د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
ما هي طبيعة الدولة في الإسلام ؟ وهل الدولة في الإسلام دولة دينية أم مدنية ؟ وما المقصود بالدولة الدينية ؟ وما هي أمثلتها في التاريخ ؟ وما المقصود بالدولة
في البداية يجب أن نبيّن أن الغرب مرعوب من قيام دولة إسلامية في مصر؛ لأنه يقرأ التاريخ جيدًا، ويعلم أن قوة مصر قوَّة للإسلام؛ لذا قد يحاولون فرض حصار على مصر، أو التورُّط في حرب ضدها، ولكنني أستبعد فكرة الحرب؛ لأن الغرب تورَّط في العراق وأفغانستان؛ لذا لم يحاول التورط أكثر في ليبيا، ومصر دولة قوية وعظيمة، وهي مقبرة الغزاة، وستُصبح مصر -إن شاء الله تعالى- بداية نهضة للعالم الإسلامي، ولكن بشرط قيام دولة إسلامية، أما لو قامت دولة ذات توجُّه علماني أو قومي فستضيع الفرصة من أيدينا.
هل الدولة في الإسلام دولة دينية أم مدنية ؟
ما المقصود بالدولة الدينية؟
أما عن الدولة الدينية أو كما تسمى الدولة الثيوقراطية هي الدولة التي يحكم الحاكم فيها باسم الله، أي أن ما يحكم به هو حكم الله، وهي بهذه الصورة دولة بلا قانون، بل تسير على هوى الحاكم، ويدعي الحاكم أن هذا الهوى هو إرادة الله عز وجل!
وأشهر الأمثلة لهذه الدولة في التاريخ مثالان:
الأول: في أوربا المسيحية في العصور الوسطى؛ حيث يأمر البابا بأمر فيُعتَبَر أمره هو حكم الله، ولو خالف أمره أو كلامه أحد فهو كافر؛ لأنه خالف حكم الله، وفي الدولة الدينية المسيحية هذه كل مَنْ يُخالف الكنيسة كافر، ولو كانت الكنيسة مخطئة؛ لذا لما وضعت الكنيسة عِلْمًا للجغرافيا سمته الجغرافيا المسيحية، وجاء بعض العلماء الغربيين بنظريات تخالف ما عليه الكنيسة في تفسيرها للكتاب المقدس فحكمت الكنيسة بكفرهم، ولو كان كلامهم موافقًا للعلم. إذن هي دولة معادية للعلم، وتنشر الجهل والخرافة، وتعادي العلماء والمفكرين، هذا هو النموذج الأول.
أما النموذج الثاني؛ فهو دولة ولاية الفقيه الشيعية في إيران؛ لأنه نموذج يُعطي العصمة للإمام الغائب؛ لذا يقول الخوميني مؤسس دولة ولاية الفقيه عن الإمام في العقيدة الشيعية في كتابه (الحكومة الإسلامية): "يبلغ عندنا الإمام ما لا يبلغه مَلَك مقرَّب ولا نبي مرسَل". هكذا الفجور في العقيدة.
أمَّا الدولة الإسلامية التي نُريدها فهي دولة مخالفة لهذا؛ فهي دولة يُحْكَم فيها بالقرآن والسُّنَّة، والذي يحكم هو بشر مثلنا غير معصوم، ولو خالف حكم القرآن والسُّنَّة فعلى الأُمَّة أن تُقَوِّمه، فإن استقام وإلا عزلته. وهي دولة تقوم على الرحمة والرفق، وعلى العدل والمساواة في الحقوق والواجبات، وعلى مساواة الحاكم بالمحكوم، وعلى الشورى والحرية، وعلى العدالة الاجتماعية، وهي دولة مؤسسات؛ فهي دولة كدولة الرسول –صلى الله عليه وسلم، غير أن الذي يحكم ليس معصومًا كالرسول –صلى الله عليه وسلم.
ما المقصود بالدولة المدنية؟
لا بُدَّ من تحرير المقصود بالمصطلح؛ فهم يُسمُّون الخمر بلفظ جميل هو المشروبات الرُّوحية، ومعنى الروحية أنها تسمو بالروح، ولكنهم في الحقيقة يقصدون الخمور، وكذلك يُسمُّون الربا بالفائدة؛ لذا يجب أن نفهم المقصود بالمصطلح؛ فالدولة المدنية التي يقصدونها هي الدولة العلمانية التي تُقصي الدين عن الحياة، فيبقى الدين في المسجد، وفي خارج المسجد ننظم الأمور بالقوانين الوضعية المخالفة للشرع، والتي فيها كل الفساد والانحراف؛ فنضع القوانين التي تُبيح الزنا والخمور والربا، والتحالف مع أعداء الإسلام ضد المسلمين، وإباحة الشذوذ، وإفساد مناهج التعليم بإبعادها عن الدين والقرآن، وغير ذلك من الأمور.
ونحن نقول: إن الدولة المدنية بهذا المعنى مرفوضة ومخالفة للشرع، أمَّا إن كان المقصود بها أنها دولة المؤسسات التي يحكمها المدنيون دون تدخُّل من العسكريين، والتي فيها عدل وحرية؛ فهذه صفة من صفات الدولة الإسلامية التي نُريدها.
التعليقات
إرسال تعليقك