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r أَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ r بِنَاصِيَتِهِ أَذَلَّ مَا كَانَتْ قَطُّ حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي الْعَمَلِ.
فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ بَهِيمَةٌ لا تَعْقِلُ تَسْجُدُ لَكَ، وَنَحْنُ نَعْقِلُ، فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ. فَقَالَ: "لا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ..."، الحديث[9].
وفي هذا السياق أيضًا، فقد غاصت رجلا فرس سُراقة في الأرض بدعائه r!!
وكان ذلك لمَّا يئس المشركون من الظَّفَر برسول الله r وصاحبه أبي بكر t يوم الهجرة، فجعلوا لمن جاء بهما جائزة تبلغ مائة ناقة، وفي ذلك يروي سراقة بن جُعْشُم (أحد المشركين يومئذ) فيقول: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ r وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ. قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلاَنًا وَفُلاَنًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا. ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ[10]r وَهُوَ لا يَلْتَفِتُ وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الاِلْتِفَاتَ سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ، حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ [11]r، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ.وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي وَلَمْ يَسْأَلاَنِي إِلاَّ أَنْ قَالَ: "أَخْفِ عَنَّا". فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ r[12]. سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلاَمِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالأَمَانِ فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ الأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي، فَرَكِبْتُهَا فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ، فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلاَمَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لا، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الأَزْلاَمَ تُقَرِّبُ بِي، حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ
وجاء في حديث أنس: فقال: يا نبي الله، مرني بما شئت. قال: "فَقِفْ مَكَانَكَ، لا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا". قال: فكان أول النهار جاهدًا على رسول الله r، وكان آخر النهار مَسْلَحَة له[13]. وذكر ابن سعد أنه لمَّا رجع قال لقريش: قد عرفتم بصري بالطريق وبالأثر، وقد استبرأتُ لكم فلم أَرَ شيئًا. فرجعوا[14].
يقول النووي معلِّقًا: "وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله r"[15].
[1] البخاري: كتاب الطب، باب ما يذكر في سم النبي صلى الله عليه وسلم (5441).
[2] الحائط ههنا: البُسْتانُ من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجِدارُ. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة حوط 7/279.
[3] ذفرى البعير: أصل أذنه، وهو الموضع الذي يعرق منه الإبل خلف الأذن. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة ذفر 4/306.
[4] تدئبه: أي تتعبه، وتعمل عليه عملاً متواصلاً.
[5] رواه أحمد (1754)، وأبو داود (2549)، الحاكم (2485)، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الألباني: صحيح، انظر السلسلة الصحيحة (20)، وصحيح أبي داود (2222).
[6] رواه أحمد (17583)، وابن أبي شيبة (31753).
[7] مصطفى مراد: 100 معجزة ومعجزة من معجزات الرسول r ص54.
[8] الْكَلِبِ: المفترس. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة كلب 1/721.
التعليقات
إرسال تعليقك