ملخص المقال
يُعد الكسائي أحد شيوخ القراءات المشاهير، وهو واحد من القرَّاء السبعة الأساسيين الذين يقرأ الناس على قراءتهم إلى اليوم.
الكسائي أحد شيوخ القراءات المشاهير وواحد من القرَّاء السبعة الأساسيين الذين يقرأ الناس على قراءتهم إلى اليوم
واسمه عليُّ بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز، مولى بني أسد، أبو الحَسَن الأسَديّ الكوفيُّ الكِسائي.
شيخ القراء والنُّحاة. [... = ... / 189ه= 805م]. (ولد بالكوفة، واستوطن بغداد، وتوفي بالرَّيِّ) يمكن أن يكون من مواليد 111 هجرية
من أبناء فارس
قال عبد الرحيم بن موسى: سألته لِم سُمِّيت الكِسائيّ؟ قال: لأنّي أحْرَمْتُ في كِساء. وقيل: إنّما عُرف بالكِسائيّ؛ لأنّه أيّام قراءته على حمزة الزيات كان يلْتَفّ في كساء، فلقَّبه أصحاب حمزة بالكِسائيّ.
قال الذهبي: شيخ القراء والنُّحاة. نزل بغداد، وأدّب الرشيد، ثمّ ولده الأمين.
قرأ القرآن على حمزة الزّيّات أربع مرّات،
وأخذ حمزة الزيات[1]عن الأعمش
وأخذ الأعمش عن يحيى بن وثاب
وأخذ يحيى عن أصحاب علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود
والكِسائي يقرأ بقراءة عبد الله بن مسعود
القرآن على سبعة أحرف:
روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ»[2].
يختلف العلماء كثيرًا حول تأويل الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، والأشهر أنها سبع لغات للعرب، ويمكن أن تكون سبع لهجات، وقد نقل ابن حجر أن ابن حبَّان ذكر خمسة وثلاثين قولًا في تأويل هذا الحديث، ويمكن مراجعة فتح الباري لابن حجر للاطِّلاع بصورة أكبر على هذه التأويلات بأمثلتها[3]، ولكن بشكل عام يمكن القول أن الله عز وجل أوحى القرآن لنبيِّه صلى الله عليه وسلم بسبع صور تختلف عن بعضها البعض، وهذه الصور كلُّها معجز، وكلُّها حجَّة، وكلُّها صحيح، وقد حدث ذلك تيسيرًا على الأمَّة، خاصة عند نزول القرآن، لأنه كان من العسير على كل العرب بشتى لغاتهم ولهجاتهم أن يقرؤوا القرآن، فنزل بالصور السبع للتيسير.
ومن المهم أن نعرف أن هذه القراءات أو الصور جميعًا كانت -على الرغم من اختلاف ألفاظها وشكلها- إلا إنها كانت جميعًا متوافقة في المعنى والتشريع. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «بَلَغَنِي أَنَّ تِلْكَ السَّبْعَةَ الْأَحْرُفَ إِنَّمَا هِيَ فِي الْأَمْرِ الَّذِي يَكُونُ وَاحِدًا، لَا يَخْتَلِفُ فِي حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ»[4].
من المهمِّ أن نعرف أن هذه القراءات كلَّها فروعٌ من لغة قريش التي أقرَّها عثمان رضي الله عنه، وهي القراءات المشهورة المتداولة بين المسلمين اليوم. يقول مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ[5]: "هَذِهِ الْقِرَاءَاتُ الَّتِي يُقْرَأُ بِهَا الْيَوْمَ، وَصَحَّتْ رِوَايَاتُهَا عَنِ الْأَئِمَّةِ، جُزْءٌ مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ.. وَأَمَّا مَنْ ظَنَّ أَنَّ قِرَاءَةَ هَؤُلَاءِ الْقُرَّاءِ؛ كَنَافِعٍ وَعَاصِمٍ، هِيَ الْأَحْرُفُ السَّبْعَةُ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا عَظِيمًا"!
سبع أو عشر قراءات تتفرَّع من قراءة عثمان:
هذه القراءات في الأصل سبعة، ويتفرع من كل قراءة من السبعة روايتان، فيكون المجموع أربع عشرة قراءة معتمدة، ثم زاد ابن الجزري ثلاث قراءات إلى السبعة، ولكل قراءة راويتان، فصار مجموع القراءات المعتمدة عشرة برواياتٍ عشرين. هذه القراءات المعتمدة هي:
1. عبد الله بن عامر اليحصبيّ الشامي (ابن عامر) (ت 118 هـ)، وعنه روايتا هشام بن عمار (ت 245 هـ) وعبد الله بن أحمد ابن ذكوان (ت 242 هـ)
2. عبد الله بن كثير المكي (ت 120 هـ)، وعنه روايتا البَزّي (ت 250 هـ)، وقُنبل (ت 291 هـ)
3. عاصم الكوفي (ت 127 هـ)، وعنه روايتا شعبة بن عيّاش (ت 193 هـ)، وحفص بن سليمان (ت 180 هـ)
4. أبو عمرو البصري (ت 154 هـ)، وعنه روايتا الدّوري (ت 246 هـ)، والسّوسي (ت 261 هـ)
5. حمزة بن حبيب الزيَّات الكوفي (ت 156 هـ)، وعنه روايتا خلف بن هشام (ت 229 هـ)، وخلّاد بن خالد (ت 220 هـ)
6. نافع المدني (ت 169 هـ) وعنه روايتا قالون (ت 220 هـ)، وورش (ت 197 هـ)
7. علي بن حمزة الكِسائي الكوفي (ت 189 هـ)، وعنه روايتا أبي الحارث الليث بن خالد (ت 240 هـ)، وحفص بن عمر الدوري (ت 246 هـ)
8. أبو جعفر يزيد بن القعقاع (ت 130 هـ)، وعنه روايتا عيسى بن وردان (ت 160 هـ)، وسليمان بن مسلم بن جَمَّاز (ت 170 هـ)
9. يعقوب الحضرمي البصري (205 هـ)، وعنه روايتا رُويس محمد بن المتوكل (ت 238 هـ)، ورَوْح بن عبد المؤمن (ت 234 هـ)
10. خلف بن هشام البغدادي (ت 229 هـ)، وعنه روايتا إسحاق بن إبراهيم (ت 286 هـ)، وإدريس بن عبد الكريم (ت 292 هـ).
الكسائي عالم القراءات لا يتكبَّر عن الدراسة والعلم رغم كبر سنِّه ومقامه:
قال أبو زكرياء يحيى بن زياد الفراء: إنما تعلم الكسائي النحو على الكبر، وكان سبب تعلمه أنه جاء يومًا وقد مشى حتى أعيا، فجلس إلى قومٍ فيهم فضل، وكان يجالسهم كثيراً، فقال: قد عيَّيْتُ، فقالوا له: تجالسنا وأنت تلحن! فقال: كيف لحنت؟ فقالوا: إن كنت أردت من التعب، فقل: "أعييت"، [وإن كنت أردت من انقطاع الحيلة والتحير في الأمر فقل: "عَيِيت" مخففة]، فأنف من هذه الكلمة وقام من فوره [ذلك] فسأل عمن يعلم النحو، فأرشدوه إلى معاذ الهراء[6]، فلزمه حتى أنفذ ما عنده، ثم خرج إلى البصرة فلقي الخليل بن أحمد، وجلس في حلقته، فقال رجل من الأعراب: تركت أسدًا وتميمًا وعندهما الفصاحة، وجئت إلى البصرة! وقال للخليل بن أحمد: من أين علمُك؟ فقال: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة، فخرج الكسائي، وأنفذ خمس عشرة قنينة حبرًا في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ. ولم يكن له هم غير البصرة والخليل، فوجد الخليل قد مات وجلس في موضعه يونس بن حبيب البصري النحوي[7]، فجرت بينهما مسائل أقرّ له يونس فيها، وصدره موضعه[8].
هذا سلوك نبوي:
روى مسلم عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "قَامَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ، قَالَ فَعَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، قَالَ مُوسَى: أَيْ رَبِّ كَيْفَ لِي بِهِ؟
وقال الشافعي: من أراد أن يتبحر في النَّحْو فهو عِيَالٌ على الكِسائي.
قال يحيى الفرّاء[9]: مدحني رجل من النحويين فقال: ما اختلافك إلى الكسائيِّ وأنت مثله في العلم؟ قال: وأعجَبَتْنِي نفسي فناظرته وسألته؛ فكأنِّي كنتُ طائرًا يغْرِف من بَحْرٍ.
أبو بكر الأنباري[10]: "لو لم يكن لأهل بغداد والكوفة من علماء العربية إلا الكسائي والفراء لكان لهم بهما الافتخار على جميع الناس".
قال أبو بكر ابن الأنباريّ: اجتمع في الكِسائيّ أمورٌ: كان أعلم النّاس بالنَّحْو، وواحَدَهم في الغريب، وكان أوحد النّاس في القرآن.
مواقف لكسر العجب بالنفس:
1- قال الكِسائيّ: صلَّيْتُ بهارون الرشيد، فأعجبتني قراءتي فغلطت في آيةٍ ما أخطأ فيها صبيٌّ قط أردت أن أقول "لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" [آل عمران] فقلت "يرجعين" فوالله ما اجترأ الرشيد أن يقول أخطأت، لكنّه لما سلّم قال: أيُّ لغةٍ هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين قد يعثُرُ الجواد، قال: أما هذا فنعم.
2- وذكر ابن الدَّوْرَقيّ قال: اجتمع الكِسائيّ واليزيديّ عند الرشيد، فحضرت العشاء فقدّموا الكِسائيّ، فارْتُجّ عليه قراءة "قل يا أيها الْكَافِرُونَ" فقال اليزيديُّ: قراءة هذه السورة ترتجّ على قارئ أهل الكوفة! قال: فحضرت صلاةً فقدموا اليزيدي فأرتج عليه في الحمد فلمّا سلم قال:
احْفَظْ لسانك لا تقول فتبتلى ... إنّ البلاء مُوكلٌ بالمنطِق
3- وعن خَلَف[11] قال: كان الكِسائيّ يقرأ لنا على المنبر، فقرأ يومًا: "أنا أكثرَ منك مالا". فسألوه عن العِلَّة، فثُرْت في وُجوههم، فَمَحَوْه من كُتُبهم، ثمّ قال لي: يا خَلَف، يكون أحدٌ من بعدي يَسْلَم من اللَّحْن؟ قال: قلت: لا؛ إنما إذا لم تسلم منه أنت، فلم يسلم منه أحد بعدك، قرأت القرآن صغيرا، وأقرأت الناس كبيرا، وطلبت الآثار فيه والنحو.
4- وقال الفرّاء: سمعت الكسائيّ يقول: ربما سبقني لساني باللحن فلا يمكنني أن أردّه.
تُوفِّي هو ومحمد بن الحسن الفقيه صاحب أبي يوسف، ودفنا في يوم واحد، سنة تسع وثمانين ومئة، فقال الرشيد: دفنَّا الفقه واللغة في الريِّ في يوم واحد.
نسبه الرشيد إلى اللغة لا إلى القراءة!
[1] كان يتاجر في الزيت مع حلوان، يرسل لها الزيت، ويجلب منها الفواكه والجبن.
[2] البخاري: كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة (3047).
[3] ابن حجر: فتح الباري، 9/ 23-38.
[4] مسلم: (819).
[5] من علماء القراءات الكبار، وهو من القيروان، وعاش لاحقًا بقرطبة.
[6] معاذ بن مسلم الهرَّاء من أعيان النحويين في الكوفة، وكان يبيع الثياب الهروية، ولذا سُمِّي بالهرَّاء. (من هراة بأفغانستان)
[7] من كبار الأساتذة في النحو، ومن تلاميذه الكسائي نفسه، وكذا سيبويه.
[8] أبو البركات الأنباري: نزهة الألباء في طبقات الأدباء ص 59.
[9] من عظماء النحو، قيل عنه أمير المؤمنين في النحو
[10] من كبار اللغويين والمقرئين من أهل الكوفة.
[11] هو خلف بن هشام أحد القرَّاء العشرة، وهو أحد الرواة كذلك عن حمزة الزيات. لمشاهدة الحلقة من على اليوتيوب اضغط على هذا الرابط: الكسائي وعدم التكبر على طلب العلم
التعليقات
إرسال تعليقك