التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
الثعالبة هي إحدى فرق الخوارج الكبيرة، كان قائدهم ثعلبة أحد أتباع فرقة العجاردة وانفصل عنهم لخلاف في المذهب، فأنشأ مذهبًا جديدًا، وبعد موته انقسمت فرقته
نشأة الثعالبة:
هم أتباع ثعلبة بن مشکان أو ابن عامر، وقد كان مع عبد الكريم بن عجرد حتي اختلفا في شأن الطفل فكفَّر كلُّ واحدٍ منهما صاحبه.
وسبب اختلافهما: أنَّ رجلًا من العجاردة خطب إلى ثعلبة ابنته فقال له ثعلبة: بین مهرها. فأرسل الخاطب أمرأةً إلى أمِّ البنت يسألها هل بلغت البنت ووصفت الإسلام. وقال: إن كانت قد بلغت ووصفت الإسلام لم يبالِ کم مهرها. فقالت أمُّها: هي مسلمةٌ بلغت أم لم تبلغ. فأخبر الرجل عبد الكريم بن عجرد وثعلبة بن مشكان بقول زوجة ثعلبة. وكان عبد الكريم قد اختار البراءة من الأطفال قبل البلوغ فأنكر قول المرأة، أمَّا ثعلبة فقد أيَّد قول زوجته، وقال: نحن على ولايتهم صغارًا وكبارًا حتى نرى منهم إنكارًا للحق ورضي بالجور. وبرئ من عبد الكريم بن عجرد وبرئ منه كذلك عبد الكريم، وصار لكلِّ رجلٍ منهما طائفة.
وقد استمرَّت الثعالبة مدَّة حياة ثعلبة دون أن تفترق، فلمَّا مات اختلفوا وصاروا ستَّ فرق:
[۱] - فرقة أقامت على إمامة ثعلبة بعد موته ولم تعترف لأحدٍ بعده بالإمامة ولم يُعرَف لها قولٌ مخالفٌ لِمَا كان عليه ثعلبة.
[2] - المعبدية:
وهم أتباع رجلٍ من الثعالبة يُقال له معبد بن عبد الرحمن، وممَّا تفرَّدوا به دون جمهور الثعالبة أنَّهم رأوا أخذ زكاة عبيدهم إذا استغنوا، وإعطائهم من زكاتهم إذا افتقروا، وقد برءوا ممَّن لم يقل بذلك من الثعالبة، كما برئت منهم الثعالبة كذلك.
[۳] - الأخنسية:
وهم أتباع رجلٍ من الثعالبة يُقال له الأخنس بن قيس، وقد انفردوا عن سائر الثعالبة بأنَّهم يتوقَّفون عن جميع من في دار التقيَّة من منتحلي الإسلام وأهل القبلة، فلا يحكمون عليهم بكفرٍ ولا بإسلام إلَّا من عرفوا منه إيمانًا فيتولَّونه عليه أو عرفوا منه كفرًا فيتبرَّءون منه لأجله، ويُحرِّمون الاغتيال والقتل في السرِّ، ويُحرِّمون كذلك أن يبدأوا أحدًا من مخالفيهم من أهل القبلة بالقتال حتى يُدْعَى، إلَّا من عرفوه بعينه، وقد برئت منهم الثعالبة كما برءوا من الثعالبة كذلك.
[4] - الرشيدية:
هم أتباع رجلٍ من الثعالبة يُقال له رشيد الطوسي، وقد خالفوا جمهور الثعالبة فقالوا فيما سُقِي بالعيون والأنهار الجارية والجداول نصف العشر، وزعموا أنَّ العشر الكامل لا يجب إلَّا فيما سقته السماء فقط، وزعم بعض أهل العلم أنَّ هذا القول إنَّما كان من جمهور الثعالبة حتى أخبرهم زياد بن عبد الرحمن الشيباني -أحد فقهاء الثعالبة والمكنى بأبي خالد- بأنَّ العشر يجب فيما سُقِي بالأنهار كذلك، فرجع جمهور الثعالبة إلى قول زياد بن عبد الرحمن، ولم يستمر على القول الأوَّل سوي رشيد الطوسي وطائفة معه، وقد تبرَّأ رشید ممَّن خالفه من الثعالبة، كما تبرَّأت الثعالبة من الرشيديَّة ولقَّبوهم بالعشريَّة.
[5] - المكرمية:
هم أتباع أبي مكرم بن عبد الله العجلي أو مکرم بن عبد الله العجلي، وقد زعموا أنَّ تارك الصلاة كافرٌ لا لأجل ترك الصلاة لكن لجهله بالله عز وجل، كما زعموا أنَّ من أتی كبيرةً فقد جهل بالله سبحانه، وبتلك الجهالة كفر لا بارتكابه المعصية، وقد برءوا ممَّن خالفهم من الثعالبة كما كفَّرتهم الثعالبة بذلك أيضًا.
[6] - الشيبانية:
هم أتباع شيبان بن سلمة الحروري، الذي ظهر بنواحي خراسان وكان من الثعالبة، وقد التفَّ حوله جماعةٌ من الخوارج وصاروا يُسلِّمون عليه بالخلافة، وقد ظهر أبو مسلم الخراساني داعية العباسيِّين عام تسعٍ وعشرين ومائة وشيبان على هذه الحالة، وكان نائب خراسان نصر بن سیار الليثي الذي ولَّاه هشام بن عبد الملك بن مروان، وقد هبَّ نصرٌ لمحاربة أبي مسلم الخراساني ولم يكره شیبان خروج أبي مسلم لأنَّه يُحارب نصر بن سیار، كما فرح بذلك ابن الكرماني الخارج على نصر بن سيار، ولكنَّ نصر بن سیار صار يطلب موادعة شيبان ويقول له: إمَّا أن تكون معي على حرب أبي مسلم أو تكفَّ عنِّي حتى أتفرَّغ لحربه، فأجابه شیبان لذلك. ولمـَّا بلغ أبا مسلم ما فعل شيبان بعث إلى ابن الكرماني يُعْلِمه بموقف شيبان، فلام ابنُ الكرماني شيبانَ على ذلك، ولكنَّ نصر بن سيار استطاع أن يُؤثِّر على ابن الكرماني نفسه فانضمَّ إليه لمحاربة أبي مسلم، ولكن لم تلبث الحرب أن نشبت بين نصر بن سیار وابن الكرماني وجعل أبو مسلم یُكاتب كلًّا من الفريقين سرًا ويستميلهم إليه، وفي يوم الخميس التاسع من جمادى الأولى عام ثلاثين ومائة دخل أبو مسلم «مرو»، ونزل دار الإمارة بها وانتزعها من يد نصر ابن سیار بمساعدة علي بن الكرماني، ولمـَّا هرب نصر بقي شيبان في وجه أبي مسلم فوجَّه أبو مسلم إليه جيشًا بقيادة بسَّام بن إبراهيم مولى بني ليث، فسار إليه فاقتتلا، وهزمه بسَّام وقتله، ولاحق الشيبانيَّة أسرًا وتقتيلًا، وأراح الله المسلمين من شرِّهم، وكان شيبان جهميًّا جبريًّا يرى رأي جهم بن صفوان في الجبر، كما ثبت عنه كذلك أنَّه كان يُشبِّه الله تعالی بخلقه، وقد كفَّره لذلك ولغيره جمهور الثعالبة.
خلاصة مذهب الثعالبة:
[۱] - موالاة الأطفال صغارًا وكبارًا حتى يُعرف منهم خلاف الإسلام.
[۲] - أخذ زكاة عبيدهم إذا استغنوا، وإعطاء العبيد من الزكاة إذا افتقروا. وهذا للمعبدية.
[۳] - التوقُّف في حقِّ منتحلي الإسلام وأهل القبلة من مخالفيهم؛ فلا يُحكم عليهم بكفرٍ ولا بإسلامٍ إلا إذا عُلِم منهم ذلك بيقين. وهذا للأخنسيَّة.
[4] - تحريم الاغتيال، وهذا للأخنسيَّة أيضًا.
[5] - وجوب دعوة المخالف قبل قتاله، وتحريم قتله قبل أن يبدأ هو بالقتال. وهذا للأخنسيَّة كذلك.
[6] جعل نصف العشر هو زكاة الخارج بماء الأنهار والجداول والعيون. وهذا للرشيديَّة.
[۷] - الزعم بأنَّ تارك الصلاة كافرٌ لا لأجل ترك الصلاة بل لجهله بالله عزَّ وجل. وهذا للمكرميَّة.
[۸] - موافقة الشيبانيَّة منهم للجهم بن صفوان في قوله بالجبر، وتشبيههم الله تعالى بخلقه.
المصدر: كتاب الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة لعبد القادر بن شيبة الحمد.
التعليقات
إرسال تعليقك