المظلومون في عالمنا الإسلامي كثر؛ فهناك إبادة في سورية وحصار في فلسطين المحتلة وظلم لأهل السنة والجماعة في إيران وحصار دماج اليمنية.. فما دور المسلم في نصرة المظلومين؟
الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
اختار الله بعض المواقف من حياة الأنبياء وقصَّها في القرآن الكريم، وذلك لتعليم أسلوب تعامل يفيدنا في حياتنا الإنسانية، ويرفع من قدرنا في الآخرة.
اختار الله بعض المواقف من حياة الأنبياء وقصَّها في القرآن الكريم، وذلك لتوصيل وترسيخ عقيدة معينة وتعليم أسلوب تعامل يفيدنا في حياتنا الإنسانية، ويرفع من قدرنا في الآخرة، قال سبحانه وتعالى في سورة ص: {وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (22) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (23) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (24) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (25) يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (26) }.[ص: 21 - 26]، والمشهور أنهما ملكان، وقيل: هما بشران عاديان صاحبا نعاج أي مواشي، والخصومة حقيقية أو تمثيلية، ولا تُشْطِطْ لا تجر في الحكم من باب: اتَّقِ الله في أمري؛ فهي للنصح لا للتوبيخ سَواءِ الصِّراطِ وسط الطريق الصواب، أو الطريق الذي لا التواء فيه.
استخدم كل المؤثرات التي تجعل القاضي يحكم له:
1- إِنَّ هذا أَخِي (في النسب أو الدين أو الصداقة)، وقيلت بهذه الصيغة لتبشيع الفعل
2- له تسع وتسعون ولي نعجة واحدة (مبالغة في الظلم)
3- وَعَزَّنِي غلبني فِي الْخِطابِ
حَكَمَ داودُ للضعيف:
قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَقَدْ عَلِمَ دَاوُدُ مِنْ تَسَاوُقِهِمَا لِلْخُصُومَةِ وَمِنْ سُكُوتِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَنَّهُمَا مُتَقَارِبَانِ عَلَى مَا وَصَفَهُ الْحَاكِي مِنْهُمَا
المشكلة التي رآها داود لا تخالف واقع الناس: "وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ"
{وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}
وَظَنَّ من الظن وهو رجحان تصور الشيء، أو بمعنى تيقن وعلم
فَتَنَّاهُ ابتليناه أو امتحناه بتلك الحكومة، واختبرناه بهذه الحادثة
ما الأمر الذي فعل داود وتطلَّب الاستغفار؟
1- قال بعض المفسرين نقلًا عن التوراة: إن هذا تعريض بسعي داود للزواج من زوجة قائد عسكري عنده (أوريا)، وكان لداود 99 زوجة، وللقائد زوجة واحدة، فأرسله في مهمة مميتة ليتزوَّج أرملته بعد موته، وهذا محال في حقِّ الأنبياء، بل في عموم الصالحين، ولو كان كذلك ما قدَّم الله للقصة وأتبعها بمدح داود، قال تعالى قبل القصة: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 17 - 20].
وقال بعدها: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25]
2- وقال الزحيلي: للظن السيء بالرجلين أنهما أتياه لقتله وهو منفرد في محرابه
لا أعتقد هذا أيضًا
3- إنما الصواب ما جاءت الإشارة إليه في الآية التالية للقصة:
يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
الصواب أنه لم يلتفت إلى سماع الطرف الآخر الذي يبدو ظالمـًا، فإن الحقَّ قد يكون معه على خلاف ما تراه العين.
اتِّباع الهوى لا يعني هنا تحقيق مصلحة شخصية، إنما هو الحكم بالهوى (المشاعر) دون تثبُّت، وافتراض أن المشاعر التي أحس بها القلب دافعة للحكم الصحيح.
ما نحتاج أن نتعلمه من هذه القصة:
1- هو سماع الأطراف المشتركة في القصة قبل التسرُّع بالحكم
a. هذا مطلوب عند سماع أحدٍ يشتكي
b. ومن باب أولى عند قراءة خبر في وسائل التواصل الاجتماعي
2- الوقوع في الحكم الخطأ لا يعود فقط بالضرر على المحكوم عليه، بل يؤدي إلى ضلال الحاكم، وعقابه الأليم من الله تعالى. قال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}[1].
[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك