اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيئة وجعل لها حقوقا سبقت الأمم كلها، منها المحافظة عليها وتشجيع الزراعة
الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
كان داود مثالًا في العبادة، حيث استطاع ضرب المثل الأعلى فيها، وقد أُمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع هدى الأنبياء، لا سيما في نقاط التفوق والبروز.
قال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 17]. الأيد هي القوة، والأواب هو المطيع، وقد وكان لداود قوة في العبادة، وقوة في البدن، أما قوة العبادة فقد أمرنا الله باتِّباعه فيها، وأما قوة البدن فكانت معجزة له خاصة به، قال تعالى: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: 10، 11]، والسابغات هي الدروع، والتقدير في السرد أي تقدير حجم المسامير المستخدمة في الصناعة. وانظر كيف أمر اللهُ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بتذكُّر داود، والتذكير به، وانظر كيف شرَّفه الله بنسبته إليه بقوله: "عَبْدَنَا".
قوة العبادة عند داود عليه السلام مثال للمسلمين:
كان داود مثالًا في العبادة، حيث استطاع ضرب المثل الأعلى فيها، فلو كان هناك "مدى للعبادة"، وحدٌّ أعلى، وآخر أدنى، لها، فإن داود حقّق الحدَّ الأعلى، وقد أُمِرَ النبي صلى الله عليه وسلم باتِّباع هدى الأنبياء، لا سيما في نقاط التفوُّق والبروز. قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].
1- الصيام، والقيام:
روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا»
القيام: يُحْسَب الليل من أول المغرب إلى الفجر، يعني حوالي 12 ساعة في المتوسط، مما يجعل ثلث الليل حوالي 4 ساعات، أم الصيام: في رواية عند البخاري مدح النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صيام داود بإجلال كبير، فقال: «لاَ صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: شَطْرَ الدَّهَرِ، صُمْ يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَوْمًا».
2- إتقان السجود وإخلاصه:
أحد أدعية سجود التلاوة عند المرور بآية سجدة هو قولنا: "اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا وَاقْبَلْهَا مِنِّي كَمَا قَبِلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ"، من العجيب أن يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله كمال الإتقان والإخلاص كنبي الله داود، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أكمل العباد عبادة، وأعظم المخلصين إخلاصًا.
السِّر وراء ذلك: روى الترمذي وهو حسن عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ (هو أبو سعيد الخدري) إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ وَأَنَا نَائِمٌ كَأَنِّي أُصَلِّي خَلْفَ شَجَرَةٍ، فَسَجَدْتُ، فَسَجَدَتِ الشَّجَرَةُ لِسُجُودِي، فَسَمِعْتُهَا وَهِيَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا، وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ، ثم قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «فَقَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَجْدَةً، ثُمَّ سَجَدَ»، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ «يَقُولُ مِثْلَ مَا أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ عَنْ قَوْلِ الشَّجَرَةِ».
3- الجهاد:
روى البخاري عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ ب، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ» قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: «كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى». قَالَ الْخَطَّابِيُّ مُحَصَّلُ قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَتَعَبَّدْ عَبْدَهُ بِالصَّوْمِ خَاصَّةً، بَلْ تَعَبَّدَهُ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ، فَلَوِ اسْتَفْرَغَ جُهْدَهُ لَقَصَّرَ فِي غَيْرِهِ، فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَادُ فِيهِ لِيَسْتَبْقِيَ بَعْضَ الْقُوَّةِ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ أُشِيرَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَ لَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَتَقَوَّى بِالْفِطْرِ لِأَجْلِ الْجِهَادِ.
4-عدم إخلاف الوعد:
وعند النسائي وأحمد: "وَإِنَّهُ كَانَ إِذَا وَعَدَ، لَمْ يُخْلِفْ" وقال ابن حجر: وَإِذَا وَعَدَ لَمْ يُخْلِفْ لَهَا مُنَاسَبَةٌ بِالْمَقَامِ، وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ خَشْيَةُ أَنْ يَعْجِزَ عَنِ الَّذِي يَلْزَمُهُ فَيَكُونَ كَمَنْ وَعَدَ فَأَخْلَفَ.
5- قراءة الزبور بحسن تلاوة: روى البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «يَا أَبَا مُوسَى لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ»
6- الذكر:
كثرة التسبيح: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 79]، {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10] والتأويب أي الترجيع والترديد.
4 أمور مهمة في تقدير النبي صلى الله عليه وسلم لداود عليه السلام:
1- هذا التقدير يثبت أن هذا الدين من عند ربِّ العالمين، فلا يمكن لصاحب ديانة مصطنعة أن يمدح بهذه الصورة في قائد ديانة منافِسة.
2- هذا التقدير يثبت تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أكرم الخلق على الله، وأشدهم عبادة له، ومع ذلك يرفع قدر داود لهذه الدرجة.
3- هذا التقدير يوضِّح مدى الشفافية والأمانة في هذا الدين، فبعد أن كذَّب اليهود، وحاربوا الرسول صلى الله عليه وسلم في عدة غزوات، بل يرى الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحرب مستمرة مع اليهود إلى قبيل يوم القيامة، يأتي القرآن والسنَّة يمدحان قائد اليهود ونبيُّهم، ويوقِّره أشد من توقيرهم.
4- هذا التقدير يثبت تحريف اليهود لدينهم الذي أظهروا فيه داود في أكثر من موقف بمظاهر مشينة، وشتان بين الدين الذي حُفِظ، والدين الذي حُرِّف[1].
[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك