ملخص المقال
هو عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما، مكي تابعي ثقة بريء مما يرميه الناس به من الحرورية
هو عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما، مكي تابعي ثقة بريء مما يرميه الناس به من الحرورية، وكنيته: أبو عبد الله، كان عِكرِمَة بربريًّا من أهل المغرب، وهو من كبار التابعين، وكان عبدًا لحصين بن أبي الحر العنبري، فوهبه لعبد الله بن عباس حين جاء واليًا على البصرة لعلي بن أبي طالب.
وعكرمة أحد التابعين والمفسرين المكثرين والعلماء الربانيين والرحالين الجوالين، صنفه ابن سعد في الطبقة الثانية من التابعين، وعاش بين مكة والمدينة ولم يثبت أنه تركهما إلا إلى خرسان، وقال ابن كثير: طاف عكرمة البلاد ودخل إفريقية واليمن والشام والعراق وخراسان وبث علمه هنالك.
عكرمة وطلب العلم
رحل عِكرِمَة مولى عبد الله بن عباسٍ في طلب العلم إلى مكة والمدينة، والبصرة واليمن والشام، ومصر، وبلاد المغرب العربي، وخراسان.
قال عِكرِمَة: "أدركت مِئِين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد".
شيوخ عكرمة
حدَّث عِكرِمَة عن: ابن عباسٍ، وعائشة، وأبي هريرة، وابن عمر، وعبد الله بن عمرٍو، وعقبة بن عامرٍ، وعلي بن أبي طالبٍ، وصفوان بن أمية، والحجاج بن عمرٍو الأنصاري، وجابر بن عبد الله، وحمنة بنت جحشٍ، وأبي سعيدٍ الخدري، وأم عمارة الأنصارية، وعدةٍ، وعن: يحيى بن يعمر، وعبد الله بن رافعٍ.
تلاميذ عِكرِمَة:
حدث عنه: إبراهيم النخَعي، والشعبي -وماتا قبله- وعمرو بن دينارٍ، وأبو الشعثاء جابر بن زيدٍ، وحبيب بن أبي ثابتٍ، وحصين بن عبد الرحمن، وقتادة، ومطرٌ الوراق، وموسى بن عقبة، وأبو صالحٍ مولى أم هانئ، وأبو الزُّبَير المكي، وأيوب السَّختياني، وجابرٌ الجعفي، وحميدٌ الطويل، وخالدٌ الحذَّاء، وداود بن الحصين، وسعيد بن مسروقٍ، والأعمش، وسِماك بن حربٍ، وعاصم بن بهدلة، وعاصمٌ الأحول، وابن طاوسٍ، وعبد الله بن كيسان، وليث بن أبي سليمٍ، وابن شهابٍ، ومغيرةُ بن مقسمٍ، ومقاتل بن حيان، وموسى بن أيوب، وأممٌ سواهم.
العلم في حياة عِكرِمَة:
قال عِكرِمَة: طلبت العلم أربعين سنةً، وكنت أفتي بالباب، وابن عباسٍ في الدار.
قال عمرو بن مسلمٍ: "قدم عِكرِمَة على طاوسٍ، فحمله على نجيبٍ (بعير) ثمنه ستون دينارًا، وقال: ألا نشتري علم هذا العالم بستين دينارًا؟".
قال محمد بن راشدٍ: مات ابن عباسٍ وعِكرِمَةُ عبدٌ، فاشتراه خالدُ بن يزيد بن معاوية من علي بن عبد الله بن عباسٍ بأربعة آلاف دينارٍ (أي: بحوالي سبعة عشر كيلو جرام من الذهب الخالص عيار أربعة وعشرين)، فبلغ ذلك عِكرِمَةَ، فأتى عليًّا فقال: بِعتَني بأربعة آلاف دينارٍ؟ قال: نعم، قال: أمَا إنه ما خيرٌ لك، بِعتَ علم أبيك بأربعة آلاف دينارٍ! فراح علي إلى خالدٍ فاستقاله (أي: طلب منه الرجوع في البيع)، فأقاله، فأعتقه.
قال عِكرِمَة: كان ابن عباسٍ يجعل في رجلي الكبل، يعلمني القرآن، ويعلمني السنة.
قال عِكرِمَة: قال ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما لي: "انطلِقْ فأفتِ الناس، فمن سألك عما يَعنيه فأفتِه، ومَن سألك عما لا يعنيه فلا تُفتِه، فإنك تطرح عني ثلثي مؤونة الناس".
منزلة عِكرِمَة العلمية:
قال أيوب السَّختياني: "كنت أريد أن أرحل إلى عِكرِمَة إلى أفقٍ من الآفاق، قال: فإني لفي سوق البصرة فإذا به على حمارٍ، قال: فقيل لي: هذا عِكرِمَة، قال: واجتمع الناس إليه، قال: فقمت إليه، فما قدرت على شيءٍ أسأله عنه، ذهبت المسائل مني، فقمت إلى جنب حماره، فجعل الناس يسألونه وأنا أحفظ".
قال جابر بن زيدٍ: "هذا عِكرِمَة مولى ابن عباسٍ، هذا أعلم الناس".
قال الشعبي: "ما بقِيَ أحدٌ أعلم بكتاب الله من عِكرِمَة".
قال عمرو بن مسلمٍ: "كنت إذا سمعت من عِكرِمَة يحدِّث عن المغازي، كأنه مشرفٌ عليهم ينظر كيف كانوا يصنعون ويقتتلون".
قال عِكرِمَة: "لقد فسَّرت ما بين اللوحين".
قال سلام بن مسكينٍ: كان عِكرِمَة من أعلم الناس بالتفسير.
قال أيوب السَّختياني: قدم علينا عِكرِمَة، فاجتمع الناس عليه حتى أصعد فوق ظهر بيتٍ.
قال عمرو بن دينارٍ: دفع إليَّ جابرُ بن زيدٍ مسائل أسأل عنها عِكرِمَة، وجعل يقول: هذا عِكرِمَة، هذا مولى ابن عباسٍ، هذا البحرُ فسَلُوه.
قال مغيرةُ بن مِقسمٍ: قيل لسعيد بن جُبيرٍ: تعلم أحدًا أعلم منك؟ قال: نعم، عِكرِمَة.
قال سفيان الثوري: "خذوا التفسير عن أربعةٍ: عن سعيد بن جبيرٍ، ومجاهدٍ، وعِكرِمَة، والضحاك".
قال علي بن المديني -شيخ البخاري-: لم يكن في موالي ابن عباسٍ أغزر من عِكرِمَة.
قال الفرزدق بن جواسٍ: قدم علينا عِكرِمَة ونحن مع شهر بن حوشبٍ بجرجان، فقلنا لشهرٍ: ألا نأتيه؟ فقال: ائتوه؛ فإنه لم تكن أمةٌ إلا وقد كان لها حبرٌ، وإن مولى هذا كان حبرَ هذه الأمة".
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سُئل أبي عن عِكرِمَة وسعيد بن جُبيرٍ: أيهما أعلم بالتفسير؟ فقال: أصحاب ابن عباسٍ عيالٌ على عِكرِمَة.
قال حبيب بن أبي ثابتٍ: "اجتمع عندي خمسةٌ لا يجتمع عندي مثلهم أبدًا: عطاءٌ، وطاوسٌ، ومجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وعِكرِمَة، فأقبل مجاهدٌ وسعيد بن جبيرٍ يلقيان على عِكرِمَة التفسير، فلم يسألاه عن آيةٍ إلا فسرها لهما، فلما نَفِدَ ما عندهما جعل يقول: أنزلت آية كذا في كذا، وأنزلت آية كذا في كذا".
قال حماد بن زيد: قال لي أيوب: لو لم يكن عِكرِمَة عندي ثقة لم أكتب عنه.
قال يحيى بن أيوب: سألني ابن جريج: هل كتبتم عن عِكرِمَة؟ قلت: لا، قال: فاتكم ثلث العلم.
قبس من كلام عِكرِمَة:
قال عِكرِمَة: "ما من عبدٍ يقربه الله يوم القيامة للحساب إلا قام مِن عند الله بعفوه".
قال عِكرِمَة: "لكل شيءٍ أساسٌ، وأساس الإسلام الخُلق الحسَن".
قال أرطاة بن أبي أرطاة: سمعت عِكرِمَة يحدث القوم، وفيهم سعيد بن جبيرٍ وغيره، فقال: إن للعلم ثمنًا، فأعطُوه ثمنه، قالوا: وما ثمنه يا أبا عبد الله؟ قال: أن تضعَه عند مَن يُحسن حفظه ولا يضيِّعه.
قال عِكرِمَة: إن الشيطانَ ليزين للعبد الذنب، فإذا عمله تبرأ منه، فلا يزال يتضرع إلى ربه ويتمسكن له ويبكي حتى يغفر الله له ذلك وما قبله.
براءة عِكرِمَة من فكر الخوارج:
قال البخاري: ليس أحدٌ من أصحابنا إلا وهو يحتج بعِكرِمَة.
قال يحيى بن معينٍ: عِكرِمَة مولى ابن عباسٍ ثقةٌ، وقال: إذا رأيتَ إنسانًا يقع في عِكرِمَة، فاتَّهِمْه على الإسلام.
قال أبو بكرٍ المروزيُّ: قلت لأحمد بن حنبل: يحتجُّ بحديث عِكرِمَة؟ قال: نعم، يُحتج به.
قال النسائي: عِكرِمَة مولى عبد الله بن عباسٍ ثقة.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن عِكرِمَة مولى ابن عباسٍ، فقال: ثقةٌ، قلت: يُحتجُّ بحديثه؟ قال: نَعم، إذا روى عنه الثقاتُ.
قال أحمد العجلي: عِكرِمَة مولى عبد الله بن عباسٍ مكيٌّ، تابعيٌّ، ثقةٌ، بريءٌ مما يرميه به الناس من الحرورية، أي: مِن رأي الخوارج.
قال ابن حبان: كان عِكرِمَة من علماء زمانه بالفقه والقرآن، ولا أعلم أحدًا ذمَّه بشيء.
قال البزار: رَوَى عن عِكرِمَة مائة وثلاثون رجلًا من وجوه البلدان، كلهم رضُوا به.
قال أبو جعفر بن جَرير الطبري: ولم يكن أحدٌ يَدفع عِكرِمَة عن التقدم في العلم بالفقه والقرآن وتأويله وكثرة الرواية للآثار، وأنه كان عالِمًا بمولاه، وفي تقريظ جلة أصحاب ابن عباس إياه ووصفهم له بالتقدم في العلم، وأمرهم الناس بالأخذ عنه، ما بشهادة بعضهم تثبت عدالة الإنسان ويستحق جواز الشهادة، ومن ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح، وما تسقط العدالة بالظن وبقول فلان لمولاه: لا تكذب عليَّ، وما أشبهه من القول الذي له وجوه وتصاريف ومعانٍ غير الذي وجهه إليه أهل الغباوة ومَن لا علم له بتصاريف كلام العرب.
قال ابن منده: أما حال عِكرِمَة في نفسه، فقد عدَّله أمة من التابعين، منهم زيادة على سبعين رجلًا من خيار التابعين ورفعائهم، وهذه منزلة لا تكاد توجد منهم لكبير أحد من التابعين، على أن مَن جرحه من الأئمة لم يمسك عن الرواية عنه، ولم يستغنِ عن حديثه، وكان حديثُه متلقًّى بالقبول قرنًا بعد قرن إلى زمن الأئمة الذين أخرجوا الصحيح، على أن مسلمًا كان أسوأَهم رأيًا فيه، وقد أخرج له مع ذلك مقرونًا.
قال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي: أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عِكرِمَة، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا، منهم: أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور ويحيى بن معين، ولقد سألت إسحاق عن الاحتجاج بحديثه فقال: عِكرِمَة عندنا إمام أهل الدنيا، وتعجَّب من سؤالي إياه، قال: وحدثنا غير واحد أنهم شهدوا يحيى بن معين وسأله بعض الناس عن الاحتجاج بعِكرِمَة فأظهر التعجب.
قال أبو عمر ابن عبد البر: كان عِكرِمَة من جلَّة العلماء، ولا يقدح فيه كلام من تكلم فيه؛ لأنه لا حجةَ مع أحدٍ تكلم فيه.
وفاة عكرمة
مات عكرمة بالمدينة سنة خمس ومائة وهو ابن ثمانين سنة. وكان موته هو وكثير عزة - وهو من شعراء ذلك العصر- في يوم واحد فقال الناس: مات أفقه الناس وأشعر الناس[1].
[1] ابن سعد، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء البصري البغدادي: الطبقات الكبير، المحقق: علي محمد عمر، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1421هـ=2001م، ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر الدمشقي: البداية والنهاية، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1418هـ=1997م، الذهبي، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناءوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1405هـ=1985م، ابن أبي خيثمة، أبو بكر أحمد: أخبار المكيين من كتاب التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة، تحقيق: إسماعيل حسن حسين، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، 1997م، ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد: فتح الباري شرح صحيح البخاري، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، تصحيح: محب الدين الخطيب، تعليقات: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ=1960م.
التعليقات
إرسال تعليقك