الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
مَنْ أراد أن يتقوى على الأعمال الشاقة في الحياة، سواء أعمال الدنيا أو الآخرة، فعليه بقيام الليل! فكيف كان منهج رسول الله في قيام الليل؟
مَنْ أراد أن يتقوَّى على الأعمال الشاقَّة في الحياة، سواء أعمال الدنيا أو الآخرة، فعليه بقيام الليل! فإن الله عز وجل يقول: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً} [المزمل: 5-7]، فتحمُّل القول الثقيل يحتاج إلى قيام الليل وتسبيح النهار؛ لهذا كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم منهج ثابت في قيام الليل، فكان في معظم لياليه يُصَلِّي إحدى عشرة ركعة؛ وذلك كما روى البخاري عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلْكَ صَلاَتَهُ -تَعْنِي بِاللَّيْلِ- فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الفَجْرِ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ المُؤَذِّنُ لِلصَّلاَةِ".
وهناك روايات أخرى تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّي ثلاث عشرة ركعة يوميًّا في قيام الليل؛ فعند البخاري عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "كَانَتْ صَلاَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً". يَعْنِي بِاللَّيْلِ، وكذلك عند مسلم عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: لأَرْمُقَنَّ صَلاَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم اللَّيْلَةَ، "فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ أَوْتَرَ فَذَلِكَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً".
وقد تكون الركعتان الأخيرتان في هاتين الروايتين -فيما أرى- جزءًا من الوتر؛ فتكون ركعات القيام عشرًا، ويكون الوتر ثلاثًا؛ وبذلك تتَّفق الروايات مع رواية عائشة رضي الله عنها، وهي أدرى بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، وعمومًا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُعَلِّمنا أن نُصَلِّيَ ركعتين ركعتين من الليل إلى أن يقترب الفجر فنُصَلِّيَ عندئذٍ الوتر؛ فقد روى البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى".
لذلك كانت أعداد الركعات تختلف من ليلة إلى ليلة؛ فقد روى البخاري عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ؟ فَقَالَتْ: "سَبْعٌ، وَتِسْعٌ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، سِوَى رَكْعَتِي الفَجْرِ".
فلْتكن هذه السُّنَّة عونًا لنا على أعمالنا الصعبة، وليكن أقلُّها سبع ركعات، وأكثرها ثلاث عشرة.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
هذا المقال من كتاب إحياء 354 سنة للدكتور راغب السرجاني
يمكنك شراء الكتاب من خلال صفحة دار أقلام أو الاتصال برقم 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك