قام الأزهر بدور كبير في مقاومة الحملة الفرنسية، وكان منبره هو منبر مصر، وحاولت الحملة أن تسترضى الشيوخ وتتملق علماء الدين ولكن ذلك لم يجد لها أي نفع فلقد قاومها علماء الأزهر وطلابه منذ اللحظات الأولى لنزول الحملة الفرنسية على مصر في 18محرم 1213/ أول يوليو 1798م
ملخص المقال
إن وقوع الجماهير في هذه الأوهام وفي فخ هذا الخداع إنما يدل على البعد كل البعد عن أي وعي سياسي أو أي وعي بحقوق الفرد وواجباته
في البلاد التي تئنُّ تحت الحكم الفردي تنتشر أسطورة (الحاكم الذي لا يعلم) فهو رجل يحب الخير لبلده، وهو رجل رحيم، ولكن العيب كله في الرجال المحيطين به، إنهم مجموعة من الأشرار يخفون عن الحاكم كل شيء، ويصورون له الأحوال دائمًا بصورة ورديَّة، وقد يُروِّج هذه الصورة النظام نفسه أو المتعاطفون معه، مع أن هذا الحاكم يسجن بلا حساب، ويعتقل بلا دليل، ويقمع كل معارض.
كيف تنطلي هذه الأمور على بعض الناس؟ وما تفسير هذه المعضلة؟
هذا النمط من الناس لا يفكر ولا يستعمل عقله وإنما يلجأ إلى الأسطورة، حتى تبقى صورة الحاكم في مخيلته ولا شعوره هي المثال الذي يريده ويتمناه، ولا يحب سماع شيء يعارض هذا، أو يشوِّه هذه الصورة، وحتى يبقى في نوع من التخدير العاطفي.
وربما حُوّرت هذه الأسطورة إلى أخرى شبيهة بها، وهي أن الحاكم يريد الخير ولكن أعوانه يفرضون عليه إجراءات ظالمة لا يكون راضيًا عنها، وهو مضطر إلى توزيع القوى بين أعوانه، فإذا أساء أحدهم التصرف فالحاكم ليس مسئولاً عنه، بل هو مضطر للمضي قدمًا في لعبة التوازن لسلامة النظام.
وهناك أسطورة ثالثة وهي أن الحاكم يعرف كل شيء وهو المتسلط على كل شيء، ولا يسمح للذين من دونه بأي إصلاح؛ فالأعوان هنا عاجزون حتى لو كانوا من الفضلاء، والحاكم هنا يتدخل في كل التفصيلات والجزئيات.
إن وقوع الجماهير في هذه الأوهام وفي فخ هذا الخداع، إنما يدل على البعد كل البعد عن أي وعي سياسي أو أي وعي بحقوق الفرد وواجباته، وكيف تحفظ البلاد من الاستبداد، وربما ألفوا هذه الحالة وكأنها حالة عادية، يقول الشيخ الإبراهيمي معلقًا على هذا النمط من الشعوب والحكام: "والغالب على الشعوب البدائية في السياسة أن تكون على بقية من وثنية أصنامها الشخصيات، فيكون إحساسها تابعًا لإحساسهم، وحركاتها منوطة بتحريكهم ولو إلى الضياع والشر، وهذه هي الحالة السائدة في شرقنا، وقد تفطن الغربيون لهذه النقيصة فينا، بل إلى هذه الثغرة الواسعة في نفوسنا، فأصبحوا ينصبون لنا التماثيل من الرجال ويحكموننا بها"[1].
إن الحاكم هو الذي يختار معاونيه ويرتاح لهم ولأسلوبهم، وإن وجود حاكم صالح تحيط به ثلة أشرار مجرد خيال ووهم؛ لأن الحاكم يغض الطرف ما دام هؤلاء المساعدون ينفذون ما يريد، ولو شاء لفتح الأبواب والنوافذ وسمع ورأى وعلم الحقيقة وما يحدث في دولته. وعندما طلب الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور من عمرو بن عبيد أن يأتي وتلاميذه ليساعدوه في الحكم وإصلاح الأمور، قال له عمرو: أبعد من حولك الواقفين ببابك؛ حتى نعلم صدقك في الإصلاح.
بعض الحركات الإسلامية وقعت في فخ الأساطير السياسية حين توهمت أن دولة -هي عدوة للإسلام والمسلمين وتعتقل الآلاف من الدعاة- أنها تقف في مواجهة أمريكا والعدو الصهيوني، مع أن لهذه الدولة صلات سرية وعلنية مع هؤلاء الأعداء.
هذه الدولة التي يتحجج أحد قادة حزبها السابقين (مالك الأمين) بأنهم نجحوا في جرِّ عبد الناصر إلى معركة خاسرة (1967م) حتى يفقد زعامته في العالم العربي[2]، ما الذي يمنع أن تنقلب هذه الدولة ما بين ليلة وضحاها على هذا الفصيل الإسلامي؟ وما المانع أن تستفيد منهم لمصلحتها الخاصة وعلى حساب قضيتهم؟!
وفريق آخر من الفصائل الإسلامية -هو في مواجهة مع حكومته- ولكن الأوهام تذهب (وكذلك الجهل بالسياسة الشرعية) أن يؤيد ويتعاطف مع نظام شعوبي باطني حاقد، لا يقل خطره على شعوب المنطقة العربية من حيث الدمار العقدي والسياسي عن مخططات الغرب لاستلاب الهوية العربية والإسلامية واستلاب المنطقة حضاريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا.
هل السياسة هي مناكفة الآخر والتصرف كالأولاد الصغار، أم يجب أن تحكمها المبادئ ومصلحة الأمة والنظر إلى المستقبل والآثار المترتبة على هيمنة التيار الشعوبي الباطني (لا سمح الله)؟
لا ندري ما هذه السياسة وعلى أي أساس تقوم، إن أمثال هذه التصرفات تستعصي على الأفهام.
د. محمد العبدة
المصدر: موقع د. محمد العبدة.
التعليقات
إرسال تعليقك