التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
قبيلة قريش تكاد تكون هي القبيلة الوحيدة من بين قبائل العربية التي تجتمع فيها مزايا عديدة جعلت لها مكانة لا تقبل المنافسة من ناحية الشرف مع غيرها.
ذكرنا في المقال السابق معايير الشرف في القبائل عند العرب:
وقلنا هي:
1- قِدَم الميلاد
2- وثوق النسب
3- كثرة العدد
4- كثرة الزعماء
5- كثرة الحكماء، والفرسان، والشعراء
6- كثرة وجوه الخير
7- قلة وجوه الشرِّ
8- مظاهر العزَّة؛ كعدم الاسترقاق، والنصر في المعارك
9- قلَّة اللجوء إلى القبائل الأخرى
10- رقي الطباع ودماثة الخلق
ولكن فاتنا أن نذكر:
1- كثرة المال: قال تعالى: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ: 35].
2- التميُّز الديني: في هذه المرحلة كانت عبادة الأصنام هي الغالبة، فهل للقبيلة تميُّزها بصنم عن غيرها، أم أنها تتبع غيرها في العبادة.
3- الاشتراط في المعاملات على القبائل الأخرى: (المعاملات الاجتماعية كالزواج، والمعاملات التجارية، والمعاملات الدينية، والمعاملات السياسية كالأحلاف والحروب)
من هذا المنطلق يمكن أن نستوعب قيمة شرف قريش في العرب
1- فهي من أقدمهم نسبًا: نسبهم مرفوع وبلا خلاف إلى عدنان، ثم هو يصل إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. أي أنهم أصل العرب المستعربة. يسبقهم بعض عرب اليمن، كالجرهميين، والحميريين، وغيرهم.
2- وثوق النسب: لا خلاف بين علماء النسب على وضوح شجرة نسب قريش.
3- ومن أكثرهم عددًا: قال كفار قريش في تحديهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ: 35]
4- ومنها يُختار زعماء العشائر في الفروع القريبة منها
5- وفيها الحكماء، والفرسان، وأصحاب البيان.
6- وفيها الخير الكثير: وقد حبَّب الله لهم رعاية الحجيج وإطعامهم مع عدم معرفتهم لذواتهم.
7- ولا يُنسب إليها شرٌّ: فلا توجد مثالب في تاريخها تُنْسَب إليها، ولم تقع -كقبيلة- تحت نير هجاء الشعراء، ولو بالباطل.
8- وهي من القبائل العزيزة التي لم يقع أيٌّ من أفرادها في الأسر: وهذه قبائل معدودة في العرب؛ منها الأوس، والخزرج، وثقيف، وعامر بن صعصعة، وخزاعة.
9- وهي التي تلجأ القبائل إلى بطونها، ولا يلجأ منها أحدٌ إلى غيرها: ويُسَمَّى هذا اللاجئ مُلْصَقًا. يقول الجاحظ وهو يعدِّد فضائل قريش: "فمن ذلك أنا لم نر قريشيًا انتسب إلى قبيلة من قبائل العرب، وقد رأينا في قبائل العرب الأشراف رجالًا -إلى الساعة- ينتسبون في قريش، كنحو الذي وجدنا في بني مرة بن عوف، والذي وجدنا من ذلك في بني سليم، وفي خزاعة، وفي قبائل شريفة". وقد عرفنا عددًا من الصحابة الكبار كانوا من قبائل كبيرة، ولكنهم تركوا قبائلهم لسبب أو آخر وانتسبوا لقريش؛ مثل حاطب بن أبي بلتعة اللخمي، وكان ينتسب إلى بني أسد، ومثل الأخنس بن شريق، وهو من ثقيف، وانتسب إلى بني زهرة، ومثل عبد الله بن مسعود الهُذَلِي، وانتسب إلى بني زهرة كذلك، وياسر بن عامر العنْسي من بني عنْس المذحجية اليمنية (والد عمار بن ياسر)، وانتسب إلى بني مخزوم، وغيرهم.
10- بل هي من القبائل التي كانت تشترط على مَنْ أراد أن يتزوَّج منها أن يكون ولد القرشية على دينها: وليس على دين قبيلة الرجل الزوج، بينما يتزوَّج رجال قريش من عامة القبائل دون شروط، وكانت قريش تعطي بعض المزايا في الحجِّ لبعض القبائل التي قبلت أن "تتحمَّس" أي تتشدَّد في الدين، فيصيرون من "الحُمْسِ" أتباع الحمس الرئيسيين، وهم قريش!
11- كان العرب يعتبرونها أرقى البلاد، وأفضل الطباع: وليس فيهم غلظة الأعراب، ولا جفاء البدو، وليس هذا مرتبطًا بالمال والثروة، ولكن بالعادات والتقاليد، ومثال ذلك ثلاثة أمور؛ الأول الطعام؛ ففي الطبراني وغيره عن ابْنِ عُمَرَ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال عن الضَّبِّ: «كُلُوهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِ قَوْمِي»[1]، والثاني العطاء، فكانوا يعطون الشعراء كما تعطي الملوك، ولذا فهم أكثر العرب تقديرًا لقيمة الكلمة، والثالث وأد البنات، ولم يحدث مطلقًا في قريش، وغير ذلك من الصفات الفريدة الكثير.
12- كثرة المال معروفة في قريش: وهو كثير فيها على مستوى الأفراد، وكذلك على مستوى القبيلة ككل، والآيات التي تتحدَّث عن فخر كفار قريش بأموالهم كثيرة، وهذا يدلُّ على أن زيادة المال عندهم فريدة ولافتة. {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ: 35]، وقال: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} [الهمزة: 3]، وقال في حقِّ أبي لهب: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: 2]، وقال: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [القلم: 14].
13- التميز الديني: لم يكن مجرَّد تميز بأصنام كهبل، وإساف، ونائلة، ولكن تميُّز بأمر لا يتكرَّر في غير قريش، وهو رعاية البيت الحرام. قال تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} [القصص: 57]، وقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67].
قبيلة قريش تكاد تكون هي القبيلة الوحيدة التي تجتمع فيها كلُّ هذه العوامل، هذه المزايا جعلت قريشًا في مكانة لا تقبل المنافسة من ناحية الشرف مع غيرها، هذه مكانة سامية حقًّا، ولها تطبيقات كثيرة، ولكن ما هي قيمة قريش في الشريعة الإسلامية؟ هذا ما نعرفه في المقال القادم إن شاء الله[2].
[1] الطبراني في المعجم الكبير(19341).
[2] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: قريش في عيون العرب
التعليقات
إرسال تعليقك