التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
سمح عثمان بن عفان بخروجِ الصحابة من المدينة، وكان هذا سببًا مباشرًا في نشأة المدارس الحديثيَّة في الأمصار المختلفة.
سمح عُثْمَانُ بخروجِ الصحابة من المدينة، وكان هذا سببًا مباشرًا في نشأة المدارس الحديثيَّة في الأمصار المختلفة، ونشوء أجيالٍ مِنَ التَّابعين مِنْ كلِّ بلدٍ، وتوسُّع دائرة العلم، وهذا كلُّه أدَّى إلى حفظ السُّنَّة بشكلٍ كبيرٍ؛ حيث كان نَهَمُ التَّابعين لمعرفةِ حياةِ رسولِ اللهِ ﷺ عن طريقِ سؤالِ الصَّحابةِ y سببًا في إخراجِ كنوزِ السُّنَّة إلى العلنِ، وسارع التَّابعون بتسجيل كلِّ ذلك في صدورهم، وعلى أوراقهم، فحُفِظَت السُّنَّة حِفْظًا عظيمًا.
أولًا: مدرسة المدينة:
على الرَّغم مِنْ رغبةِ الصَّحابةِ في الحركة للدَّعوة إلى الله تعالى، ونشرِ سُنَّة الرَّسول ﷺ، فإنَّ جُلَّهم آثر البقاء في المدينةِ ممَّا جعلها أكبر معاقل العلوم في هذه الحقبة. لعلَّ الَّذي منع معظم الصَّحابة مِنَ ترك المدينة ما سمعوه مِنَ النَّبيِّ ﷺ في مدحها، وتشجيعِ المسلمين على البقاءِ فيها. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ: هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ، هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، ليس معنى هذا أَنَّ الصَّحابة الَّذين خرجوا للاستقرار في الأمصارِ المختلفةِ فعلوا ذلك رغبةً في الدُّنيا، بل على العكس من ذلك؛ لقد خرجوا مضطرِّين لتبليغ رسالةِ اللهِ إلى النَّاسِ.
هذا البقاء الكبير للصَّحابة في المدينة أعطاها صبغةً خاصَّةً علميَّةً ليس لها مثيلٌ في العالم الإسلاميِّ كلِّه آنذاك، وهي صبغةُ «المشابهةِ» للواقعِ الَّذي عاشه النَّاس أيَّامَ رسول الله ﷺ؛ فالمعاملات، والأحكام، والعادات، والقِيَم، وغير ذلك مِنْ أمورِ الحياة، كانت في معظمها متوارثةً بشكلٍ كبيرٍ في المدينةِ؛ لذلك عدَّ بعض الفقهاء «عمل أهل المدينة» أصلًا من أصول الفقه؛ وبالتَّالي صار حُجَّةً في حدِّ ذاته يُمكن الأخذ بها، حتى إِنْ لم يتوفَّر حديثٌّ منقولٌ عن رسول الله ﷺ يصف هذا العمل.
كان أكثرُ الآخذين بعملِ أهلِ المدينةِ الإمامَ مالك، وهو الإمامُ الَّذي عاش حياته كلَّها في المدينة، وخَبَرَ أهلَها وطريقةَ معيشتهم، أيضًا كان قد عاش فيها الخلفاء الثلاثة أبو بكر، وعمر، وعثمان وعاش بعدهم فيها أَبُو هُرَيْرَةَ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وعَائِشَةُ، وأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، ويُضاف إلى الأربعةِ المكثرين مِنَ الصَّحابةِ عددٌ آخر لا يقلُّ عنهم أهمِّيَّةً، وإِنْ لم يروُوا أحاديثَ كثيرةً مثلهم، ويأتي في مقدِّمةِ هؤلاء زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وحُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ، وصُهَيْبٍ الرُّومِيِّ، وأَبِي ذَرٍّ، والبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وغيرِهم، فضلًا عن أمَّهاتِ المؤمنين غيرِ عَائِشَةَ ل؛ وفي مقدِّمتهنَّ أمُّ سَلَمَةَ، وحَفْصَةُ.
في هذه المدرسة -أيضًا- نشأ عددٌ من كبار التَّابعين، ما لبثوا إلَّا قليلًا حتى صاروا مِنْ أعلامِ العلمِ، نذكر منهم: سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وعُبَيْدِ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، وعَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، والْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، ونَافِعُ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ.
ثانيًا: مدرسة مكَّة:
استقرَّ فيها حَبْرُ الأمَّةِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ الَّذي يُعْتَبر هو المؤسِّس الأبرزُ لهذه المدرسةِ، وإِنْ كان قد شاركه فيها الصَّحابيُّ الجليلُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَرَامَ، وهو من المكثرين في الرِّواية عن رسول الله ﷺ، ولكنَّ جابرًا t لم يستوطن مكَّةَ كابْنِ عَبَّاسٍ؛ إنَّما كان متردِّدًا بينها وبين المدينة، والشَّام، ومصر.
كوَّن ابْنِ عَبَّاسٍ مدرسةً حقيقية في مكة، وصار له تلاميذُ معروفون، وهو مِنَ الصَّحابة القلائل الَّذين كان لهم طلَّابٌ لا يُفْتُون في القضايا إلَّا برأيه وحدَه على الأغلب، أمَّا أصحابُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ فكلُّهم مشهورون، ومنهم عَطَاءُ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَطَاوُوسُ ابْنُ كَيْسَانَ، وَمُجِاهِدُ ابْنُ جَبْرٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وعِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
ثالثًا: مدرسة الكوفة:
يُعتبر عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ مؤسَّسَ مدرسةِ الكوفةِ بلا جدالٍ، ومن تلامذته: عَلْقَمَةَ بْنَ قَيْسٍ، والْأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ، ومَسْرُوقَ بْنَ الْأَجْدَعِ، وعُبَيْدَةَ بْنَ عَمْرٍو السَّلْمَانِيَّ، وعَمْرَو بْنَ شُرَحْبِيلَ، والْحَارِثَ بْنَ قَيْسٍ، ثم إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ. وعَامِرَ الشَّعْبِيَّ.
وبعد رحيل ابْنِ مَسْعُودٍ مِنَ الكوفةِ لم تفقد الكوفة قيمتَها، بل زادت بقدوم عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وكانت مركز استقطابٍ لكثير مِنَ الصَّحابةِ؛ وكان منهم سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وأَبُو قَتَادَةَ، وحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، وأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، والْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وجَرِيرُ بْنُ عَبْدُ اللهِ، والْمُغَيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وسَهْلُ بْنُ حَنِيفٍ، وسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وأَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ، وسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ.
رابعًا: مدرسة البصرة:
أهمَّ فقهاء البصرة مِنَ الصَّحابة أنس بن مالك، وأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وعُمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وغيرهم، ونقل هؤلاء العلماء السُّنَّةَ النَّبويَّة إلى عددٍ كبيرٍ مِنَ التَّابعين الأجلَّاء؛ يأتي في مقدِّمتهم مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، وأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، ثُمَّ الجيل الثَّاني، ومِنْ أهمِّهم: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وقَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ السَّدُوسِيُّ، وأَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ.
خامسًا: مدرسة الشَّام:
عاش فيها لفترة محدودة أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، وبلال، لكنهم ماتوا مبكرًا في طاعون عمواس، ثم تولَّى شأن هذه المدرسةِ أَبُو الدَّرْدَاءِ، ومُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وثَوْبَانُ مولى رسولِ اللهِ ﷺ، وسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، ووَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ، وأَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، والعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ، والنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، وغيرُهم، وقد وَرَّث هؤلاء العِلْمَ لجيلٍ متميِّزٍ مِنَ التَّابعين؛ مِنْ أشهرِهم أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ، وأَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، ومَكْحُولٌ، والْأَوْزَاعِيُّ.
سادسًا: مدرسة مصر:
ذكر السُّيُوطِيُّ أَنَّ أكثر مِنْ ثلاثمائة صحابيٍّ دخلوا مصر، وقد ذكر أسماءهم جميعًا وشيئًا عن تراجمِهم، وهذا التَّواجدُ الكبيرُ جعل مصرَ لا شَكٍّ إحدى أهمِّ الحواضر العلميَّة، وبخصوص السُّنَّة النَّبويَّة فإنَّ أعظمَ رموزها الَّذين عاشوا في مصر فترةً مِنْ عمرِهم هو عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، ثم عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ، ودِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، وخَارِجَةُ بْنُ حُذَافَةَ، ومُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ، والْمُسْتَوْرِدُ بْنُ شَدَّادٍ، ومَسْلَمَةُ بْنُ مَخْلَدٍ، وغيرُهم، أمَّا جيلُ التَّابعين الأوائلِ الَّذين تعلَّموا على أيدي هؤلاء الصَّحابة ففي مقدِّمتهم: مَرْثَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وأَبُو رَجَاءٍ يَزِيدُ ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْأَزْدِيُّ.
سابعًا: مدرسة اليمن:
كان مِنَ الصَّحابة الَّذين قدموا اليمنَ أوَّلًا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ومُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، ولكنَّ هؤلاء ما لبثوا أَنْ تركوا اليمنَ خاصَّةً بعد الفتوح الإسلاميَّة، وبعد هذا الجيل عاش في اليمن لفتراتٍ بعضُ الصَّحابة أمثال: الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ، ووَبَرِ بْنِ يُحَنَّسَ الْخُزَاعِيِّ، وعُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ، والمُهَاجِرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، ويَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، y، وقد وَرَّث هؤلاء الصَّحابةُ العِلْمَ لعددٍ مِنَ التَّابعين المشاهير في اليمن؛ منهم: أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ، ووَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وأخوه هَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وطَاوُسُ بْنُ كَيْسَانَ[1].
[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك