ملخص المقال
العيد ودروس التسامح مقال بقلم د. عويض العطوي، يبين بعض دروس التسامح في العيد.. فما هي هذه الدروس؟ وما أهمية المسامحة والمصالحة والعفو في العيد؟
يا لهُ من يوم يعيشه المسلمون! يا له من يوم يحياه المؤمنون! يا له من يوم عظَّم الله عز وجل شأنه، وأعلى منزلته! إنه يوم النحر، أعظم الأيام عند الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر، ثم يوم القر"[1].
ولا عجب أنْ يكون هو يوم النحر؛ لأنه يومُ التقرُّب إلى الله بإنهار الدم، قال صلى الله عليه وسلم: "ما عمل ابن آدم من عمل يوم النحر أحبَّ إلى الله من إهراق الدم، وإنَّه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإنَّ الدم ليقع من الله بمكان، قبل أنْ يقع بالأرض، فطيبوا بها نفسًا"[2].
إنه يوم التسليم والانقياد، إنه يوم الطاعة والاستجابة، فيه معظم أعمال الحج: فيه النحر، والحلق والتقصير، ورمي جمرة العقبة، والطواف.
إنه يوم العيد، يوم الفرحة بطاعة الله سبحانه وتعالى، يوم السرور بفضل الله عز وجل، يوم السعادة بمغفرة الله تعالى، ألاَ ترون كيف سبقه يومُ عرفة أعظم يوم لغفران الذنوب، وإذهابِ الحوب؟ قال صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ "[3].
هذا لِمَنْ حجَّ، أما غير الحجاج فلهم بصيام يوم عرفة تكفير ذنوبِ سنتين ماضية وقادمة. ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني أنَّ الله عز وجل يريد بنا خيرًا، يريد ألاَّ يأتيَنا العيد إلاَّ وقد تنظفنا من الذنوب، وتخلَّصنا من الأدران والحوب.. إنه يريد ألاَّ يأتيَنا العيد إلا وقد كنا أهلاً للفرح بطاعته، والسرور بمغفرته.
هذا ربُّنا يريدنا أنْ نفرح بعفوه ومغفرته، يريدنا أنْ نتوب إليه، وأنْ نطلب فضله ورحمته, إنه ربنا وخالقنا ورازقنا، يسامحنا ويعفو عنا، ويتفضل علينا ويغفر لنا، حتى نكون للعيد أهلاً، فكيف بعد هذا يبخل بعضنا بمسامحة أخيه؟! كيف بعد هذا الكرم يُصِرُّ بعضنا على المقاطعة والمشاحنة؟ الله جلَّ جلاله الغني عنا, يعفو ويصفح، ونحن المحتاجون لبعضنا لا نعفو ولا نصفح! بل نزيد الأمرَ سوءًا، والقطيعةَ بُعدًا.
إنه درس ربَّاني في المسامحة والصفح، خالقنا ورازقنا المتفضل علينا، يغفر ذنوبنا، ويصفح عن سيئاتنا، وفينا من يحمل في صدره على أخيه، ومَنْ يعدُّ أخطاءه، ومَنْ يحسب هناته.
كيف يكون العيد عيدًا إذا خلا من المسامحة والمصالحة؟ كيف يكون العيد عيدًا إذا لم يكن فيه مساحةٌ للعفو والتجاوز؟!
كيف لنفسٍ أنْ تفرحَ والقلب مملوء بالضغائن والأدران، والمشاحنات والأحزان، والحسد والقطيعة؟!
إنّه اليوم الذي ينبغي أنْ نواكب فيه العفوَ الربّاني، والصفح الإلهي، لنجعل أيام العيد كلَّها أُنسًا وفرحة، وعطاءً ورحمة. قال صلى الله عليه وسلم عن هذه الأيام: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله"[4].
إن المتأمل ليجد أنّ ذِكر الله عز وجل ما زال معنا في مناسباتنا السعيدة، إنّه ذكر الله، لا ذكر الشيطان، ذكر الله يجب أنْ يمتد في أيام أُنسِنا وفرحنا، وهذا يعني أنّ الكلام الطيب والقول الحسن هو الذي ينبغي أنْ يملأ هذه الأيام الفاضلة، ومِنْ قبله أيام العشر كانت تهيئةً لذلك.. نحن اليوم نريد أنْ نرى أثر ذلك الذِّكر الحسن المستمر، والكلام الطيب الجميل الذي لهجت به الألسنةُ طِوال الأيام الماضية، نريد أنْ نرى أثره اليوم في عبارات التسامح والتصافي، والمحبة والإخاء، حتى مع مَنْ هَجَرْناه، أو نسيناه، أو خاصمناه..
نريد أنْ نرى اليوم الإحسان في أعلى صورِه، وأعظم تجلياته؛ ففي هذا اليوم قال المصطفى صلى الله عليه وسلم مذكِّرًا بشأن الإحسان فيما يستبعد الناسُ الإحسانَ فيه وهو الذبح، قال: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَة، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ولْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"[5].
فإذا كان هذا هو شأن الإحسان مع الحيوان، وفي لحظةِ ذبحِه، أفنبخل بالإحسان على الآدمي، الذي هو مِنْ إخواننا وجيراننا وأرحامنا؟!
الإحسان هو ذلك البلسم العجيب الذي يأسو الجروح، ويعالج القروح، ويزيل البغضاء، ويجلب المحبة والنقاء، أمَا قال ربُّنا سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].
ألا نريد أنْ تتحوَّل البعضاءُ إلى محبة؟ والعداوةُ إلى ولاية؟ بلى والله، إننا نريد أنْ يسود الصفاء والنقاء، والخير والعطاء، إذن فعليك بالعمل المؤثر، ألا وهوَ الإحسان حتى لمن أساء إليك، أمَا قال سبحانه: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}؟ إنه كان عدوًّا، وبَعْد الإحسان أصبح وليًّا حميمًا، لِمَ لا تكن أنت صاحبَ المبادرة وصاحبَ الفضل؟ لم لا تبدأ بالسلام، بالزيارة، بالمعايدة، بكلمة طيبة، أو هدية قيِّمة، أو رسالة جوال لطيفة، ترسلها لمن لا يتوقعها منك؛ بسبب البعد والهجر والمقاطعة؟!
إننا بهذا نغيظ الشيطان، ونرضي الرحمن، ونتناغم مع العيد وفرحته، وأنْسِه وبركته، فهلاَّ فعلنا ذلك؟
في هذا اليوم المجيد نتعلم كيف نصون أعراضنا، ونحقن دماءنا، متجاوزين نزق الشيطان، وعمل الجاهلين، شعارنا التسامح والعفو والتجاوز، فهذا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يقعد يوم النحر على بَعِيرِهِ، ويُمسِكُ رجلٌ بِخِطَامِهِ -أَوْ بِزِمَامِهِ– فيقول: "أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟" فيقول الصحابة: فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بغير اسْمِهِ. قَالَ: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟" قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟" فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. فَقَالَ: "أَلَيْسَ بِذِي الْحِجَّةِ؟" قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ"[6].
إنها إشارات مهمة لنوقِفَ نزفَ الدماء التي تراق بلا مبرر، تُراق بسبب مالٍ زائل، أو طيشٍ أهوج، أو عصبيةٍ جاهلية، أو رجولةٍ مزيفة.
إنها إشارات مهمة لنوقِف الولوغ في الأعراض، وفريها بالألسنة، لنوقف استسهالَ أكلِ أموال الناس بغير حق، وإذا تأملنا ذلك؛ وجدنا أنَّ هذه الثلاثة: الدماءَ، والأموالَ، والأعراضَ، هي ما يتقاتل الناس عليه، فإذا حفظناها، وعرف كلٌّ منّا فيها حقه، حُفِظَ كلّ شيء لأهله، وفشت المحبة، وسادت الأُلفَة.
كم نحن بحاجة إلى زرع الابتسامة بين الناس، والوقوفِ مع المحتاج في حاجته!! كم نحن بحاجة إلى جمع الكلمة، ورأب الصدع!! كم نحن بحاجة لصلة الأرحام، والتواصل مع الأقارب, ليتفضّل علينا ربنا ببركات السماء من الخير والأمطار, وليُخْرِجَ الله لنا من بركات الأرض, وليستجيب دعاءنا, وليبارك في أعمارنا وأموالنا!!
فليكن كلٌّ منا في هذا اليوم مفتاحَ خير، وداعيةَ هدى، ونموذجًا يحتذى، فالعيد هو فرصتك -أيها المؤمن- لتُظهِر الوجه الجميل في نفسك، العيد هو فرصتك لينتصر الخير على الشر في داخلِك.
في العيد لن يلومك أحدٌ لو تواصلت أو وَصَلْت، لن يلومك أحد لو سامحت أو أحسنت، فهيَّا ابدأ يومك المبارك هذا بعمل جليل تفخر به، بعمل عظيم تأنس به، ابدأ اليوم بزيارة أو صلة أو مكالمة، وفقك الله وسدد خطاك.
المصدر: موقع يا له من دين.
روابط ذات صلة:
- هذا عيدنا
- حديث العيد
- وقفات مع العيد
- العيد عبادة وشكر
- العيد في بيت النبوة
- العيد يوم الزينة والبسمة
- وفي العيد تصفو القلوب
- فقه شعائر عيد الأضحى
- العيد .. اجتماع وفرحة
- لكل قوم عيد .. وهذا عيدنا
التعليقات
إرسال تعليقك