قوة العبادة نعمة خفية مقال بقلم الشيخ سلطان العمري، يؤكد أن نعمة قوة العبادة من أعظم النعم الخفية، كيف ذلك؟ وما أهمية قوة العبادة في زمن الغربة؟
الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
شاء الله تعالى أن يجعل صفة الملكين منكر ونكير غليظة ومرعبة، ونقل هذه الصورة إلينا من شأنه أن يدفعنا للعمل من أجل النجاة من اختبارهما.
حياة البرزخ حقٌّ، وهي فاصل بين حياة الدنيا، والبعث يوم القيامة، وهي أول مراحل الآخرة، وتبدأ بسؤال الملكين كما هو مشهور، والسؤال يكون عن الله، والإسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم، وبعض الروايات تُختصر في السؤال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
روى البخاري ومسلم عَنْ أنس رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "العَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَأَقْعَدَاهُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ ﷺ؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا، وَأَمَّا الكَافِرُ - أَوِ المُنَافِقُ - فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ"[1].
والسؤال فتنة واختبار، وهو آخر الاختبارات التكليفية، وهي فتنة عظيمة جدًّا؛ لدرجة أن الرسول ﷺ شبَّهها بفتنة الدجال؛ ففي البخاري عن أسماء أن النبي ﷺ قال: ".. وَإِنَّهُ قَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي القُبُورِ، مِثْلَ -أَوْ قَرِيبَ مِنْ- فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ.."[2].
ومحصِّلة عمل المسلم في حياته هي التي تمكِّنه من الإجابة الصحيحة، وأما ضعيف الإيمان فهو على خطر عظيم، لأن الثبات في هذا الموقف هبة من الله تعالى؛ ففي البخاري عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: "{يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27]" قَالَ: "نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ، فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ، وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ ﷺ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27]"[3].
صفة منكر ونكير:
ولأن الأمر فتنة، فقد شاء الله تعالى أن يجعل صفة الملكين (منكر ونكير) غليظة ومرعبة، ونقل هذه الصورة إلينا من شأنه أن يدفعنا للعمل من أجل النجاة من اختبارهما، ونتعرف على صفتهما من خلال الأحاديث الآتية:
روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا قُبِرَ المَيِّتُ -أَوْ قَالَ: أَحَدُكُمْ- أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: الْمُنْكَرُ، وَلِلْآخَرِ: النَّكِيرُ، فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ، نَمْ، فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ، فَيَقُولَانِ: نَمْ كَنَوْمَةِ العَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ، فَقُلْتُ مِثْلَهُ، لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لِلأَرْضِ: التَئِمِي عَلَيْهِ، فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ، فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلَاعُهُ، فَلَا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ"[4].
1- الاسم: منكر ونكير، كلاهما ضد المعروف، وسُمَّيَا بهذا الاسم لأن الميتَ لم يَعرِفْهما ولم يَرَ مثلَ صورتهما، لِأَن خلقهما لَا يشبه خلق الْآدَمِيّين، وَلَا خلق الْمَلَائِكَة وَلَا خلق الْبَهَائِم وَلَا خلق الْهَوَام، بل لَهما خلق فريد، وَلَيْسَ فِي خلقتيهما أنس للناظرين إِلَيْهِمَا، وذكر البعض أن منكر ونكير للكفار والمنافقين لأنهما ينكران عليهم قولهم، أما للمؤمنين فهما مبشِّر وبشير، ولكن لا دليل على ذلك.
2- لون البشرة أسود: هذا أبلغ في الهيبة والرعب، خاصة مع ظلمة القبر.
3- أزرقان: والعينان أزرقان، وليست الزرقة الصافية الجميلة، لكنها زرقة موحشة مرعبة، وقد تنبئ عن العمى، ومنها قوله تعالى: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} [طه: 102]، أي عميًا، وهناك تصريح بذلك في حديث آخر: "ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ (أي للكافر أو المنافق) أَعْمَى أَصَمُّ أَبْكَمُ. والعرب كانت تقول للعدو: أسود الكبد أزرق العين.
4- الشعر: وعند ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء قال: مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ جَعْدَان.
5- الطريقة والسلوك: وعند أحمد والطبراني عن جابر: جَاءَ مَلَكٌ شَدِيدُ الِانْتِهَارِ (وهذا للمؤمن والكافر معًا)
6- وهناك صفات أخرى: اختلف العلماء في تصحيحها، وفيما قلناه الكفاية.
الحماية:
· ابن حبان عَنْ أَبِي هريرة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ إِنَّهُ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا، كَانَتِ الصَّلَاةُ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَكَانَ الصِّيَامُ عَنْ يَمِينِهِ، وَكَانَتِ الزَّكَاةُ عَنْ شِمَالِهِ، وَكَانَ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ (المعاملات مع الناس)، فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَتَقُولُ الصَّلَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَمِينِهِ، فَيَقُولُ الصِّيَامُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَسَارِهِ، فَتَقُولُ الزَّكَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، فَتَقُولُ فَعَلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، فَيُقَالُ لَهُ: اجْلِسْ فَيَجْلِسُ، وَقَدْ مُثِّلَتْ لَهُ الشَّمْسُ وَقَدْ أُدْنِيَتْ لِلْغُرُوبِ..."[5]. هذه شملت العبادات والمعاملات؛ أي كل حياة الإنسان، وهذا ما قلناه في البداية من أن محصِّلة حياة الإنسان هي التي تمكِّنه من الثبات وحسن الإجابة والوقاية.
· وعند الحاكم وقال صحيح ووافقه الذهبي، وعند البيهقي، والطبراني، وغيرهم عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه موقوفًا، قَالَ: "يُؤْتَى الرَّجُلُ فِي قَبْرِهِ فَتُؤْتَى رِجْلَاهُ فَتَقُولُ رِجْلَاهُ: لَيْسَ لَكُمْ عَلَى مَا قِبَلِي سَبِيلٌ كَانَ يَقُومُ يَقْرَأُ بِي سُورَةَ الْمُلْكِ، ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ صَدْرِهِ أَوْ قَالَ بَطْنِهِ، فَيَقُولُ: لَيْسَ لَكُمْ عَلَى مَا قِبَلِي سَبِيلٌ كَانَ يَقْرَأُ بِي سُورَةَ الْمُلْكِ، ثُمَّ يُؤْتَى رَأْسُهُ فَيَقُولُ: لَيْسَ لَكُمْ عَلَى مَا قِبَلِي سَبِيلٌ كَانَ يَقْرَأُ بِي سُورَةَ الْمُلْكِ، قَالَ: فَهِيَ الْمَانِعَةُ تَمْنَعُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَهِيَ فِي التَّوْرَاةِ سُورَةُ الْمُلْكِ، وَمَنْ قَرَأَهَا فِي لَيْلَةٍ فَقَدْ أَكْثَرَ وَأَطْنَبَ[6].[7].
[1] البخاري: كتاب الجنائز، باب الميت يسمع خفق النعال (1273).
[2] البخاري: كتاب الوضوء، باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل (182).
[3] البخاري: كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، (1303).
[4] الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، (1071)، قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن غريب، قال الشيخ الألباني: حسن، انظر: الألباني: صحيح الجامع الصغير وزيادته (722)
[5] ابن حبان (3113)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن من أجل محمد بن عمرو.
[6] الحاكم (3839)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، تعليق الذهبي في التلخيص: صحيح.
[7] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك