الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
العدالة البيئية نظرة مقارنة بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الغربية مقال للأستاذة الدكتورة مشكاة المؤمن يوضح الإجراءات المتخذة ضد التلوث
يقصد بالعدالة البيئية اتخاذ الإجراءات القانونية للحيلولة دون نشوء بؤر للتلوث البيئي في المناطق التي تسكنها الطبقات الفقيرة أو المسحوقة في المجتمع؛ بحيث تكون المؤسسة البيئية مسئولة عن ضمان المحورين الآتيين:
- محاربة بؤر التلوث والحيلولة دون نشوئها من خلال منع تركز النشاطات الملوثة للبيئة في مناطق سكن الطبقات المسحوقة؛ ذلك أن تركيز النشاطات الملوثة في أماكن عيش الطبقات الفقيرة، أو في أماكن عيش شريحة عريقة معينة، بشكل يبدو معه المجتمع -ممثلاً بالمؤسسة البيئية- وكأنه يعاقب مجموعة من أبنائه على فقرهم، أو انتمائهم لشريحة معينة، أو حتى إيمانه بثقافة معينة، من خلال الموافقة على إقامة النشاطات الملوثة للبيئة في هذه المناطق تحديدًا، بدلاً من اختيار مواقع بديلة بعيدًا عن المناطق السكنية، وبغض النظر عن العرق أو مستوى دخل السكان؛ مما يحقق ركن الاستهداف وهو الركن الأول من أركان انعدام العدالة البيئية؛ بمعنى أن المجتمع -بشكل مباشر أو غير مباشر- يستهدف أبناء طبقة معينة أو شريحة معنية داخله؛ لتكون النتيجة أن المجتمع لا يبالِي بصحة وسلامة أبناء هذه الشريحة وبشكل يمكن اعتباره تمييزًا ضدها[1].
- اعتماد مفهوم الأثر المضاعف للتلوث Cumulative Impact Assessment أساسًا قانونيًّا وبيئيًّا لعملية قياس الأثر البيئي للمشاريع المزمع إقامتها في هذه المناطق؛ فعندما تعمد المؤسسة البيئية إلى منح شهادة تقييم الأثر البيئي لمشروع معين فلا يجب –استنادًا لمفهوم العدالة البيئية- قياس الأثر البيئي لهذا المشروع منفردًا، بمعنى النظر إلى حجم ما يلقيه المشروع لوحده من عوادم وانبعاثات للبيئة، التي بكل تأكيد سيسعى أصحاب المشروع إلى التأكد من تحققها؛ ولكن يجب النظر إلى الأثر المضاعف للتلوث الحاصل من خلال زيادة حجم العوادم والغازات التي تلقى إلى بيئة هذه الشرائح؛ فإذا كانت هذه البيئة هي في الأصل تشكو من ارتفاع نسبة التلوث فيها، مما يضاعف أثر الملوثات ويجعلها أخطر على صحة سكاني هذه المناطق من أبناء الشرائح المستهدفة؛ مما ينجم عنه انحدار كبير في نوعية الهواء مثلاً، أو نوعية المصدر المائي الذي تعتمد المنطقة كليًّا عليه.
وعلى الرغم من أن فلسفة العدالة البيئية تبدو منطقية بل بديهية؛ فهي تقوم على حق أفراد المجتمع على اختلاف أعراقه أو أجناسه أو دخله بالتمتع ببيئة نظيفة وصحية، والحقيقة أن هذا المفهوم ساهم وإلى حد كبير في اعتبار الحق في بيئة نظيفة الجيل الثالث لحقوق الإنسان بعد الحقوق المدنية والسياسة؛ باعتبارها الجيل الأول لتكون الحقوق الاجتماعية الاقتصادية والثقافية الجيل الثاني[2].
نشأة مفهوم العدالة البيئية
بدأت نشأة مفهوم العدالة البيئية -بشكلها الحديث- في الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع الثمانينيات[3]؛ حيث بدأت الجمعيات البيئية تلاحظ أن المصافي والمعامل وغيرها من المنشآت التي ينجم عنها إلقاء عوادم خطرة على صحة الإنسان يتم بناؤها في المناطق الفقيرة، التي يسكنها أغلبية ساحقة من الأفارقة الأمريكيين؛ بحيث تنفث هذه المعامل والمحارق سمومها، وتطرح فضلات التصنيع في هذه المناطق بشكل ازدادت معه الإصابات بالتدرن الرئوي والربو.. وغيرها من الأمراض بين أفراد هذه الشريحة؛ لتتكرر هذه المحاولات في المناطق التي تقطنها شريحة المهاجرين ذوي الأصول الإسبانية.
تجدر الإشارة إلى أن بناء وتشيد هذه المعامل كان يتم بشكل أصولي؛ بمعنى أن المعمل المزمع تشييده ينجح في اجتياز اختبار تقييم الأثر البيئي؛ ذلك أن قياس الأثر البيئي كان يتم من خلال اعتماد مبدأ الأثر الفردي للمشروع؛ بحيث تنظر هيئة حماية البيئة الأمريكية إلى مقدار العوادم التي يلقيها هذا المشروع منفردًا إلى بيئة هذه المناطق دون ملاحظة الأثر المضاعف للتلوث؛ مما دفع الجمعيات البيئية إلى تحدي إجازة هذه المشاريع أمام القضاء؛ إلا أن القليل من هذه القضايا حالفه النجاح.
ويرجع السبب في ذلك إلى نقص التشريع البيئي الأمريكي عن معالجة هذه الحالة؛ فطبقًا للقانون البيئي والتعليمات البيئية المعتمدة تم إجازة هذه المشاريع وحصولها على شهادة تقييم الأثر البيئي، التي تتضمن أن إنشاءها لا يؤثر سلبًا على البيئة؛ لأن ما تلقيه من عوادم هو ضمن النطاق المسموح به؛ مما دفع إدارة الرئيس كلينتون عام 1994 إلى إصدار مرسوم برقم 12898 يخول هيئة حماية البيئة الأمريكية اتخاذ الإجراءات القانونية لضمان معاملة عادلة ومنصفة لجميع أفراد المجتمع دون تمييز بسبب عرق أو لون أو جنس للتمتع ببيئة صحية ونظيفة، وإلزامها التأكد من عدم اتخاذ أي إجراء من شأنه تأصيل عمل ذو طبيعة تمييزية يحمل أفراد المجتمع عبء العيش في مناطق ملوثة بسبب لون أو عرق أو جنس أو ثقافة دون تحول المناطق إلى بؤر للتلوث.
إلا أن المشاركين في ورشة عمل العدالة البيئية في ديسمبر عام 2003 في وسط وشرق أوربا في بودابست أضافوا محورين آخرين لمفهوم العدالة البيئية:
- التوزيع العادل للموارد الطبيعية بين أبناء المجتمع؛ بحيث تم التوسع بنطاق الموارد الطبيعية ليشمل عناصر البيئة من ماء وهواء وتربة؛ وبالتالي يصبح لكل مواطن -ودون تمييز- الحق في الحصول على مورد مائي نقي، فضلاً عن العيش في منطقة هوائها نقي وتربتها صالحة[4].
- إشراك المواطنين كافة ودون تمييز في اتخاذ القرار البيئي، وإتاحة المعلومات اللازمة أمامهم لاتخاذ القرار السليم؛ ذلك أن كثيرًا من الفقهاء يعزو مشاكل انعدام العدالة البيئية إلى عدم مشاركة هذه الطبقات في القرار السياسي مما يسهل استهدافهم[5].
الجذور التاريخية التي أدت إلى انعدام العدالة البيئية في أمريكا؛ نظرة مقارنة مع الحضارة العربية الإسلامية:
تعود جذور تحديات العدالة البيئية في الولايات المتحدة إلى نشأة الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها؛ حيث جرى استيراد الأفارقة الأمريكيين كـ"عبيد" من القارة الإفريقية؛ ليكون شكل المجتمع طبقيًّا، ويتم تجذير فكرة التمييز بين طبقات المجتمع، فلم يكن يُسمح قانونًا للعبيد العيش في ذات المناطق التي يعيش فيها مخدومهم[6].
وبالنظر إلى قلة دخلهم فلم يستطع العبيد الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية؛ مما جعل المناطق التي يعيشون فيها تفتقد للخدمات الأساسية، وشروط إدارة الموارد البيئية فيها بشكل سليم؛ حيث تم تطبيق قوانين الفصل العنصري المعروفة باسم قوانين Jim Crow في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدًا الولايات الجنوبية من عام 1876 وحتى عام 1964[7].
وكانت هذه القوانين تمنع الأفارقة الأمريكيين من الوصول إلى الموارد الطبيعية، وتفرض عليهم العيش في مناطق محددة بعيدًا عن مناطق التي يقطنها السكان البيض، وكانت مناطقهم تخلو بحكم هذه القوانين من شروط الإدارة البيئية السليمة؛ مما أدى إلى تحولها إلى بؤر تلوث لاحقًا، ليدفع في النهاية المجتمع ككل الثمن.
لقد ساهمت هذه القوانين في إضعاف البنية الصحية للأفارقة الأمريكيين، لأنها كانت تحول بينهم وبين الوصول إلى الخدمات الصحية والبيئية السليمة؛ مما خلق شعورًا بينهم بعدم أهمية البيئة، فهم لم يعرفوها يومًا فكيف يمكن لهم تقدير أهميتها؟ فضلاً عن ندرة فرص التعليم المتاحة لهم.
لقد كانت هذه القوانين تفرض على الأفارقة الأمريكيين الشرب من أماكن مخصصة لهم تفتقر إلى أبسط المقومات والشروط الصحية، ليشرب البيض من أماكن تتميز بتوافر الشروط الصحية، وحتى الماء البارد صيفًا؛ بل وصل الأمر إلى تخصيص مرافق صحية للبيض وأخرى للأفارقة، وغني عن البيان أن الأخيرة كانت تفتقر لكل المقومات الصحية.
لقد كانت هذه القوانين تتعامل مع الأفارقة على أنهم عبيد أو مواطنون من درجة ثانية، وبالتالي فهم لا يستحقون التمتع ببيئة صحية وسليمة؛ فلأنهم مواطنون من الدرجة الثانية لا يحق لهم شرب مياه صحية، ولا يحق لهم استعمال مرافق صحية نظيفة.
لاحظ الفرق بين مستوى الخدمات، وبالتالي فقد كانت الموارد المالية والطبيعية من حق البيض فقط.
لتستمر معاناتهم حتى بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث كان الجنود الأفارقة يأكلون في مطبخ القاعدة العسكرية، ليجلس الأسرى الألمان في القاعة المخصصة للطعام؛ بل كانت الحافلات الخاصة بنقل الركاب لا تسمح بجلوس الأفارقة، وكانوا ملزمين بترك أماكنهم للركاب البيض، استمر ذلك حتى عام 1955 عندما رفضت سيدة إفريقية تدعى Rosa Parks مغادرة مكانها في الحافلة لصالح مواطن من عرق أبيض؛ لتشتعل ثورة المطالبة بالحقوق المدنية والسياسية للأفارقة، وكان على أثرها قيام مجموعة من المحاميين بالعمل على إلغاء قوانين Jim Crow، ولم يتحقق ذلك حتى عام 1964.
إلا أن حرمانًا دام 88 عامًا –أي زهاء قرنٍ من الزمن- لا بُدَّ أنه ترك آثارًا سلبية على صحة الأفارقة الأمريكيين؛ كما رسخ شعورًا عامًا أنهم مواطنون من الدرجة الثانية؛ لتبدأ بعدها معاناة من نوع آخر؛ حيث تم بناء كافة المشاريع الصناعية الملوثة للبيئة في مناطقهم، حيث استمر الأفارقة بالعيش في مناطق خاصة بهم؛ ذلك أنهم لا يمتلكون المكنة الاقتصادية اللازمة للعيش في مناطق سكنية تتميز بتوافر الخدمات الصحية والبيئية؛ ذلك أن قوانين Jim Crow كانت تفرض قيودًا على تشغيل الأفارقة؛ مما جعل دخلهم محدودًا للغاية.
ليسود شعور عام لدى المستثمرين أن الأفارقة "معتادون" على العيش في هذه المناطق، بعبارة أخرى معتادون على التلوث؛ وهكذا أصبحت مناطقهم بؤرًا للتلوث البيئي الناجمة عن بناء مشاريع صناعية أكثر مما تستطيع عناصر البيئة -من ماء وهواء وتربة- في تلك المناطق استيعاب ما يلقى إليها من ملوثات دون الإضرار بها؛ مما انعكس سلبًا على صحة السكان؛ لتظهر بينهم إصابات بأمراض مزمنة؛ كالربو، والتدرن الرئوي، والأمراض التي تنتقل عن طريق المياه أيضًا.
إن هذا التلوث لم يترك أثره فقط على تلك المناطق؛ بل ساهم في خلق بؤر للتلوث في الولايات الأمريكية؛ وبالتالي الإضرار بفرص التنمية المستدامة؛ بمعنى إذا لوثت الأجيال الحالية كل أو معظم المياه فلن تتبقى مياه صالحة للأجيال القادمة.
وكان أن تصدت المنظمات البيئية والنشاطين البيئيين لهذه الظاهرة؛ مطالبين بتطبيق العدالة البيئية؛ ليضاف إلى العدالة البيئية محورًا آخر ألا وهو التمييز العنصري البيئي[8]Environmental Racism؛ سواء إن تم عن وعي كامل بالسلوك العنصري؛ حيث يسعى المستثمرون متعمدين إلى بناء أنشطتهم الملوثة في مناطق الأفارقة والأقليات، لأن السكان بنظر المستثمرين هم مواطنون من الدرجة الثانية؛ أو أن المستمرين يعتقدون أن سكان هذه المناطق معتادون على التلوث، فيعمدون إلى بناء مشاريعهم الملوثة فيها عن غير عمد فهم مواطنون من الدرجة الأولى؛ لكنهم معتادون على التلوث.
بمعنى أنه في الحالة الأولى فإن المستثمرين يؤمنون بقوانين Jim Crow، ويسعون لتطبيقها؛ على الرغم من إلغائها، أما في الحالة الثانية فإن المستثمرين يطبقونها دون قصد؛ وإنما إهمالاً؛ إلا أنه في كلا الحالتين فإن هذه القوانين طبقت.
إن انعدام الوعي وضعف تمثيل الطبقات المسحوقة ساهم بشكل كبير في حرمانها من الوصول إلى الموارد الطبيعية، وتوفير إدارة بيئية سليمة في مناطق سكنهم؛ حيث كان الظن السائد لدى مجلس المحلي لإدارة هذه المناطق أن المشاريع الصناعية ستجلب الرخاء الاقتصادي إلى هذه المناطق؛ إلا أن الواقع هو أن حجم التلوث الذي تلقيه إلى البيئة ساهم في خفض قيمة العقارات وهروب الاستثمار، فضلاً عن تفشي الأمراض بين السكان.
بمعنى أن جذور المشكلة ترجع إلى تأصل فكرة التمييز بين أفراد المجتمع، وضرورة أن يعيش أفراد معينين من أبناء المجتمع في أمكان خاصة بهم؛ فكل طبقة أو شريحة عريقة تستقر وتستوطن في مدينة معينة لتنعكس الأحوال المعيشية والثقافية والاقتصادية على إدارة موارد المدنية بيئيًّا؛ ليصدر بعد ذلك مرسوم العدالة البيئة المذكور أعلاه ليبدأ المجتمع بمعالجة هذه الأزمة.
ولعل هذا الاستنتاج يمثل أساس المقارنة بين الحضارة العربية الإسلامية وتوجه هذه الحضارة في احتواء مفهوم العدالة البيئية؛ ذلك أن المجتمع العربي قبل الحضارة العربية الإسلامية، وتحديدًا قبل ظهور الإسلام باعتباره مؤسس تلك الحضارة كان مجتمعًا طبقيًّا؛ يقوم على التمييز بين السادة والعبيد، وكان العبيد يعاملون معاملة سيئة، ويعيشون ظروفًا مزرية.
فالعبيد الذين يرعون الغنم يعيشون في أماكن خاصة بهم؛ مما يعني احتمال تحولها إلى بؤر تلوث، أما عبيد الخدمة المنزلية فهم يعيشون مع السادة؛ إلا أنهم لا يصلون إلى الموارد الطبيعية ولا يتمتعون بها، فلا يأكلون مما يأكل السادة، ولا يشربون مما يشرب السادة، وهم يعملون حتى يأذن لهم السادة بالراحة؛ فإذا أخذنا بنظر الاعتبار قسوة البيئة الصحراوية فإن المجتمع العربي قبل الإسلام كان سيواجه كوارث بيئية ناجمة عن ظهور بؤر التلوث داخله.
لقد حاول المجتمع العربي عند ظهور الإسلام قطع الموارد عن المسلمين بهدف القضاء عليهم؛ مما يعدّ تطبيقًا قاسيًا لحالة من حالات انعدام العدالة البيئية؛ ذلك عندما حوصر الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- في شعاب مكة حيث حرم المسلمون من الوصول إلى الموارد الطبيعية من ماء وغذاء، وكان استهدافهم بناءً على إيمانهم بعقيدة معينة؛ وبالتالي ممارسة أعمال التمييز ضد كل من انتمى إلى هذه العقيدة؛ مما يدل على استعداد المجتمع لممارسة التمييز والاضطهاد البيئي الذي وصل إلى حد حرمانهم من الوصول إلى الموارد الطبيعية.
أما توجه الحضارة العربية الإسلامية فكان على النقيض تمامًا؛ حيث ارتكزت هذه الحضارة على المساواة في الحقوق والواجبات بين السادة والعبيد؛ مما أتاح الفرصة أمام العبيد إلى الوصول إلى الموارد الطبيعية، وبالتالي الحيلولة دون نشوء بؤر التلوث في بيئة صحراوية قاسية؛ وهكذا كان الإسلام وتبعًا له الحضارة العربية الإسلام مستوعبًا لبيئته أو إن جاز التعبير ابن بيئته[9].
ولهذا كان الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول عن العبيد: "أَكْرِمُوهُمْ كَكَرَامَةِ أَوْلَادِكُمْ، وَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ"[10]. لقد كان ذلك جحر الزاوية لإنقاذ المجتمع العربي من نشوء بؤر للتلوث داخله؛ حيث إن الوصول إلى الموارد الطبيعية وبشكل متساوٍ ومتاح أمام الجميع ودون تمييز هو الأساس في عدم نشوء بؤر التلوث.
وهكذا تطورت فكرة العدالة البيئية مع الحضارة الإسلامية؛ ليشهد المجتمع العربي الإسلامي انتشار مفهوم الصحة والبيئة العامة، وإتاحتها أمام الجميع، بما في ذلك انتشار المرافق الصحية العامة المتاحة للجميع، وانتشار طرق وقنوات تصريف المياه في المدن العربية، وبعكسه فقد كان مصير المجتمع العربي إلى الزوال لأنه كان قائمًا على حرمان فئة من المجتمع من الوصول إلى الموارد الطبيعية.
وانعكس ذلك في الفتوحات الإسلامية فلم يعامل المسلمون سكان البلاد الأصلية على أنهم عبيد أو سبايا؛ بل سعوا إلى تعليمهم وتثقيفهم، وقبل كل شيء تسهيل وصولهم إلى الموارد الطبيعية، وجعل هذه البلاد حواضر إسلامية لا تقل شأنًا عن مركز الخلافة؛ في حين أن دول نظام الانتداب أو الاستعمار في أعقاب كلا الحربين العالميتين الأولى والثانية، لم تعمل على ذلك؛ لأنها أصلاً تؤمن بفكرة طبقية المجتمع؛ سواء أكان طبقة نبلاء أو برجوازية؛ فقد تركت الحضارة العربية الإسلامية خلفها آلاف المفكرين والمبدعين ممن هم قادرون على إدارة الموارد البيئة إدارة بيئية سليمة؛ في حين أن فرنسا مثلاً عندما غادرت الكونغو لم تترك فيه غير خمسة فقط ممن يحملون شهادة عليا!
كانت الدولة الإسلامية تعتني بالمرافق الخدماتية والعامة بشكل ملحوظ؛ فكانت تقيم المساجد، ويلحق بها المكتبات العامة المزودة بأحدث الإصدارات في عصرها؛ بمعنى أن المسجد لم يكن مكانًا للعبادة فقط؛ بل كان قد أصبح مكانًا للعلم والثقافة المجانية وزيادة الوعي لدى المواطنين؛ بحيث يسهل على الفقراء وذوي الدخل المحدود الوصول إلى العلم والوعي اللازمين لمعالجة مشاكلهم، والارتقاء بحالهم إلى حال أفضل.
فالكثير من علماء المسلمين في مجال الطب، الفلك، الرضيات، الكيمياء، الفيزياء.. وغيرها كانوا فقراء أو من أعراق أخرى غير عربية، ولم يحل ذلك دون وصولهم إلى الموارد الطبيعية، ومن ثم مراكز صنع القرار؛ في حين أن غياب الوعي لدى الكثير من الأفارقة الأمريكيين حال دون وصولهم إلى الموارد الطبيعية، ودون تقديرهم لحجم المخاطر البيئية، كما حال دون حصولهم على فرص عمل أفضل، تمكنهم من تحسين دخلهم، وبالتالي إمكانية انتقالهم للعيش مناطق تتمتع بإدارة بيئية سليمة.
كما اهتمت الحضارة الإسلامية بتوفير المرافق الصحية العامة، التي كانت متاحة أمام الجميع ودون تمييز؛ فضلاً عن مطاعم الفقراء، حيث كانت تتميز بكل الشروط الصحية والبيئية من حيث الموقع والخدمات؛ بمعنى أن ذوي الدخل المحدود كانوا يعاملون معاملة أفضل، تتمثل بتسهيل حصولهم على احتياجاتهم الأساسية من ماء وطعام وخدمات صحية، ولم يكن المجتمع يمارس أعمال التمييز ضدهم لأن دخلهم محدود؛ بل كان يساعدهم وصولاً لتحسين وضعهم، والاستفادة منهم كموارد بشرية قادرة على إغناء الحضارة العربية الإسلامية.
كما أقيمت الأسبلة لتقدم المياه للشرب بالشوارع؛ أي أن المياه الصحية الصالحة للشرب كانت متاحة أمام الجميع ودون تمييز؛ وكان إنشاء (المستشفيات الإسلامية) سمة متبعة في كل مكان بالدولة الإسلامية يقدم بها الخدمة المجانية من العلاج والدواء والغذاء، ومساعدة أسر المرضى الموعزين؛ وكان الهدف من إنشاء هذه المستشفيات غرضًا طبيًّا وعلاجيًّا؛ بمعنى أن المجتمع لم يكن يميز ضد أبنائه؛ لأنهم من ذوي الدخول المحدودة، أو لأنهم ضعاف البنية، من خلال معاملتهم معاملة أدنى؛ بل كان يدعمهم ويسهل أمامهم فرص الوصول إلى الموارد الطبيعية والعيش في بيئة سلمية تسهل أمامهم سبل الارتقاء[11].
إن عدم تمييز الحضارة الإسلامية بين الأعراق والجنسيات التي انطوت تحتها أدى إلى عدم خلق بؤر للتلوث تنخرها من الداخل، وتضعف بنية أبنائها، وتؤدي بالتالي إلى نضوب مواردها[12]؛ كما أهل هذه الحضارة إلى الاستفادة من كل الموارد البشرية المتاحة لها من مفكرين وعلماء وأدباء لإغناء هذه الحضارة[13].
وكان الهواء يُبَرَّد في المستشفيات بتوفير المياه أو بالملاقف الهوائية؛ بمعنى أن الحضارة الإسلامية كانت تعي أهمية نوعية الهواء، وخاصة للمرضى؛ لأنهم في حالة صحية أضعف من غيرهم، وبالتالي لا بُدَّ من حصولهم على عناية أكبر؛ ذلك أن المجتمع العربي الإسلامي كان يساند الفئات الضعيفة داخله، بتسهيل وصولهم إلى الموارد الطبيعية، وتهيئة بيئة سليمة أمامهم للاستفادة من مواردهم البشرية.
مقتضيات تطبيق العدالة البيئية
تفرض العدالة البيئية جملة من التطبيقات العملية التي تجعل من هذا المفهوم قاعدة قانونية تطبقها المؤسسة البيئية في عملها؛ منها:
- معادلة التمييز: فكما أن هذه الشريحة من المجتمع تحملت عبء التلوث وحدها، وحرمت من الموارد الطبيعية، فإن العدالة البيئية تقتضي توفير أقصى درجات العناية؛ ممثلة باتخاذ كل ما من شأنه وقف التدهور الحاصل في بيئة هذه المناطق؛ سواء إن تمثلت هذه الإجراءات بمنع وإيقاف التلوث الحاصل في بيئة هذه المناطق؛ وهذا ما يعرف بالنطاق السلبي لمفهوم العدالة البيئية، حيث يستند هذا النطاق في جوهره إلى المنع. أما النطاق الايجابي لمفهوم العدالة البيئية فهو اتخاذ كل إجراء يقوم على تحسين حالة البيئة في هذه المناطق؛ سواء أكان إجراء معنويًّا؛ كالقيام بحملات توعية وإرشاد بيئي تساعد السكان على التعامل مع البيئة المتضررة التي يعشون فيها، أو كان إجراء ماديًّا كأن تقوم المؤسسة البيئية بترحيل المشاريع الملوثة أو إغلاقها.
- ضمان التمثيل: فكما أن هذه الشريحة حرمت من المساهمة في صنع القرار البيئي، الذي أدى إلى اضطهادها فيجب على المؤسسة البيئية، ضمان حسن تمثيل هذه الشريحة عند اتخاذ القرار البيئي الخاص بمناطق عيشها؛ حيث يجب أن تكون هذه الشريحة ممثلة عند اتخاذ القرار، كما يجب أن تكون ممثلة عند تطبيقه، لتكون أعلى مراحل التمثيل هي مساهمة هذه الشريحة في تنفيذ القرار البيئي؛ مما ينجم عنه خلق قاعدة شعبية للمؤسسة البيئية تمكنها من تحقيق أفضل حماية بيئية ممكنة؛ ذلك أن حماية البيئة لا يمكن أن تحقق دون مساهمة فاعلة من المجتمع، تتمثل في استيعاب القرار البيئي وصولاً لسلامة تطبيقه؛ حيث يتميز القرار البيئي عن غيره من القرارات بكونه يخاطب المجتمع –على اختلاف طبقاته- فلو افترضنا -مثلاً- أن المؤسسة قررت عدم السماح بإقامة مشروع معين لكونه مخالفًا للشروط البيئية، فإن المؤسسة البيئية تخاطب المجتمع بأن هذه المشروع يؤثر سلبًا على صحة المواطنين ككل؛ في حين أن أي قرار آخر لا يتضمن مثل هذا المعنى أو المضمون[14].
وهكذا فكلما تمكن أفراد المجتمع من فهم القرار البيئي والتفاعل معه، تمكنت المؤسسة البيئية من تحقيق إدارة أفضل للموارد البيئية؛ ليتوصل المجتمع بعد ذلك إلى تنمية موارده بشكل يمكن معه للأجيال القادمة الاستفادة من هذه الموارد، وهذا ما يُعرف بالتنمية المستدامة.
نتائج وتوصيات لإعادة تبني مفهوم العدالة البيئية عربيًّا
اعتبار مفهوم العدالة البيئية أساسًا للنهوض بالمناطق التي تقطنها الغالبية الفقيرة والمسحوقة: من الغني عن البيان أن المجتمع العربي يخلو من أي نظرة تمييزية تجاه أبنائه؛ إلا أن التحدي الأكبر الذي تواجهه الكثير من المؤسسات البيئية العربية هو كيفية إيصال الخطاب البيئي؛ ومن ثم النهوض بالبيئية في المناطق التي تقطنها غالبية عظمى ممن يعيشون تحت خط الفقر؛ حيث تعاني هذه الشريحة من مشاكل مركبة تتمثل في قلة وعيها بالمخاطر البيئية، فضلاً عن ضعف -إن لم يكن انعدام- مواردها المالية، التي تمكنها من الارتقاء بوضعها.
في حين أن بقية شرائح المجتمع قادرة على مواجهة مشاكلها البيئية بشكل أفضل؛ لكونها تمتلك المعرفة اللازمة، فضلاً عن امتلاكها للمقدرة المالية اللازمة، وإن كان ذلك يتفاوت من شخص لآخر.
إلا أن الشريحة التي تعيش تحت خط الفقر تبدو بموقف ومركز الضعيف تجاه أية مشكلة بيئية؛ خاصة مشاكل تغيير المناخ[15]؛ فهذه الشريحة لا تملك المعرفة والمكنة اللازمة لمواجهة المشاكل البيئية؛ ليقع على عاتق المؤسسة البيئية -وباعتماد مفهوم العدالة البيئية- تقديم أقصى درجات العناية والدعم لهذه الشريحة؛ بدءًا من برامج التوعية والتثقيف البيئي، بشكل يساعد هذه الشريحة على مواجهة مشاكلها البيئية، وإيجاد حلول لها؛ حيث تحول المعرفة والتثقيف البيئي دون "توريث" الجهل أو عدم الوعي البيئي إلى جيل آخر، فإذا كانت الأسرة لا تعِي أهمية وضرورة الحفاظ على البيئة، فإن هذا السلوك سينقل إلى الجيل الثاني في هذه العائلة، لينشئ -على المدى الطويل- جيلاً غير واعٍ بضرورة وجود مياه صحية، وضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على مصادر المياه.
لتبدأ المؤسسة البيئية بعد ذلك ببرامج النهوض بهذه المدن، والحيلولة دون تحولها إلى بؤر للتلوث تستهلك موارد الدولة الطبيعية من خلال اعتماد المعايير البيئية، التي تحد من الأثر المضاعف للتلوث؛ فضلاً عن جعل هذه المدن في مقدمة خطط التنمية والتحديث.
حيث لا يمكن للمباشر بخطط التنمية العمل بمعزل عن تعاون هذه الشريحة وإشراكها في عملية صنع القرار البيئي، وصلاً للنهوض ببيئتها، وإلا فإن بؤر التلوث ستغزو البيئة العربية.
المصدر: موقع جامعة أم القرى
أ. د. مشكاة المؤمن: أستاذ زائر، مؤسسة القانون البيئي - واشنطن، ماجستير إدارة عامة، تخصص قانون بيئي، جامعة هارفارد، وزير البيئة السابق – العراق
[1] Kathryn M Mutz, Gary C Bryner, Douglas S Kenney، Justice and Natrual Resources ; Concepts، Strategies, and Applications, Island Press, 2001, P32
[2] لا يقصد من اعتبار الحق في بيئة نظيفة الجيل الثالث لحقوق الإنسان أن هذا الحق أدنى منزلة من الحقوق المدنية والسياسية؛ بل يقصد منها أن الحق في بيئة نظيفة هو الأكثر حداثة من بين حقوق الإنسان ككل. انظر:
Christopher.H.Foreman, The Premise and Peril of Environmental Justice, Brookings Institute Press, Washington DC,1998, P.30.
[3] Rich Anand, International Environmental Justice; A North – South Dimension, Ashgate Publishing, Ltd, 2004, P.9
[4]http://en.Wikipedia.org/wiki/Environmental_justice
[5]V H Dale, M R English, Tools to Aid Environmental Decision Making, Springer,1998, P.342
[6] Luke Cole, Sheila Foster, From the Ground Up: Environmental Racism and the Rise of the Environmental Justice Movement, NYC Press, 2000, P.11
[7]http://en.Wikipedia.org/wiki/Jim_Crow_laws
انظر أيضًا:
Michael.J.Klarman, From Jim Crow to Civil Rights: The Supreme Court and the Struggle for Racial equality, Oxford University Press US, 2003, P.59
[8]Bunyan I Bryant, Environmental Justice, issues, policies, and solutions، Island Press, Washington، 1995, P.5
[9] كان نشوء بؤر التلوث في روما -على عظمتها سببًا من أسباب انهيارها؛ حيث كان الأسياد يضطرون إلى حمل الأزهار والرياحين وتقريبها من أنوفهم هربًا من الروائح العفنة التي كانت تنجم عن سوء الإدارة البيئية لروما، ومن بينها اضطهاد العبيد؛ ولعل ثورة العبيد من أشهر الحوادث التاريخية في تاريخ روما.
[10] رواه ابن ماجه في سننه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر - بيروت، (3691)، وضعفه الألباني، وأحمد في مسنده، مؤسسة قرطبة - القاهرة، (75)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده ضعيف.
[11] كان أول مستشفى في الإسلام بناه الوليد بن عبد الملك سنة 706 م (88 هـ) في دمشق، وكان الخلفاء المسلمون يتابعون إنشاء المستشفيات الإسلامية الخيرية باهتمام بالغ، ويختارون مواقعها المناسبة من حيث الموقع والبيئة الصالحة للاستشفاء والاتساع المكاني بعيدًا عن المناطق السكنية، وأول مستشفى للجذام بناه المسلمون في التاريخ سنة 707م بدمشق.
[12] لم تستطع روما على عظمتها أن تصمم نظامًا جيدًا للتخلص من مياه المجاري؛ مما أدى إلى انتشار الملاريا بين السكان في العهد الجمهوري والإمبراطوري والحديث؛ حيث كانت قنوات المجاري تحمل الفضلات ومياه الأمطار معًا وتخترق المدنية؛ بحيث تمر المجاري الملوثة من بين الأحياء السكنية؛ ليكون السكان على تماس معها لتصب مباشرة في نهر Tiber، الذي لم يكن يستعمل للسباحة والاغتسال فقط؛ بل لأغراض مياه الشرب أيضًا؛ بل كانت مياه نهر Tiber تحتوي على نفايات صلبة ومعادن ثقيلة حيث تظهر تقارير رسمية، انظر:
http://penelope.Uchicago.edu/Thayer/E/Gazetteer/Places/Europe/Italy/Lazio/Roma/Rome/_Texts/Lanciani/LANARD/3*.html
[13] كانت أوربا تنظر إلى الجذام -مثلاً- ليس على أنه مرض ناجم من عدم توافر الشروط الصحية البيئية؛ بل على أنه غضب من الله يستحق الإنسان عليه العقاب؛ حتى أصدر الملك فيليب أمره سنة 1313م بحرق جميع المجذومين في النار؛ بمعنى أن الفئة الضعيفة كانت "تعاقب" بممارسة أعمال التمييز ضدها بدلاً من أن تقدم لها الخدمات اللازمة والرعاية المطلوبة لتجاوز سبب ضعفها، وبالتالي الاستفادة من قدراتها، والحيلولة دون هدر الموارد البشرية وضياعها. انظر :
http://ar.Wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A9_%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9
[14] على الرغم من أن القاعدة القانونية عامة مطلقة، وبالتالي القرار المستند لها عامًّا مطلقًا إلا أن القاعدة التي تفرض التجنيد الإلزامي -مثلاً- فهي على عموميتها إلا أنها تنطبق على كل من أكمل الثامنة عشر من الذكور؛ ليستثنى من دائرة الخطاب الطفل، الحدث، المرأة، المسن والمعاق، في حين أن لا يمكن استثناء أحد من القرار البيئي؛ لأن ذلك يعني ترك المستثنى دون حماية من أخطار التلوث، أو الحيلولة دون وصوله إلى الموارد الطبيعية.
[15] انظر التقرير الرسمي للحكومة البريطانية منشور في
http://news.Bbc.Co.uk/1/hi/sci/tech/4839834.stm
انظر أيضًا:
www.peopleandplanet.net/doc.php?id=2553
كما يمكن الاطلاع على برامج المنظمات غير الحكومية الناشطة في هذا المجال منها:
www.oxfam.Org.uk/what_we_do/issues/climate_change/introduction.Htm
التعليقات
إرسال تعليقك