الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
إذا تأملنا في بعث النبي على رأس سن الأربعين فيتضح لنا على سبيل اليقين أن سن الأربعين له أهمية خاصة في حياة الإنسان بشكل عام... إنه ينبغي ألَّا يظن أحد أنه
سن الأربعين وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم
إذا تأملنا في بعث النبي على رأس سنِّ الأربعين فيتَّضح لنا على سبيل اليقين أنَّ سنَّ الأربعين له أهميَّةٌ خاصَّةٌ في حياة الإنسان بشكل عام؛ حتى إنَّ الله عزَّ وجلَّ ذكره على وجه التخصيص في كتابه الكريم حين قال: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المـُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15]، فهذا التمام في العقل، وهذا النضوج في الأخلاق، وهذا العمق في الرؤية، وهذه القدرة على فهم الأمور فهمًا صحيحًا، بدأت عند سنِّ الأربعين.
ولكن يلفت الأنظار هنا أنَّ رسولنا صلى الله عليه وسلم حتى هذه اللحظة -مع ما كان يتميَّز به من الشرف والمكانة والأخلاق الحميدة والحكمة- لم يكن يحمل دورًا قياديًّا في مكة، وكانت أمور مكة تُدار ببعض الرجال الآخرين من قبائل مختلفة، لم يكن من بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى إنَّ الممثِّل لبني هاشم في قيادة مكة كان عمُّه أبو طالب، وهذا بالطبع لعوامل السن، وعوامل القيادة في بني هاشم ذاتها.
لكن النقطة التي أُريد أن ألفت لها الأنظار أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سنِّ الأربعين سيبدأ لا أقول في قيادة مكة وحدها، أو قيادة العرب؛ بل سيبدأ في قيادة الدنيا بكاملها، وهنا لفتةٌ لكلِّ المسلمين الذين يقرءون سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنَّه ينبغي ألَّا يظن أحدٌ أنَّه إذا فات من عمره أربعون سنة أنه قد مضى به قطار العمر؛ فقد يكون أمامك خطواتٌ يُمكن أن تُغيِّر بها خريطة الدنيا.
وقفات مع النفس عند سن الأربعين
فينبغي لكلِّ من وصل إلى هذه السنِّ أن يقف مع نفسه وقفات، وينظر ماذا فعل في المدَّة التي سبقت من عمره؟ وماذا هو فاعلٌ في المرحلة المتبقِّية؟ مع العلم أنَّ الفترة المتبقِّية قد تحمل فيها من الخير والصلاح للنفس وللمجتمع وللأرض بكاملها أضعاف أضعاف ما حملته الفترة السابقة؛ لأنَّ الإنسان قد اكتمل عقله، وكثرت خبراته، وتعمَّقت رؤيته، وبذلك يُمكن أن يُحدِث أثرًا كبيرًا في الحياة الدنيا بعد هذه السن.
ووقفةٌ كذلك مع المدَّة التي سبقت البعثة، وهي مدَّة أربعين سنةً كاملة، وهي مدَّةٌ كبيرةٌ للغاية بالقياس إلى عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه بذلك صارت مدَّة النبوَّة ثلاثًا وعشرين سنةً فقط، وهذا يُوضِّح لنا أهميَّة الإعداد والتأنِّي في التربية؛ فقد كان من الممكن أن يُعَدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في عامٍ أو في يوم؛ لكنَّ الله عزَّ وجلَّ يُعَلِّمنا كيف تكون السُّنن، وكيف يكون إعداد الدُّعاة للقيام بالمهامِّ الكبرى، فكانت هذه الفترة المهمَّة في حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم.
للمزيد: لماذا كانت بعثة النبي عند الأربعين؟
التعليقات
إرسال تعليقك