الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
بعض المتدبرين في القرآن، والمتخصِّصين في الإعجاز العلمي للقرآن والسُّنَّة، ذكر أن هذه الجوار الكنس هي الثقوب السوداء التي تمَّ اكتشافها في الكون.
يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في سورة الانشقاق: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [التكوير: 15 - 19]. بعض المتدبرين في القرآن، والمتخصِّصين في الإعجاز العلمي للقرآن والسُّنَّة، ذكر أن هذه الجوار الكنس هي الثقوب السوداء التي تمَّ اكتشافها في الكون، وفي هذا المقال سنتحدث عن هذا الموضوع بشيء من التفصيل:
أولًا: ما هي الثقوب السوداء؟
للنجوم دورة حياة: يخلقها الله تعالى كما يخلق الإنسان، وتمر بفترات شباب وكهولة وشيخوخة ثم تموت: تتقلَّص أو تنفجر. انتهاء حياة النجم تنقسم إلى ثلاث أنواع حسب كتلته. النجوم ذات الكتلة الصغيرة، مثل شمسنا أو أصغر تتقلَّص إلى ما يسميه العلماء القزم الأبيض (White dwarf)، وهذه قد تنفجر محدثةً ضوءًا هائلًا، وعندها تسمى المستعر الأعظم (ٍSuper nova)، والنجوم الأكبر قليلًا من شمسنا تتقلَّص إلى ما يسمى النجم النيوتروني (Neutron star)، أما النجوم العملاقة الأكبر من شمسنا خمس مرات أو أكثر فإنها تتقلص إلى ما يسمى بالثقب الأسود (Black holes).
يكون للثقب الأسود قدرة هائلة على جذب الأشياء، وسحقها في داخله، ولا يستطيع شيء يقترب منه أن يهرب، حتى الضوء، وهو أسرع ما نعرفه في الكون، لا يستطيع الهرب، ولذلك الثقوب السوداء معتمة، ومن هنا اسم الأسود، وفي الواقع هي لا لون لها، وفي الواقع أيضًا هي ليست ثقبًا، فهي ليست فراغًا، إنما هي تبتلع الأشياء في داخلها، وهي تقوم بكنس المحتويات المتناثرة في الكون من غبار كوني، أو دخان، أو بقايا نجوم صغيرة، أو نيازك.
ثانيًا: القرآن الكريم كتاب هداية وتوحيد وتعريف برب العالمين، وما يريده من البشر، وتحذير من البعث والحساب. {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]
وهو، وإن لم يكن كتاب فيزياء أو فلك، إلا أن به الكثير من الإشارات إلى قدرة الله البالغة في كونه، وهذا يصبُّ في النهاية إلى الإيمان به، ومن ثم، سماع أوامره ونواهيه، والعمل على ما يرضيه، والإيمان بالعودة إليه، والحساب بين يديه، لذلك لا ينبغي دراسة إعجازه بمعزل عن حقيقة الهداية التي من أجلها ساق الآيات المعجزات في كتابه.
ثالثًا: لا ينبغي الجزم في آيات الإعجاز القرآني بأن المقصود منها هو كذا أو كذا، لأن الحقائق العلمية تتغيَّر، وقد ينكر العلماء مستقبلًا ما يثبتونه الآن، إنما نذكر أن هذا وارد على سبيل الاحتمال.
رابعًا: لا يمنع أن يكون هناك أكثر من معنى للآية الواحدة، بل هذا هو الأصل، وهو أحد أسرار القرآن العظيمة، وكلماته القليلة التي تحوي معانٍ كثيرة وعلومًا شتى من أعظم الأدلة على كونه من عند إله قدير، ولا طاقة للبشر بذلك.
خامسًا: ماذا تعني الخنس الجوار الكنس؟
هي أشياء لها هذه الصفات، ولم تجزم الآيات ما هذه الأشياء، وتحتمل الدلالة على أكثر من شيء، بشرط اجتماع الصفات الثلاث فيها:
الخنَّس: التي تغيب وتختفي
الجوار: التي تجري بسرعة
الكنس: تحتمل أمورًا تجتمع تحت أصلين:
الأصل الأول هو كشف شيء عن وجه شيء، مثل كشف التراب عن وجه الأرض، وهو الذي يسمى كنسًا، ومنه المكنسة التي تكنس، والكُناسة هي الشيء المكنوس.
والأصل الثاني هو الاستخفاء، ومنه الأماكن التي تختفي فيها الأشياء، ومنها المِكنس، أو الكِناس، وهو البيت الذي تأوي إليه البقر الوحشي أو الظباء.
إذا فهمنا هذه الصفات الثلاث أدركنا التفسيرات التي ذهب إليها المفسِّرون للآيات:
ذهب جمهور العلماء، ومنهم علي، والحسن، وقتادة، ومجاهد، إلى أن المقصود بهذه الآيات النجوم، فهي تظهر بالليل، وهي تجري، ثم تغيب (تخنس) بالنهار، وتكنس إلى بروجها (تختفي). (مع ملاحظة أن الوصف هنا للنجوم يكون واحدًا بمترادفات مختلفة، بمعنى أنه إذا اخترنا من معاني الكنس الاختفاء، يكون الخنس بمعنى الكنس، وهذا بعيد، والله أعلم.
ورأى عبد الله بن مسعود أن المقصود منها: بقر الوحش، وعن ابن عباس أنها تعني الظباء.
أما الباحثون في الإعجاز العلمي فقد رأوا فيها تفسيرًا جديدًا، وهو مقبول من الناحية العلمية، ولكن يُذْكَر على أنه محتمل، لأن الحقيقة العلمية ليست مؤكَّدة تمامًا.
وهو القول بأن الآيات قد تقصد الثقوب السوداء، وهي تجري في الفضاء، وتغيب (تخنس) بل الأصل أن مخفية لا تُرَى، وتكنس، بمعنى المكنسة، حطامَ النجوم وتبتلعها (فكرة المكنسة الكهربائية)، وهذا محتمل.
وأنا أرى أن هذا أحد المعاني القريبة في الآيات، وليس فيه تكلُّف، وهو أقرب من تفسير البقر الوحشي أو الظباء لأمور:
الأول: مناسبة ما جاء بعدها من قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير: 17، 18]، فآيات الليل والنهار تناسب الحديث عن النجوم لا عن الحيوانات. (عسعس تعني الإقبال، وهي في الوقت ذاته تعني الإدبار).
والثاني: لأن أمر النجوم أعظم، وقد قال تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر: 57]، وهو أنسب للمقسم عليه، وهو أن هذا القرآن من قول رسول كريم هو جبريل عليه السلام، وهو رسول قوي وأمين، ويناسب ذلك القسم بالنجوم القوية، بل يناسب أكثر الثقوب السوداء القوية جدًّا القادرة على ابتلاع النجوم العملاقة.
الثالث: بل هو أقرب من تفسير النجوم لأنه يصف الثقوب بوصفين متكاملين لا مترادفين، وهي الخنس أي الاختفاء، والكنس أي كشف الشيء أو كنسه، بل الوصف القرآني أدق في وصف التكوين الفضائي المقصود عن كلمة الثقوب السوداء، لأن الثقب يعني فراغًا، وهو ليس فراغًا، والأسود يعني لونًا، وهو لا لون له.
الخلاصة أننا لا ننكر أحد هذه التفسيرات، ونأخذها جميعًا كدلالة على قدرة رب العالمين، وإعجاز القرآن الكريم، ومن ثم التوجُّه بالعبادة الكاملة والطاعة المطلقة لله العظيم، وعلى منهج نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم[1].
[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك