الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
في اليوم الثاني عشر من ربيع الأوَّل أُصيبت المدينة بأفدح مصائبها في كلِّ تاريخها، وهو وفاة الرسول ﷺ!
موت الرسول ﷺ:
في اليوم الثاني عشر من ربيع الأوَّل أُصيبت المدينة بأفدح مصائبها في كلِّ تاريخها، وهو وفاة الرسول ﷺ! تُوفِّي رسول الله ﷺ على صدر أم المؤمنين عائشة ل بعد أن قرأ -وقد أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ: ﴿مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾ [النساء: 69][1]. ثم كانت آخر كلماته في الدنيا: «اللهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى»[2]!
أُصيب المسلمون بصدمةٍ عظيمةٍ أدهشتهم حتى أنكر بعضهم -ومنهم عمر بن الخطاب- موت رسول الله ﷺ، وكادوا يضطربون اضطرابًا يُخرجهم عن جادِّة الطريق، لولا أن ثبَّتهم الله بأبي بكر الصديق الذي خطب في الناس خطبته المشهورة، وكان ممَّا قال فيها: «أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا ﷺ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا ﷺ قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ، فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ إِلَى ﴿الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 144]»[3].
أدرك المسلمون حقيقة الأمر وأخذوا في التفكير في خطواتٍ عمليَّة، وكان أهمُّ عملين ينتظرانهم هما دفن الرسول ﷺ، والنظر فيمن سيخلفه في حكم المسلمين.
بعد مناقشات واستفسارات غُسِّل رسول الله ﷺ في قميصه الذي كان عليه، ثم كُفِّن في ثلاثة أثواب، ثم جاء المسلمون في جماعاتٍ صغيرةٍ يُصلُّون عليه صلاة الجنازة في بيته. في هذه الأثناء دارت المناقشات في سقيفة بني ساعدة لاختيار مَنْ سيخلف رسول الله ﷺ، وانتهى الأمر بانتخاب أبي بكر الصديق ليكون خليفته ﷺ الأوَّل.
في اليوم الثالث عشر من ربيع الأوَّل دُفِن رسول الله ﷺ في غرفة عائشة ل تحت الفراش الذي مات عليه (صورة رقم 24)، ليُسْدَل الستار بذلك على أعظم حياة، كما أُسْدِل الستار -أيضًا- على النبوَّة بشكلٍ عامٍّ، وعلى الوحي، وعلى اتِّصال السماء بالأرض، والله المستعان!
يقول أنس بن مالك: «لَمَّا كَانَ اليَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ المَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، وَمَا نَفَضْنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ الْأَيْدِي وَإِنَّا لَفِي دَفْنِهِ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا»[4].
ومع عظم المصيبة فإنَّ الذي خفَّف من وقعها على المسلمين أنَّ الرسول ﷺ قد ترك أمرين أسهما في استقرار الوضع بعد وفاته؛ الأوَّل هو الشريعة الواضحة الجليَّة التي لا تترك عند المسلمين حيرةً ولا التباسًا، والثاني هو الخلفاء الراشدون الذين ساروا على نهجه تمامًا، فلم ينحرف مسار الأمَّة بعد وفاة النبيِّ ﷺ. جَمَعَ ذلك رسولُ الله ﷺ في حديثٍ واحد؛ حيث قال مطمئنًا المسلمين: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، فمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ»[5]. فلله الحمد والمنَّة.
وصلِّ اللهمَّ وبارك على خليل الرحمن، وخير البشر، وإمام الأنبياء، وحامل لواء الحمد يوم القيامة[6].
[1] البخاري: كتاب التفسير، باب تفسير سورة النساء (4310)، عن عائشة ل، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها (2444).
[2] البخاري: كتاب المغازي، باب آخر ما تكلم به النبي ﷺ (4194)، عن عائشة ل، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها (2444).
[3] البخاري: كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه (1185)، عن عبد الله بن عباس ب، وابن ماجه (1627)، وأحمد (25883).
[4] الترمذي: كتاب المناقب، باب في فضل النبي ﷺ (3618)، وقال: حديث غريب صحيح. وابن ماجه (1631)، وأحمد (13857)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده قوي على شرط مسلم.
[5] ابن ماجه: افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين (43)، عن العرباض بن سارية t، واللفظ له، وأحمد (17182)، وقال شعيب الأرناءوط: حديث صحيح بطرقه وشواهده وهذا إسناد حسن. وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (937).
[6] انظر: د. راغب السرجاني: من هو محمد، دار التقوى للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1442= 2021م، ص417، 418.
التعليقات
إرسال تعليقك