موقعة اليرموك من المعارك الإسلامية الحاسمة في فتوحات الشام، وأبعدها أثرا في حركة الفتوحات الإسلامية، فكيف ذلك؟ وما أهمية معركة اليرموك؟
الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
قام المسلمون في العام السادس للهجرة بسبع عشرة عملية عسكرية، وهو رد فعلٍ طبيعي للانتهاكات التي حدثت للدولة الإسلامية.
سبع عشرة عمليَّةً عسكريَّة:
كان العام السادس من الهجرة عامَ تصفية الحسابات مع أولئك الذين تَعَدَّوا على المدينة في السنوات السابقة. شمل ذلك تأديب القبائل التي غدرت بالمسلمين في الرجيع وبئر معونة، وكذلك القبائل التي حاصرت المدينة في غزوة الأحزاب، كما شملت اليهود الذين جَمَّعوا العرب لحرب المسلمين. بالإضافة إلى ذلك أُرْسِلت بعض السرايا لتأديب قبائل تعدَّت على قوافل المسلمين، خاصَّةً في النواحي الشماليَّة من الجزيرة العربيَّة. ظهر الشكل العسكري بقوَّة للدولة المسلمة في هذا العام.
قام المسلمون في العام السادس للهجرة بسبع عشرة عمليَّةً عسكريَّة، وهو رقمٌ كبيرٌ بالمقارنة بغيره من السنوات، وهو ردُّ فعلٍ طبيعيٍّ للانتهاكات التي حدثت للدولة الإسلاميَّة في السنوات التي أعقبت مصيبة أُحُد، ولو لم يفعل المسلمون ذلك لتكرَّر معهم ما حدث في الأحزاب. كانت العمليَّات العسكريَّة ست عشرة سريَّة، بالإضافة إلى غزوةٍ واحدة هي غزوة بني لحيان. حقَّق المسلمون أهدافهم في ثلاث عشرة عمليَّة (76.4%)، وأُصِيبوا في اثنتين (11.8%)، بينما لم يَلْقَوا عدوَّهم في اثنتين (11.8%). كانت معظم السرايا خفيفةً؛ حيث كان أفرادها يتراوحون بين العشرة والأربعين، وإن كانت بعض السرايا شهدت أعدادًا أكبر. قاد زيد بن حارثة رضي الله عنه خمسةً من هذه السرايا، ومحمد بن مسلمة رضي الله عنه سريَّتين، وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه سريَّتين، وقاد سبعةٌ آخرون من الصحابة بقيَّة السرايا، وكانت الغزوة بطبيعة الحال بقيادة الرسول ﷺ.
يمكن ذِكر ملخَّص هذه العمليَّات العسكريَّة على النحو التالي:
في المحرم كانت سريَّة محمد بن مسلمة رضي الله عنه إلى القرطاء بنجد كردِّ فعل لكارثة بئر معونة، وقد حقَّقت انتصارًا كبيرًا، وأخذت غنائم وفيرة، وفيها أُسِرُ ثمامة بن أثال الحنفي، وهو من كبار تجار بني حنيفة، وكان إسلامه لاحقًا مؤثِّرًا على مكة بشدَّة؛ حيث قاطعها اقتصاديًّا بمنع القمح عنها، ممَّا أثَّر على المعادلة العسكريَّة لصالح المسلمين.
وفي ربيع الأوَّل كانت سريَّة عكاشة بن محصن رضي الله عنه إلى الغَمْرِ، فغنمت.
وفي ربيع الآخر كانت سريَّة محمد بن مسلمة رضي الله عنه إلى ذي القصَّة، فتعرَّضت لهزيمةٍ قاسية، وقُتِل تسعةٌ من أفرادها، ولم يَنْجُ جريحًا إلَّا قائدها محمد بن مسلمة رضي الله عنه.
وفي ربيع الآخر -أيضًا- خرجت سريَّةٌ أخرى إلى ذي القصَّة للانتقام ممَّا حدث لسريَّة محمد بن مسلمة رضي الله عنه، وكانت هذه السريَّة بقيادة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وقد هرب منها القوم، ونجحت في أسر رجلٍ أسلم لاحقًا.
وفي ربيع الآخر كذلك خرجت سريَّةٌ جديدة بقيادة زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى بني سليم، مرتكبي جريمة بئر معونة، فحقَّقت انتصارًا، وغنمت وأسرت.
وفي جمادى الأولى كانت سريَّة زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى بلدة العِيص؛ على ساحل البحر الأحمر شمال غرب المدينة، فغنمت كذلك.
وفي جمادى الأولى -أيضًا- كانت غزوة بني لحيان بقيادة الرسول ﷺ نفسه، وكانت إلى بعض الفروع من بني سليم، الذين قاموا بمجزرة الرجيع، وكانت غزوةً خطرة؛ إذ كانت على مقربةٍ من مكة، وقد فرَّ القوم من أمام رسول الله ﷺ، ولم يلقَ قتالًا؛ لكنَّه أرسل بعض الخيول قريبًا من مكة لإعلام قريش بوصوله إلى مناطقهم.
وفي جمادى الآخرة كانت سريَّة زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى الطَّرِف؛ شمال شرق المدينة، فغنمت.
وفي جمادى الآخرة -أيضًا- كانت سريَّة زيد بن حارثة رضي الله عنه من جديد إلى قبيلة جذام بحِسْمَى شمال الجزيرة العربيَّة، وكانت سريَّةً كبيرةً من خمسمائة رجل، ردًّا على اعتراض هذه القبيلة لقافلةٍ مسلمة، وقد حقَّقت انتصارًا كبيرًا، وغنائم وفيرة.
وفي رجب اعترضت قبيلةُ فزارة قافلةً مسلمة بقيادةٍ عسكريَّةٍ لزيد بن حارثة رضي الله عنه عند وادي القرى شمال المدينة، وحقَّق العدوُّ النصرَ، وأخذوا ما مع المسلمين من تجارة.
وفي شعبان كانت سريَّة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى بني كلب في دومة الجندل أقصى الشمال الشرقي للجزيرة العربيَّة، وحقَّقت نجاحًا كبيرًا، ودعاهم عبد الرحمن إلى الإسلام قبل القتال فأسلم كثيرٌ منهم، وصالح بعضهم على الجزية، وتزوَّج عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه من تماضر بنت الأصبغ ل التي أسلمت، وهي ابنة زعيمهم الذي أسلم أيضًا؛ الأصبغ بن ثعلبة الكلبي رضي الله عنه.
وفي شعبان -أيضًا- كانت سريَّة عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه إلى بني سعد بن بكر قريبًا من فدك شمال المدينة، فغَنِمَت.
وفي رمضان كانت سريَّة أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى قبيلة فزارة ردًّا على اعتراضهم لقافلة زيد بن حارثة رضي الله عنه في رجب، قبل هذه السريَّة بشهرين، كما ثبت أنَّ القبيلة كانت تُخطِّط لقتل رسول الله ﷺ، وقد حقَّقت السريَّة نجاحًا كبيرًا؛ فقتلت، وغنمت، وأسرت.
وفي شوال كانت سريَّة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه إلى خيبر؛ حيث كانت المهمَّة هي اغتيال أُسَير بن رزام زعيم اليهود بعد سلام بن أبي الحقيق، وكان قد تواصل مع غطفان لإعادة الكرَّة في الهجوم على المدينة. نجحت السريَّة في قتل الزعيم اليهودي، ولكن لن يكون هذا نهاية المطاف؛ إذ سيستمرُّ التصعيد بين اليهود والمسلمين، ممَّا سينتج عنه غزوة خيبر بعد ثلاثة أشهر من هذه السريَّة.
وفي شوال -أيضًا- كانت سريَّة كرز بن جابر الفهري رضي الله عنه لتتبُّع العرنيِّين، وهم ثمانية أفرادٍ من قبيلتي عكل وعرينة، ارتدُّوا بعد إسلامهم، وقتلوا من المسلمين، وسرقوا ماشيتهم، فأدركهم كرز بن جابر رضي الله عنه، وقتلهم جميعًا.
وفي هذه السنة السادسة، ودون معرفة الشهر الذي تمَّت فيه العمليَّة، كانت سريَّة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه لرصد عيرٍ لقريش، وهي سريَّةٌ تُعْرَف بسيف البحر؛ لأنَّها كانت على ساحل البحر الأحمر، كما تُعْرَف بسريَّة الخَبَط، وهي بعض أوراق الشجر التي اضطرَّ الجيش إلى أن يأكلها لقلَّة الزاد، وهذه هي السريَّة التي رزق اللهُ فيها المسلمين حوتًا كبيرًا من حيتان العنبر ألقاه على ساحل البحر، فأكل منه المسلمون شهرًا! ومع ذلك لم يُوفَّق المسلمون في رصد القافلة القرشيَّة.
وأيضًا في هذه السنة -ودون معرفة الشهر- كانت سريَّة بني عبس، وفيها عَقَدَ رسولُ الله ﷺ لواءً لتسعةٍ من قبيلة بني عبس، وكلَّفهم برصد عيرٍ لقريش، ولم أقف على اسم القائد لهم، ولا أعتقد أنهم وجدوا العير.
كانت هذه هي العمليَّات العسكريَّة في العام السادس من الهجرة، وكانت في صالح المسلمين بشكلٍ عامٍّ، وهيَّأت الأجواء لعلوِّ الدولة المسلمة، وقد خُتِمَ العام بحدثٍ كبيرٍ للغاية؛ إذ رأى الرسول ﷺ أنه يدخل وأصحابه مكة معتمرين، فعَلِمَ أنَّها رؤيا صدق، فجمع الصحابة، وقرَّر العمرة مع كون مكة بيد كفار قريش، وهذه هي الرحلة التي أفضت في النهاية إلى صلح الحديبية[1].
[1] انظر: د. راغب السرجاني: من هو محمد، دار التقوى للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1442= 2021م، ص376- 379.
التعليقات
إرسال تعليقك