ملخص المقال
الصحابي خارجة بن زيد بن أبي زهير الأنصاري، شهد العقبة الثانية وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي بكر، وحضر بدر واستشهد في أُحد
الصحابي خارجة بن زيد بن أبي زهير الخزرجي الأنصاري، أحد أعيان الصحابة السابقين في الإسلام، شهد بيعة العقبة الثانية، وكان أحد النقباء الاثني عشر، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وتزوج أبو بكر من ابنته حبيبة بنت خارجة رضي الله عنها، وشهد بدرًا واستشهد في أُحد سنة 3هـ = 625م.
خارجة بن زيد اسمه ونسبه
أبو زيد خارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث (بلحارث) بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف ابن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، الخزرجي الأنصاري البدري، ويعرف قومه ببني الحارث بن الخزرج أو بلحارث بن الخزرج ويشتهرون ببني الأغر[1].
أسرة خارجة بن زيد
أمه السيدة بنت عامر بن عبيد بن غيان بن عامر بن خطمة، من الأوس[2]، وزوجته هُزَيْلَة بنت عنبة (وقيل: هزيلة بنت عتبة) بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج، الصحابية الخزرجية الأنصارية[3].
أولاد خارجة بن زيد
لخارجة بن زيد من زوجته هزيلة بن عتبة: زيد بن خارجة بن زيد، وهو صحابي مشهور، توفي في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وتكلم بعد موته. وابنته حبيبة بنت خارجة، تزوجها أبو بكر الصديق رضي الله عنه[4]، وهزيلة بنت عتبة هي أم سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي الزهير الخزرجي الأنصاري، فيكون زيد بن خارجة وأخته حبيبة بنت خارجة أخوين لسعد بن الربيع من أمه[5].
وذكر ابن منده أن لخارجة بن زيد رضي الله عنه ولدًا اسمه «سعد بن خارجة»، استشهد مع والده في غزوة أحد، قال ابن منده: سعد بن خارجة بن زيد بن أبي زهير، مختلف في اسمه، وهو أخو زيد (زيد بن خارجة)، قتل هو وأبوه يوم أحد [6].
إسلام خارجة بن زيد
وخارجة بن زيد بن أبي زهير رضي الله عنه من كبار الصحابة وأعيانهم ومن السابقين في الإسلام، وهو من الطبقة الأولى من الأنصار[7]، أسلم قبل الهجرة، وشهد بيعة العقبة الثانية، وهو أحد النقباء الاثني عشر الذين جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم على قومهم[8].
المؤاخاة بين خارجة بن زيد وبين أبي بكر
قال ابن الجوزي: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين خارجة وأبي بكر رضي الله عنه[9]، بينما ذكر ابن إسحاق أن أبا بكر رضي الله عنه بعد الهجرة إلى المدينة نزل على خبيب بن إساف (يساف) رضي الله عنه، وفي قول آخر نزل على خارجة بن زيد بن أبي زهير[10].
وقال الطبري: نزل أبو بكر بن أبي قحافة على خبيب بن إساف، أخي بني الحارث ابن الخزرج بالسُّنْح، ويقول قائل: كان منزله على خارجة بن زيد بن أبي زهير، أخي بني الحارث بن الخزرج[11]. ونزول أبي بكر عند خارجة بن زيد بن أبي زهير هو المشهور، ودليله أنه تزوج ابنته بالسُّنْح[12]، إذ كان السُّنْح منزل خارجة بن زيد وقومه بني الحارث من الخزرج، ولم يزل أبو بكر في السُّنْح عند زوجته حبيبة بنت خارجة حتى وفاته. قال ابن سعد: «نزل أبو بكر على خارجة بن زيد بن أبي زهير وتزوج ابنته، ولم يزل في بني الحارث بن الخزرج بالسُّنْح حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم».
ودليل أقوى من ذلك، أن خبيب بن يساف رضي الله عنه لم يكن مسلمًا وقت الهجرة، بل أسلم في الطريق إلى غزوة بدر سنة 2هـ، فقد روى الإمام أحمد والطبراني برجال ثقات عن خبيب بن يساف رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يريد غزوًا، أنا ورجل من قومي، ولم نسلم، فقلنا: إنا نستحيي أن يشهد قومنا مشهدًا لا نشهده معهم، قال: «أَوَأَسْلَمْتُمَا؟»، قلنا: لا، قال: «فَلَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ»، قال: فأسلمنا وشهدنا معه[13].
خارجة بن زيد في غزوة بدر
شهد خارجة بن زيد بن أبي زهير رضي الله عنه غزوة بدر سنة 2هـ = 624م مع رسول الله صلى الله عليه وسلم [14]، وقُتل على يديه من المشركين حرملة بن عمرو من بني الأسد وهو حيف لقريش، وقيل قتله علي بن أبي طالب[15].
استشهاد خارجة بن زيد بغزوة أحد
ثم شهد خارجة بن زيد بن أبي زهير رضي الله عنه غزوة أُحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستشهد رضي الله عنه بها سنة 3هـ = 625م، وقيل: استهشد معه ابنه سعد[16]، وقد أبلى فيها رضي الله عنه بلاءً حسنًا، حيث ظل خارجة يقاتل بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى أخذته الرماح، وكانت بضعةَ عَشَر رمحًا، فمر به مالك بن الدُّخْشم، فرأى الجراحات قد أنفذت مقاتله، (قال الواقدي: وهو قاعد في حشوته، به ثلاثة عشر جرحًا، كلها قد خلصت إلى مقتل)، فقال مالك: يا خارجة، أما علمتَ أن محمدًا قد قُتل، فقال خارجة: فإن الله حي لا يموت، فقاتِل عن دينك، فقد بلَّغ محمدٌ رسالاتِ ربه، ومر على سعد بن الربيع وبه اثنا عشر جرحًا، كلها قد خلص إلى مقتل، فقال: علمت أن محمدًا قد قتل؟ قال سعد بن الربيع: أشهد أن محمدًا قد بلغ رسالة ربه، فقاتل عن دينك، فإن الله حي لا يموت![17].
وقال الواقدي يذكر موقف استشهاد خارجة بن زيد بأحد: وكان عباس بن عبادة بن نضلة، وخارجة بن زيد بن أبي زهير، وأوس بن أرقم بن زيد، وعباس رافع صوته يقول: يا معشر المسلمين، الله ونبيكم! هذا الذي أصابكم بمعصية نبيكم، فيوعدكم النصر فما صبرتم! ثم نزع مغفره عن رأسه وخلع درعه، فقال لخارجة بن زيد: هل لك في درعي ومغفري؟ قال خارجة: لا، أنا أريد الذي تريد. فخالطوا القوم جميعًا، وعباس يقول: ما عذرنا عند ربنا إن أصيب رسول الله ومنا عين تطرف؟ يقول خارجة: لا عذر لنا عند ربنا ولا حجة. فأما عباس فقتله سفيان بن عبد شمس السلمي، ولقد ضربه عباس ضربتين فجرحه جرحين عظيمين، فارتث يومئذ جريحًا فمكث جريحًا سنة ثم استَبَل[18]. وأخذت خارجة بن زيد الرماح فجرح بضعة عشر جرحًا، فمر به صفوان بن أمية، فعرفه، فقال: هذا من أكابر أصحاب محمد، وبه رمق! فأجهز عليه. وقتل أوس بن أرقم.
وقال صفوان بن أمية: من رأى خبيب بن يساف؟ -وهو يطلبه ولا يقدر عليه. ومثَّل يومئذ بخارجة، وقال: هذا ممن أغرى بأبي يوم بدر -يعني أمية بن خلف، الآن شفيت نفسي حين قتلت الأماثل من أصحاب محمد، قتلت ابن قوقل (النعمان بن مالك بن قوقل رضي الله عنه)، وقتلت ابن أبي زهير، وقتلت أوس بن أرقم[19].
وروى الواقدي عن ابن أبي سبرة، عن خالد بن رباح، عن الأعرج، قال: لما صاح الشيطان "إن محمدًا قد قتل"، قال أبو سفيان بن حرب: يا معشر قريش، أيكم قتل محمدا؟ قال ابن قميئة: أنا قتلته. قال: نُسَوِّرُك (نلبسك السوار) كما تفعل الأعاجم بأبطالها. وجعل أبو سفيان يطوف بأبي عامر الفاسق في المعرك هل يرى محمدًا بين القتلى، فمر بخارجة بن زيد بن أبي زهير، فقال: يا أبا سفيان، هل تدري من هذا القتيل؟ قال: لا. قال: هذا خارجة بن زيد بن أبي زهير الخزرجي، هذا سيد بلحارث بن الخزرج. ومر بعباس بن عبادة بن نضلة إلى جنبه، فقال: هذا ابن قوقل، هذا الشريف في بيت الشرف. قال: ثم مر بذكوان ابن عبد قيس، فقال: هذا من ساداتهم. ومر بابنه حنظلة فقال: من هذا يا ابن عامر؟ قال: هذا أعز مَن ها هنا عليَّ، هذا حنظلة بن أبي عامر. قال أبو سفيان: ما نرى مصرع محمد، ولو كان قتله لرأيناه، كذب ابن قميئة! ولقي خالد بن الوليد، فقال: هل تبيَّن عندك قتل محمد؟ قال خالد: رأيته أقبل في نفر من أصحابه مصعدين في الجبل. قال أبو سفيان هذا حق! كذب ابن قميئة، زعم أنه قتله[20].
ودُفن خارجة بن زيد بن أبي زهير رضي الله عنه مع سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير الخزرجي الأنصاري في قبر واحد [21]، بينما ذكر سبط ابن الجوزي أن من دفن مع خارجة بن زيد بن أبي زهير هو الصحابي الأغر بن ثعلبة الأنصاري رضي الله عنه[22].
قال ابن سعد: وكان لخارجة بن زيد عقب فانقرضوا، وانقرض أيضًا ولد زهير بن أبي زهير بن مالك فلم يبق منهم أحدٌ[23].
_________________________
[1] ابن سعد: الطبقات الكبرى، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر - بيروت، 1968م، ج3/ ص524. ابن حزم: جمهرة أنساب العرب، تحقيق: لجنة من العلماء، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1403/1983م، ص332. ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار الجيل - بيروت، 1412هـ / 1992م، ج2/ ص417.
[2] ابن سعد: الطبقات الكبرى، ج3 / ص524. سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، تحقيق: محمد بركات وعمار ريحاوي، الناشر: دار الرسالة العالمية - دمشق، 1434هـ / 2013م، ج3/ ص279.
[3] ابن سعد: الطبقات الكبرى، ج3 / ص524 - 525، ج8/ ص363.
[4] ابن سعد: الطبقات الكبرى، ج3 / ص524 - 525. ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، 1412هـ / 1992م، ج3/ ص185. ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، 1415هـ، ج2/ ص190.
[5] ابن سعد: الطبقات الكبرى، ج3 / ص522، 524 – 525.
[6] ابن منده: المستَخرجُ من كُتب النَّاس للتَّذكرة والمستطرف من أحوال الرِّجال للمعرفة، تحقيق: عامر حسن صبري التميمي، الناشر: وزارة العدل والشئون الإسلامية البحرين، د.ت، ج1/ ص343. ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة، ج3/ ص44.
[7] ابن الأثير: أسد الغابة، الناشر: دار الفكر – بيروت، 1409هـ / 1989م، ج1/ ص562. سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، ج3/ ص279.
[8] ابن سعد: الطبقات الكبرى، ج3/ ص525، وقال: وشهد خارجة بن زيد بن أبي زهير العقبة في روايتهم جميعا. ابن منده: المستَخرجُ من كُتب النَّاس للتَّذكرة والمستطرف، ج1/ ص96، وقال: قاله عروة والزهرى. ابن حزم: جوامع السيرة وخمس رسائل أخرى لابن حزم، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار المعارف – مصر، 1900م، ص80. ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، ج3/ ص40. ابن الجوزي: تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير، الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم – بيروت، 1997م، ص306.
[9] ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، ج3/ ص185.
[10] ابن هشام: السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الثانية، 1375هـ / 1955م، ج1/ ص493. ابن سعد: الطبقات الكبرى، ج3/ ص174. أبو نعيم الأصبهاني: معرفة الصحابة، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، الناشر: دار الوطن للنشر - الرياض، 1419هـ / 1998م، ج2/ ص828، 969.
[11] الطبري: تاريخ الرسل والملوك، الناشر: دار التراث – بيروت، الطبعة: الثانية، 1387هـ، ج2/ ص382. الطبراني: المعجم الكبير، الناشر : مكتبة العلوم والحكم – الموصل، الطبعة الثانية، 1404هـ / 1983م، ج4/ ص24، 201.
[12] السُّنْح: هو بضم أوله وسكون ثانيه: مكان في عوالي المدينة النبوية، كان به منزل أبي بكر الصديق حين تزوج حبيبة بنت خارجة بن زيد الأنصارية. وجاء خبر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر وهو بالسّنح، حيث منازل بني الحارث بن الخزرج. انظر: محمد بن محمد حسن شُرَّاب: المعالم الأثيرة في السنة والسيرة، الناشر: دار القلم، الدار الشامية - دمشق- بيروت، 1411هـ، ص144.
[13] ابن سعد: الطبقات الكبرى، ج3/ ص174. الإمام أحمد: المسند، مؤسسة الرسالة، رقم (15763)، ج25/ ص42 – 43. الطبراني: المعجم الكبير، رقم (4194، 4195)، ج4/ ص223 – 224، وقال الألباني: رجاله ثقات غير عبد الرحمن بن خبيب بن يساف، أورده ابن أبي حاتم (2 / 2 / 230) من رواية ابن خبيب هذا فقط، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات"[السلسلة الصحيحة 3/92].
[14] ابن هشام: السيرة النبوية، ج1/ ص691. ابن حزم: جوامع السيرة، ص130.
[15] ابن هشام: السيرة النبوية، ج1/ ص711. عبد الملك العصامي: سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود- علي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، 1419 هـ / 1998م، ج2/ ص95.
[16] ابن هشام: السيرة النبوية، ج2/ ص125. ابن منده: المستَخرجُ من كُتب النَّاس للتَّذكرة والمستطرف، ج1/ ص343. السهيلي: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، 1412هـ، ج6/ ص76.
[17] الواقدي: المغازي، تحقيق: مارسدن جونس، الناشر: دار الأعلمي – بيروت، الطبعة: الثالثة – 1409هـ /1989م،ج1/ ص280. سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان، ج3/ ص279.
[18] استَبَل: نجا من مرضه. (القاموس المحيط، ج 3، ص 337).
[19] الواقدي: المغازي، ج1/ ص258. ابن سعد: الطبقات الكبرى، ج3/ ص525. ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج2/ ص417.
[20] الواقدي: المغازي، ج1/ ص236 - 237.
[21] الواقدي: المغازي، ج1/ ص268، 302. ابن هشام: السيرة النبوية، ج2/ ص125. ابن منده: المستَخرجُ من كُتب النَّاس للتَّذكرة والمستطرف، ج1/ ص101 - 102، 339. ابن الأثير: أسد الغابة، ج1/ ص562.
[22] سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان، ج3/ ص269.
[23] ابن سعد: الطبقات الكبرى، ج3/ ص525.
التعليقات
إرسال تعليقك