التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
بنو مرين ..الدولة المرينية .. المرينيون، مقال د. راغب السرجاني، يتناول تاريخ بني مرين في المغرب وصراعهم مع الموحدين ودخول بني مرين مراكش على يد المنصور
بداية دولة بني مرين
بنو مرين فرع من قبيلة زناتة الأمازيغية (البربرية) الشهيرة[1]، والتي ينتمي إليها عدد من القبائل التي لعبت أدوارًا مهمة في تاريخ المغرب العربي، مثل مغيلة ومديونة ومغراوة وعبد الواد وجراوة، وغيرهم، وكان بنو مرين في أول أمرهم من البدو الرحل، وفي سنة (601هـ) نشبت بينهم وبين بني عبد الواد وبني واسين حرب فارتحلوا بعيدًا وتوغلوا في هضاب المغرب، ونزلوا بوادي ملوية الواقع بين المغرب والصحراء، واستقروا هناك إلى سنة (610هـ)، وهي السنة التي مات فيها محمد الناصر الموحدي عقب موقعة العقاب، وتولى من بعده ابنه المستنصر، وكان صبيًّا لا علم له بالسياسة وتدبير الملك، فانشغل باللهو والعبث وترك تدبير الملك لأعمامه ولكبار رجال الموحدين، فأساءوا وتهاونوا في الأمور وخلدوا إلى الراحة والدعة، وكانت غزوة العقاب قد أضعفت قواهم، وقضت على كثير من رجالهم وشبابهم، ثم جاء بعدها وباء عظيم قضى على كثير من أهل هذه المناطق، وكان بنو مرين في ذلك الوقت يعيشون في الصحاري والقفار، وكانوا يرتحلون إلى الأرياف وأطراف المدن المغربية في الصيف والربيع للرعي فيها طوال الصيف والربيع، ولجلب الحبوب والأقوات التي يستعينون بها على الحياة في الصحاري المجدبة، فإذا أقبل الشتاء اجتمعوا كلهم ببلدة تسمى «أكرسيف» ثم شدُّوا الرحال إلى مواطنهم في الصحراء.
فلما كانت سنة (610هـ) ذهبوا على عادتهم إلى المدن والأرياف، فوجدوا أحوال هذه البلاد قد تغيرت وتبدَّلت، ورأوا ما آلت إليه أحوال الموحدين من التهاون والخلود للراحة، وما آلت إليه أحوال الشعب بعد ضياع رجاله وشبابه في موقعة العقاب، وفي الوباء الذي عم بلاد المغرب والأندلس بعدها، ووجدوا هذه البلاد مع ذلك طيبة المنبت، خصيبة المرعى، غزيرة الماء، واسعة الأكناف، فسيحة المزارع، متوفرة العشب لقلة الرعي فيها، مخضرة التلول والربى، فدفعهم ذلك إلى ترك القفار والاستقرار في هذه البلاد، وأرسلوا إلى قومهم في الصحراء يخبرونهم بذلك كله، وأنهم عزموا على الاستقرار هناك، ويحضونهم على اللحاق بهم، فأسرع باقي بني مرين بالانتقال إلى هذه البلاد الخصبة وانتشروا فيها[2].
الصراع بين بني مرين والموحدين
ولأنهم كانوا قومًا من البدو لم يعتادوا الخضوع لغيرهم، فقد عملوا على بسط سيطرتهم على هذه البلاد، وشنوا الغارات على البلاد المحيطة بهم كعادة أهل الصحراء، فلما كثر عيثهم وزادت شكاية الناس منهم، أراد الخليفة المستنصر الموحدي أن يقضي عليهم، فأرسل لهم جيشًا عام (613هـ)، وكان أميرهم في ذلك الوقت أبو محمد عبد الحق بن محيو، فاشتبك الفريقان، ودارت بينهم حرب شديدة استمرت أيامًا، وانتهت بهزيمة الموحدين هزيمة شديدة وبانتصار بني مرين واستحواذهم على أموال الموحدين وسلاحهم، فزاد ذلك من قوة بني مرين، وسرت هيبتهم في بلاد المغرب[3].
واستمرت المعارك بعد ذلك بين بني مرين وبين دولة الموحدين، حتى كانت سنة (639هـ)، وفيها أرسل الخليفة الرشيد الموحدي جيشًا لقتال بني مرين فهُزم الموحدون هزيمة شديدة، واستولى بنو مرين على أموالهم وسلاحهم[4]، وتوفي الرشيد بعد ذلك بعام، فخلفه أخوه أبو الحسن السعيد، وهو الذي استنجد به أهل إشبيلية[5]، وصمم أبو الحسن السعيد هذا على القضاء على بني مرين فضاعف في ذلك جهوده، وسَيَّر لقتالهم سنة (642هـ) جيشًا ضخمًا، ونشبت بين الفريقين موقعة هائلة هُزم فيها بنو مرين، وقُتل فيها أميرهم في ذلك الوقت أبو معرِّف محمد بن عبد الحق.
المنصور المريني
وتولى إمارة المرينيين بعد مقتل أبي معرف أخوه أبو بكر بن عبد الحق الملقب بأبي يحيى، وفي عهده اشتدَّ ساعد بني مرين، وتغلبوا على مكناسة سنة (643هـ)[6]، ثم زحفوا على فاس واستولوا عليها بعد حصار شديد سنة (648هـ)، ثم استولوا على سجلماسة ودرعة سنة (655هـ)، وبعد ذلك بعام واحد توفي أبو يحيى، وصار الأمر بعده إلى أخيه أبي يوسف يعقوب المريني، وتلقب بالمنصور بالله، وجعل مدينة فاس عاصمة دولته[7]، وفي سنة (657هـ) نشبت الحرب بين بني مرين وبين الأمير يغمراس بن زيان ملك المغرب الأوسط، وزعيم بني عبد الواد، فانتصر يعقوب بن عبد الحق أو المنصور المريني، وارتد يغمراسن إلى تلمسان مهزومًا[8]، وفي سنة (658هـ) هاجم نصارى إسبانيا ثغر سلا من بلاد المغرب، وقتلوا وسبوا كثيرًا من أهله، فأسرع يعقوب المريني بإنجاده، وحاصر النصارى بضعة أسابيع حتى جلوا عنه[9].
بنو مرين والقضاء على دولة الموحدين
ثم جاءت سنة (667هـ)، وفيها كانت الموقعة الحاسمة بين المرينيين والموحدين ففي أواخر هذه السنة سار الخليفة الواثق بالله الموحدي لقتال بني مرين، والتقى الفريقان في وادي غفو بين فاس ومراكش، فانتصر بنو مرين، وقُتل من الموحدين عدد كبير، وكان على رأس القتلى الخليفة الموحدي نفسه، واستولى المرينيون على أموالهم وأسلحتهم[10]، ثم ساروا إلى مراكش، فدخلها يعقوب المنصور المريني بجيشه في التاسع من المحرم سنة (668هـ)، وتسمَّى بأمير المسلمين[11]، وبذلك انتهت دولة الموحدين بعد حوالي قرن ونصف من الزمان، وقامت بعدها دولة بني مرين الفتية التي سيطرت على المغرب الأقصى كله.
[1] ابن أبي زرع: الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية، ص14، وتاريخ ابن خلدون، 7/166.
[2] ابن أبي زرع: الذخيرة السنية، ص24- 27، وتاريخ ابن خلدون، 7/169، والسلاوي: الاستقصا، 3/4.
[3] ابن أبي زرع: الذخيرة السنية، ص27، وتاريخ ابن خلدون، 7/169.
[4] تاريخ ابن خلدون، 7/171.
[5] ابن عذاري: البيان المغرب، قسم الموحدين، ص380- 384.
[6] ابن أبي زرع: الذخيرة السنية، ص63: 66، وتاريخ ابن خلدون، 7/171، 172.
[7] ابن أبي زرع: الذخيرة السنية، ص58، 77، 78، 83.
[8] تاريخ ابن خلدون، 7/177، 178.
[9] ابن أبي زرع: الذخيرة السنية، ص93، 94، والسلاوي: الاستقصا، 3/21، 22.
[10] انظر: ابن أبي زرع: الذخيرة السنية، ص117، 118، و ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، 7/182.
[11] انظر: ابن أبي زرع: الذخيرة السنية، ص118.
التعليقات
إرسال تعليقك