التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
سقوط إشبيلية، مقال د. راغب السرجاني، يتناول سقوط إشبيلية بعد حصار فرناندو الثالث ملك قشتالة لها بمعاونة ابن الأحمر له، وتحول جامع إشبيلية إلى كنيسة
خيانة ابن الأحمر
أوفى ابن الأحمر بالتزاماته كاملة، تلك الالتزامات التي كانت ملئت بالخزي والعار عليه وعلى الأندلسيين جميعا، وكان الاختبار الأول لابن الأحمر مع فرناندو هو مساعدة ابن الأحمر لفرناندو على سقوط إشبيلية، فقد كان ابن الأحمر أكبر معين لفرناندو الثالث على سقوط إشبيلية في يده، وهي -يومئذٍ- أعظم القواعد الأندلسية قاطبة، وقد كانت العاصمة الثانية للأندلس بعد قرطبة، لا سيما في عصر الطوائف تحت حكم بني عباد.
فرناندو يحاصر إشبيلية
استطاع فرناندو الثالث أن يستولي على مدينة قرمونة حصن إشبيلية الأمامي بمعاونة ابن الأحمر، وفقًا للتحالف المعقود بينهما، ثم عمد بعد ذلك إلى افتتاح باقي الحصون القريبة من إشبيلية، واستطاع ابن الأحمر بنصحه وتدخله، أن يقنع معظم أصحابها بتسليمها لملك قشتالة، مقابل تعهده بأن يحقن دماء المسلمين، وأن يمنحهم شروطًا سخية، ولم تأتِ أواسط سنة 645هـ / 1247م حتى كان ملك قشتالة قد استولى على جميع الحصون الأمامية لإشبيلية، وانتسف سائر البسائط والضِياع القريبة منها، وبدأ النصارى حصارهم لإشبيلية في جمادى الأولى سنة 645هـ/ أغسطس 1247م[1].
التزام صاغر، وانتهاك لتعاليم الإسلام وشرائعه، وضرب لرابطة النصرة والأخوة الإسلامية، وموالاة للنصارى وأعداء الإسلام على المسلمين، ما كان من ابن الأحمر إلاَّ أن سمع وأطاع، وبكامل عدته يتقدم فرسان المسلمين الذين يتقدمون بدورهم جيوش قشتالة نحو إشبيلية، ضاربين حصارًا طويلاً وشديدًا حولها.
يتحرك الجيش الغرناطي مع الجيش القشتالي ويحاصرون المسلمين في إشبيلية، ليس لشهر أو شهرين، إنما طيلة سبعة عشر شهرًا كاملاً، يستغيث فيها أهل إشبيلية بكل مَنْ حولهم، لكن هل يسمع من به صمم؟!
لَقَدْ أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيًّا *** وَلَكِنْ لا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي
وَلَوْ نَارٌ نَفَخْتَ بِهَا أَضَاءَتْ *** وَلَكِنْ أَنْتَ تَنْفُخُ فِي رَمَادِ[2]
فالمغرب الآن مشغول بالثورات الداخلية، وبنو مرين يصارعون الموحدين في داخل المغرب، والمملكة الوحيدة المسلمة في الأندلس غرناطة هي التي تحاصر إشبيلية، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
سقوط إشبيلية
وفي 27 من شهر رمضان سنة (646 هـ= 1248م) وبعد سبعة عشر شهرًا كاملة من الحصار الشديد، تسقط إشبيلية بأيدي المسلمين ومعاونتهم للنصارى، تسقط إشبيلية ثاني أكبر مدينة في الأندلس، تلك المدينة صاحبة التاريخ المجيد والعمران العظيم، تسقط إشبيلية أعظم ثغور الجنوب ومن أقوى حصون الأندلس، تسقط إشبيلية ويغادر أهلها البلاد، ويهجَّر ويشرَّد منها أربعمائة ألف مسلم، وواحسرتاه على المسلمين، تفتح حصونهم وتدمر قوتهم بأيديهم[3]: [الوافر]
وَمَا فَتِئَ الزَّمَانُ يَدُورُ حَتَّـى *** مَضَى بِالْمَجْدِ قَـوْمٌ آخَرُونَا
وَأَصْبَحَ لا يُرَى فِي الرَّكْبِ قَوْمِي *** وَقَدْ عَاشُـوا أَئِمَّتَهُ سِنِـينَا
وَآلَمَنِـي وَآلَـمَ كـُلَّ حُـرٍّ *** سُؤَالُ الدَّهْرِ: أَيْنَ الْمُسْلِمُونَا؟[4]
وعلى هذا تكون إشبيلية قد اختفت من الخارطة الإسلامية، وما زال إلى الآن مسجدها الكبير الذي أسَّسه يعقوب المنصور الموحدي بعد انتصار الأرك الخالد، ما زال إلى اليوم كنيسة يُعَلَّق فيها الصليب، ويُعبد فيها المسيح بعد أن كانت من أعظم ثغور الإسلام، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله!
أين المسلمون؟! إنهم يحاصرون المسلمين! المسلمون يقتلون المسلمين! المسلمون يُشَرِّدون المسلمين!
التعليقات
إرسال تعليقك