جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
التشيع في قطاع غزة حقيقة أم مبالغة مقال بقلم محمد جمال عرفة، يبين حقيقة نشر التشيع في قطاع غزة.. فما حقيقة ذلك؟ وما حال التيارات الإسلامية في قطاع غزة؟
إنتشرت على موقع الإنترنت قبل أيام، أنباء عن قيام الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة بمداهمة بعض لقاءات قام بها شيعة في غزة، خصوصًا بعدما بثت قناة (الكوثر) الشيعية مقطعًا من تقرير إخباري يوم 12 سبتمبر الماضي 2011م عن احتفال أقامه شيعة في غزة بمناسبة ذكرى ثورة الخميني، ما أثار تساؤلات حول الوجود الشيعي في غزة وهل له علاقة بحركة الجهاد، وردود حركة حماس على ذلك.
وزارة الداخلية والأمن الوطني في قطاع غزة قالت ردًّا على هذه المعلومات: إن قطاع غزة بخاصة، وفلسطين بعامة، بلاد مذهبها الإسلامي الوحيد هو المذهب السني، ولا نعلم عن وجود للشيعة فيها.
وقالت في بيان لها تعقيبًا على الأنباء التي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية حول اعتداء عناصر الشرطة على مجموعة من الشيعة في القطاع: إنها تحترم كل المذاهب بما في ذلك المذهب الشيعي في أماكن وجوده في العالم، ولا تتدخل في عاداتهم وتقاليدهم، ولا ترغب أن يتدخلوا في عاداتنا وتقاليدنا. كان "مركز الميزان" قد أعلن أنه تم الاعتداء على مجموعة من المواطنين في بيت لاهيا، وأن مجموعة يرتدي أفرادها زي الشرطة الفلسطينية وبعضهم ملثم اعتدوا على مجموعة من الأشخاص بينما كانوا مجتمعين داخل أحد المنازل السكنية، ووفقًا لرواية بعض من تعرضوا للضرب فإنهم كانوا في درس ديني حول آل البيت، وتسبب الاعتداء في إصابة المجتمعين بجراح ورضوض وإصابة بعضهم بكسور في الأطراف.
وقامت القوة -بحسب المركز- بتفتيش المنزل وتحطيم بعض محتوياته، واقتادت من كانوا في المنزل إلى مقر محافظة شرطة الشمال.
وطالب المركز "حكومة غزة بفتح تحقيق في الحادث والعمل على كشف ملابساته وإحالة المتورطين فيه للعدالة؛ تعزيزًا لمبدأ سيادة القانون وحقيقًا للعدالة"، حسب البيان.
ولكن شرطة غزة قالت في تفسير ما حدث: إن "ملاحقةً قامت بها الشرطة لمجموعة مشبوهة خارجة عن القانون وصاحبة تاريخ فكر منحرف كانت تخطط لأعمال إجرامية، وإنها ستنظر في كل الادعاءات حول الاعتداء على حقوق الإنسان في عملية ملاحقة المجموعة، وطالبت وسائل الإعلام بـ"عدم الأخذ بادعاء أشخاص على أنها مُسلَّمة من المسلمات، دون التأكد من المصادر الرسمية".
إسرائيل مهتمة بشيعة غزة !
واللافت أن الإعلام الصهيوني ألقى بثقله خلف هذه الظاهرة، وزعم المحلل السياسي لصحيفة (هاآرتس) "أفي يسخروف" انتشار ظاهرة التشيع بين سكان قطاع غزة، وقال -في تقرير نشرته الصحيفة يوم 17 يناير الجاري-: إن الأمر بدأ بانضمام بضعة فلسطينيين إلى الطائفة الشيعية، لكنه ما لبث أن تحول في الأشهر الأخيرة إلى ظاهرة متنامية".
وزعمت الصحيفة الصهيونية أن "عددًا كبيرًا من السكان السُّنَّة في قطاع غزة قاموا بتغيير طائفتهم والانتقال إلى الطائفة الشيعية، وقسم من هؤلاء هم من أنصار (الجهاد الإسلامي)، والقسم الآخر من المواطنين العاديين، ويقدّر عدد الذين تشيعوا في القطاع بأكثر من بضعة مئات".
وقال آفي يسخروف: "في يوم الجمعة الماضي اجتمع نحو 30 شخصًا من هؤلاء في أحد المنازل في حارة الشيخ زايد، الواقع بين بيت لاهيا وجباليا، للاحتفال بذكرى أربعين الحسين، وكان من المتوقع حضور نحو مائة شخص، لكن رداءة الطقس قلصت عدد الحضور الذي جاء للمشاركة في صلاة الجمعة في هذا البيت، الذي تحول في الأسابيع الأخيرة إلى (حسينية) وإلى مركز للتعليم الديني".
وأضاف: "لم يتوقع الحاضرون الزيارة التي قام بها رجال الأمن التابعين لحركة "حماس"، الذين اقتحموا المكان وأوقفوا نحو 14 شخصًا من الحاضرين، واعتدوا بالضرب على الآخرين، واقتادوا الموقوفين إلى مركز تابع للحركة، حيث جرى ضربهم بطريقة وحشية، على حد زعم الصحيفة الإسرائيلية.
وقال "يسخروف": إن سبب اهتمام "حماس" الكبير بهذه المجموعة الصغيرة من الشيعة يعود إلى تخوفها من تزايد التدخل الإيراني في شؤون قطاع غزة؛ إذ ليس لدى الحركة أدنى شك في أن إيران تستغل تنظيم الجهاد الإسلامي؛ من أجل بسط نفوذها على القطاع.
وذكرت مصادر في غزة للصحيفة أن هناك مجموعة صغيرة داخل تنظيم الجهاد بقيادة إياد الحسني، الذي سبق أن طُرد من التنظيم، لكنه عاد إليه بضغط من طهران - أعلنت تشيعها.
وزعمت الصحيفة الصهيونية أنه قبل بضعة أشهر قام وفد رفيع المستوى من "الجهاد الإسلامي" بزيارة طهران، وبعد الزيارة تقرر تعيين الحسني في منصب كبير في الجناح العسكري للجهاد، وأن الحسني أعلن تشيعه علنًا، بعكس كثيرين من الشيعة الآخرين الذين يخفون معتقدهم عملاً بمبدأ "التقية".
وقد تردد أن عددًا من الذين أوقفتهم "حماس" أصدروا بيانًا دعوا فيه إيران إلى وقف تمويل "حماس"؛ بسبب ملاحقاتها للشيعة، لكن هناك أنباء عن أن طهران سبق أن قلصت الدعم الاقتصادي الذي تقدمه للحركة؛ بسبب مغادرة قيادات "حماس" دمشق، وتخليها عن بشار الأسد.
وتعلم طهران -بحسب الصحيفة الإسرائيلية- أن سلطات "حماس" في القطاع تحاول إخفاء ظاهرة التشيع، وتخوض حربًا حقيقية ضد الشيعة في القطاع، وقد نجحت في الفترة الأخيرة في إغلاق عدد من الجمعيات الخيرية التي تعمل على نشر التشيع في غزة، وثمة شكوك في أن تنجح "حماس" في مواصلة كبح ظاهرة التشيع لوقت طويل، ولا سيما في ظل الضغوط التي تمارسها طهران.
تنوع التيارات الإسلامية في غزة
والحقيقة أن غزة في عهدة حماس شهدت نوعًا من تحسن الأمن بصورة كبيرة وأريحية في التعامل مع كل التيارات الإسلامية، ما أدى لتعاظم قوى إسلامية سلفية أو بعض التشيع في ظل هذا التسامح، بيد أن التدخل الأمني جاء عندما تحولت بعض هذه التيارات لمناطحة حماس، أو السعي لتغيير التركيبة الدينية هناك.
فقد ظهرت جماعة سلفية جهادية (تدعى جماعة جند أنصار الله أو جلجلت) دخلت في صراع مع شرطة حماس أسفر عن مقتل 22 شخصًا وإصابة نحو 125 آخرين، بعدما أعلن عبد اللطيف موسى -أحد قيادات الحركة السلفية الجهادية- بصورة مفاجئة في خطبته للجمعة بمسجد ابن تيمية في رفح قبل خمسة أعوام، تدشين إمارة إسلامية في غزة، داعيًا أنصاره لمبايعته إلى الموت، ولم يكتف بهذا بل تحدى حكومة حماس مؤكدًا أن "هلاكها اقترب".
و"عبد اللطيف موسي" كان في الأصل نائبًا لرئيس جمعية الكتاب والسنة قبل أن ينحاز للتيار الجهادي الذي يتبنى الفكر القاعدي، ولم يُعرف سر هذا الإعلان المفاجئ من جانب عبد اللطيف لإمارة إسلامية في غزة، وتحديه للحكومة الفلسطينية التي تقودها حماس.
فقد أدى الحصار الخانق على القطاع لانتعاش هذه الجماعات السلفية في غزة، خاصة وأن لدى بعض هذه الحركات الجهادية السلفية مآخذ كثيرة على حماس من قبيل اعتدالها الزائد وصِلاتها بالغرب وتركها بعض النشاطات التي تراها هذه الحركات "حرامًا" و"منكرًا" مثل نوادي الإنترنت والأفراح، وعدم "أسلمة" المجتمع بالكامل، برغم أن حماس تسعى بالفعل للتغيير الهادئ دون قوانين أو قرارات.
بدأت الجماعات السلفية الجهادية نشاطها أساسًا ضد الاحتلال الصهيوني، لكنها تحولت تدريجيًّا مع تشديد الحصار والتزام حماس بالتهدئة وصعوبة إطلاق الصواريخ أو الالتحام مع العدو في أوقات معينة من الهدنة - إلى العمل على المجتمع الداخلي والصدام مع حماس؛ بسبب رعايتها للتهدئة مع العدو، وتقييدها نشاط هذه الحركات التي لا تعترف بتهدئة أبدًا أو بمواءمات سياسية.
مثل هذه الأحداث المتكررة كشفت عن وجود تنظيمات عديدة في غزة تتعارض أفكارها مع أفكار حركة حماس، فهي تطالب بالتطبيق الفوري والشامل للشريعة الإسلامية، وتصعيد العمليات الجهادية والعسكرية ضد الصهاينة بلا توقف ولا هدنة مثل (جماعة جند أنصار الله في أكناف بيت المقدس) و(جماعة جيش الإسلام) بقيادة ممتاز دغمش، و"فتح الإسلام" بقيادة "سليمان أبو لافي" و"رفيق أبو عكر"، و"جيش الأمة" الذي يسيطر عليه "إسماعيل حامد"، وجماعات أخرى مثل "جيش الله"، و"التكفير"، و"عرين الأسد للمجاهدين المقاتلين"، وأخيرًا مجموعات شيعية يقودها منتمون سابقون لحركة الجهاد السنية.
وقد تغاضت حماس عن نشاط هذه الجماعات وتركتها تنمو؛ لأنها اعتبرتها ظاهرة هامشية لا تشكل تهديدًا لسلطتها ومكانتها في قطاع غزة، ولأنها تشارك "حماس" العداء تجاه إسرائيل، بل إن أحد أبرز هذه الجماعات (جيش الإسلام)، كان شريكا لحماس في عملية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، لكن ميل هذه الجماعات للعمل بشكل مستقل يخالف إستراتيجية حماس الخاصة بالتصعيد أو التهدئة مع العدو الإسرائيلي، بخلاف مصادمتها الغالبية السنية في القطاع، هذه الأمور دفعت حماس للتصدي لتلك الجماعات المختلفة.
المصدر: موقع علامات أون لاين.
روابط ذات صلة:
- غدر الشيعة بأهل السنة عبر التاريخ 1-2
- غدر الشيعة بأهل السنة عبر التاريخ 2-2
- صراع المشاريع في غياب المشروع السني
التعليقات
إرسال تعليقك