الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
يعرض المقال نماذج وصور من روائع العمارة الإسلامية في عصر المماليك البحرية والمماليك البرجية، من المساجد والمدارس والقصور وغيرها..
تتمثَّل العمارة الإسلامية والفنون خلال عصر المماليك في المباني الدينية كالجامع والمدرسة والخانقاه، وفي العمارة المدنية كالقصور والدور الخاصَّة والخانات والوكالات والمشافي.
عمارة المساجد المملوكية
تحتفظ عمارة المساجد بالتقاليد السابقة؛ فهي مؤلَّفة من صحن مكشوف تحفُّ به أربعة أروقة، ومن حرم مغطى، أمَّا المدرسة فهي مؤلَّفة من إيوانين متقابلين مفتوحين على صحن، وقد تلحق بالمدرسة -غالبًا- أضرحة ومصليَّات.
وظهر في هذا العصر بناء الجامع والمدرسة، أمَّا الخانقاه فهي أشبه بمدرسة مخصَّصة للصوفيَّة أو لرجال الأعمال؛ حيث يكون لهم جناح في هذا المبنى لمزاولة أعمالهم، والخانات هي فنادق للمسافرين والقوافل تتكون من طابقين أو أكثر، الطابق السفلي مخصَّص لحفظ البضائع والدواب، والطوابق العليا للسكن، أما الوكالات فهي مخصَّصة للتجار ورجال الأعمال.
ومع أنَّ فنَّ العمارة المملوكي كان محصِّلة الفنون المعمارية التي ظهرت قبل هذا العصر، فإنَّه امتاز بنضج الزخارف واستخدامها للحجر والآجر والإكساء بالرخام مع زيادة الاهتمام بطراز الأعمدة والدعامات من الرخام والغرانيت، واستعمال موفَّق لأعمدة قديمة.
اهتمَّ المعمار بواجهات المنشآت؛ إذ ظهرت عناصر زخرفية جديدة بدت على شكل مقرنصات وشرَّافات مسنَّنة، مع الاهتمام برشاقة المآذن وزخرفتها حجريًّا، وازداد الاهتمام بالمداخل الشامخة التي تظهر واضحة في بناء مسجد السلطان حسن ومدرسته في القاهرة، بالإضافة إلى المشربيَّات والشناشيل في عمارة القصور والبيوت التي تُحقِّق الإطلال الخارجي مع احتجاب النساء، كما تُحقِّق تكييفًا هوائيًّا
طبيعيًّا.
المدفن .. أكثر المنشآت المعماريَّة انتشارًا
يُعدُّ المدفن من أكثر المنشآت المعماريَّة انتشارًا في ذلك العصر، وما زال حتى اليوم ما يقرب من خمسة وخمسين مدفنًا، وتأخذ القبَّة شكل التربة، وكان بعضها مستقلًّا؛ وبعضها الآخر ملحقًا بمنشآت أخرى، وتغطي الصالةَ المدفنيَّة قبَّةٌ ذات رقبةٍ دائريَّةٍ أو مضلَّعة تنفتح فيها نوافذ عدَّة، محمولة على عنق
مثمن، وتبدو القبَّة شديدة الارتفاع مقطعها قوسي، مزيَّنة بالمفصَّصات (زخرفة إهليلجيَّة ناتئة أو غائرة) أو المِشْبَكات الهندسية أو النباتية.
أشهر المساجد المملوكية
أمَّا المساجد فإنَّ أقدمها مسجد بيبرس الأوَّل (667هـ=1269م)، وآخر مسجد هو مسجد السلطان مؤيد (854هـ=1450م)، ولكن مسجد السلطان قلاوون (684هـ=1285م)، يُعدُّ من أهمِّ المساجد المملوكيَّة وأجملها، وهو مجموعةٌ معماريَّةٌ تتضمَّن مشفى (بيمارستانًا) ومسجدًا أُلحقت به مقصورات للطلاب، ثم ضريح السلطان، وتبدو واجهة هذه الأبنية شديدة الزخارف مؤلَّفة من مشاكٍ (ثريات) lustres عالية ذات أقواسٍ منكسرة.
وفي دمشق وحلب مساجد تعود إلى ذلك العصر أنشأها نوَّاب السلطان، من أمثال جامعي تنكز ويلبغا في دمشق، وفي حلب جامع الطنبغا وجامع الأطروش (أقبغا).
مسجد مدرسة السلطان حسن
ويعد بناء مسجد ومدرسة السلطان حسن (764هـ=1363م)، نموذجًا معماريًّا متميِّزًا؛ يقوم البناء على سطح منحدر، يبدو بمدخله الفخم وقد سبقه درج ينقلنا إلى دهليز يُؤدِّي إلى الصحن المربَّع الشكل، تنفتح من جهاته الأربع إيوانات ذات قبَّةٍ منكسرة، ولكن الإيوان المجابه للمدخل هو الأوسع، وفيه محراب القبلة، وفي وسطه مقصورة مرفوعة، وإلى جانبي المحراب بابان يصلان الحرم بصالةٍ كبرى ذات قبَّة؛ هي مدفن السلطان حسن، وتتَّصل الأواوين الجانبيَّة بغرفٍ ومقصوراتٍ تُشكِّل مدرسةً بذاتها، تسمح بإقامة الطلاب وبدراستهم، وتنهض في مقدِّمة البناء مئذنتان.
تزيين المآذن المملوكية
اهتمَّ المعمار عمومًا بتزيين المآذن بالمقرنصات أو "بالقيشاني" وغيرها، وقد ظهرت المئذنة المزدوجة الرءوس كما في مئذنة الغوري في الجامع الأزهر، وتُزيِّن المساجد المملوكية سقوف مدهونة وزجاج ملوَّن في النوافذ، وتنزيل الرخام في الجدران، مع تبليطات هندسيَّة، كما تُزيِّن واجهات هذه الأبنية كسوات رخامية أو حجرية حمراء أو بيضاء، ومحاريب شاقولية ومقرنصات، ويتميَّز مسجد قايتباي بمزايا زخرفيَّة متميِّزة.
العمارة المدنية في العصر المملوكي
1- القصور المملوكية
ومن أقدم أمثلة العمارة المدنية قصران من العصر الأيوبي رُمِّما في عصر بيبرس وقلاوون؛ هما قصر الهواء في القلعة، وقصر نجم الدين في جزيرة الروضة، بالإضافة إلى القصر الأبلق الذي أنشأه بيبرس في دمشق، وقصرٍ مماثلٍ له في القاهرة أنشأه قلاوون.
2- الحمامات في العصر المملوكي
وظهرت في القاهرة ودمشق في هذا العصر الحمامات العامَّة ذات المخطَّط المصلب؛ وهي مؤلَّفة من ثلاثة أقسام: قسم (المشلح) وهو مُزيَّن ببركة ومضاء بمنور، وتنفتح على هذه الصالة "أواوين" لاستراحة المستحمين، ويمتدُّ ممرٌّ إلى القسم (الوسطاني) المستعمل للتدليك، ومنه إلى القسم الحار المؤلَّف من مقاصير ذات قباب منارة بمكورات زجاجية، ومثالها حمام التيروزي في دمشق.
ومثال العمارة العسكرية المملوكية قلعة قايتباي في الإسكندرية، ومثلها في رشيد.
_____________________
المراجع: حسني محمد نويصر: العمارة الإسلامية في مصر .. عصر الأيوبيين والمماليك (مكتبة زهراء الشرق، القاهرة).
التعليقات
إرسال تعليقك