التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
الاستعمار في الصومال وجيبوتي ظل ردحًا من الزمن وقابله الصوماليون بالجهاد المقدس، واستمر شعب الصومال وجيبوتي بالنضال حتى الاستقلال
الإسلام في مالي:
مالي باللغة الماندية معناها: حيث يعيش الملك، وكان الدِّين الرسمي لتلك الدولة الجديدة هو الإسلام، ويرجع السبب في اعتناق جميع قبائل المانديك للدين الإسلامي، إلى اعتناقهم وإيمانهم المطلق بتعاليم المرابطين.
وبالرغم من أن قبائل المانديك تُعتَبر أولاد عمومة لقبائل السونتيك وقبائل الستوسو؛ حيث يتكلم الجميع لغة واحدة هي اللغة الماندية، إلا أن الإسلام لم يتغلغل بين السونتيك والستوسو بنفس قدر تغلغله في قبائل المانديك[1].
ولقد أسس هذه المملكة شعب زنجي أصيل هو شعب الماندنجو، وكلمة مالي تحريف لكلمة ماندونجو، ومعناها الذين يتحدثون لغة الماندي، وقد اعتنق هذا الشعب الزنجي الإسلام في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي أثناء حركة المرابطين، وتمكنت هذه الدولة الصغيرة التي بدأت بمملكة كانجايا أن تتملك قوَّة عسكرية في منطقة نياني (Niaini)، وهي مدينة تقع غرب نهر النيجر، وليست بعيدة عن حدود غينيا الحديثة، وظهرت دولة مالي إلى حيِّز الوجود بزعامة سندياتا مؤسس هذه المملكة، والذي كان يُسمَّى ماري دياتا أو ماري جاطة، وقد وصل إلى عرش مالي في حوالي سنة 1245م، وظلَّ يَحكُم مدة خمسة وعشرين عامًا، واستطاع سندياتا أن يجعل من مملكته الصغيرة إمبراطورية عظيمة بعد أن استولى على البقية التي خلفها في إمبراطورية غانا، وبعد أن هزم ملك الصوصو وضم أرضه إلى بلاده، وأسس عاصمة جديدة في نيامي (وأحيانًا تُسمَّى مالي).
احتَلَّتْ مالي مكانة تِجارية في السودان الغربي، وظلَّت تحتلُّ هذه المكانة حتى جاء ابنه عَلِيٌّ الذي حمل لقب منسا، ومعناها السلطان أو السيد بلغة الماندي، والذي سار على نفس النهج الذي كان عليه والده، وحكم من عام 1260م حتى عام 1277م، وقام أيضًا برحلة الحج إلى الأماكن المقدسة مثل الملوك الآخرين.
وهكذا كان ظهور دولة مالي على مسرح الأحداث السياسية في غرب إفريقيا، وتوسعاتها في الشرق والغرب قد ساعد على انتشار الإسلام وحضارته، وخاصَّة أنها سيطرت على طرق التجارة، وعلى مناجم الذهب والملح، فضلًا عن الازدهار التجاري الذي ساد هذه الإمبراطورية، التي تجلت فيها مظاهر الازدهار الثقافي، وتوطيد الصلات مع القوى المجاورة، ورحلة الحجِّ المشهورة التي ذاعت شهرتها وكانت آثارها العلمية والثقافية قد أحدثت تغييرات كثيرة في نظام البناء، وطُرُق التجارة، وإنشاء المساجد والمنارات، واستقدام الفقهاء والعلماء، ونشر مذهب الإمام مالك، وظهور حياة إسلامية أصيلة عريقة بفضل جهود علماء من مصر ومراكش[2].
الإسلام في إمبراطورية السونغاي
تقع ناحية الداهومي، وفولتا العليا (بوركينا فاسو)، إلى جهات بوسا بشمال نيجيريا، وكانت عاصمتها مدينة غآو بالقرب من مدينة زوغوا الحاضرة.
ويُروى أن أَصْل مُلُوكِها يرجع إلى اليمن، وأنهم نزحوا إلى السودان زمن فرعون موسى، وكانوا أربعة عشر مَلِكًا في الجاهلية، تبدأ أسماؤهم بـ(زا) ولعله تحريف ضيا، وأول مَن أسلم منهم زاكمن سنة 400هـ، ثم يليهم مَن تبدأ أسماؤهم بـ(سن)[3].
وفي منتصف القرن السابع الميلادي ظهرت بعض قبائل لمطة المغربية، والتي أخذت تفرض نفوذًا سياسيًّا على المزارعين من سكان صنغى، الذين استقروا على الضفة اليسرى لنهر النيجر عند مدينة دندي، واستطاع هؤلاء البربر أن يؤسِّسوا أُسْرة حاكمة تُسمَّى ديا (Dia)، والتي اتخذت من كوكيا حاضرة لها، وأقامت عَلاقات تجارية مع غانا، وتونس، وبرقة، ومصر، وكانت هذه العَلاقات التِّجارية سببًا في دخول هؤلاء الملوك في الإسلام في القرن الحادي عشر الميلادي عن طريق شمال إفريقيا، ونُقِلت عاصمة هذه البلاد إلى جوا عند منحنى النيجر، والتي صارت من أهمِّ مراكز التِّجارة في السودان الغربي[4].
وفي القرن الحادي عشر، وبالتحديد في سنة 1010م أسس أحد ملوك هذه الإمبراطورية -ويُدعى (كوزي)- عاصمة للمملكة وهي مدينة جاو، واعتنق هذا الملك الدين الإسلامي، وأصبح من المعتاد أن يكون حاكم قبائل السنغاي من المسلمين، بالرغم من أن القبائل نفسها لم تَعتنق الإسلام، وظلَّت على دِيانتها القديمة.
وأصبحت جاو مركزًا تجاريًّا مهمًّا، وجاء إليها التجار العرب والمسلمين من مصر ومن البلاد الإسلامية في شمال إفريقيا، وأصبحت هذه المدينة مركزًا للدعوة إلى اعتناق الإسلام؛ فقد امتلأت بمجالس العلم، ووفد إليها العلماء المسلمون من الدول الإسلامية، كما وفد إليها طلاب العلم من المناطق الأخرى[5].
وقد توسَّعت هذه المملكة في عهد سنى علي (1464-1492م)، الذي أسس جيشًا قويًّا وصل إلى سهول غرب إفريقيا، وبعد وفاته انتقل العرش إلى أحد قوَّاده من السوننكى، وأطلق على نفسه اسم الأسكيا محمد الأول، والذي نظَّم شئون الجيش، وحجَّ البيت عام 1495م، وازداد في كرمه على منسى موسى، وأعاد لتمبكت هيبتها، وصارت مركزًا للدراسات الإسلامية.
وبعد عودته من الحج عام 1497م شنَّ عِدَّة حملات لتوسيع رقعة بلاده، وقام بنشر الإسلام بين الوثنيين من جيرانه الماندنجو، والفولاني، والطوارق، والموسى، والهوسا في الشرق، وامتدت إمارات صنغى إلى حدود التكرور، كما غزا إمارات الهوسا، وأَجْبَر سُكَّانها على دفع الجزية، وازدهرت تمبكت في عهده ازدهارًا لم يَسبق له مثيل، بل ويُعَدُّ عصره العصر الذهبي للمدينة.
ثم تولَّى إسحاق الأول في عام (1539-1549م)، وهو الذي أعاد الأمان للبلاد بعد توليه الحكم، ثم خلفه أسيكا داود، الذي سار على نفس النهج لنشر الإسلام وحضارته بين القبائل الوثنية، وبعد وفاته عام 1582م حدثت منازعات على الحكم، وجاءت النهاية على يد سلاطين المغرب، الذين كانوا يتطلَّعون منذ زمن بعيد للسيطرة على هذه البلاد، وظلَّ سلاطين صنغى يُعيِّنون سلاطين المغرب حتى عام 1585م، فانقسمت البلاد على نفسها، واتخذ المغاربة من ذلك فرصة لتحقيق أطماعهم فكان الغزو المراكشي للبلاد[6].
[1] المصدر السابق ص67.
[2] د. عبد الله عبد الرازق إبراهيم: انتشار الإسلام في غرب إفريقيا ص19-21.
[3] د. محمد عبد القادر أحمد: المسلمون في غينيا ص42.
[4] د. عبد الله عبد الرازق إبراهيم: انتشار الإسلام في غرب إفريقيا ص22.
[5] جوان جوزيف: الإسلام في ممالك وإمبراطوريات إفريقيا السوداء ص81، 82.
[6] د. عبد الله عبد الرازق إبراهيم: انتشار الإسلام في غرب إفريقيا ص22، 23.
التعليقات
إرسال تعليقك