ملخص المقال
متى تعود لرجب حرمته مقال بقلم د. أحمد عبد الحق، يبين فضل شهر رجب مضر شهر الله الذي جعله من الأشهر الحرم، فما فضله؟ وما منزلة رجب في الجاهلية والإسلام؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين، وبعد..
فإن شهر رجب مضر جعله الله عز وجل من الأشهر الحرم، التي يحرم فيها سفك الدماء، فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان"[1].
وقد ذكر البيهقي في شعب الإيمان أن الله عز وجل جعل الذنب في تلك الشهور أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم[2].
ولذلك كان المسلمون الأوائل يمتنعون حتى عن تطبيق حد القصاص فيه، فقد جاء عن عطاء أن رجلاً جرح في شهر حلال، فأراد عثمان بن محمد -وكان يومئذ أميرًا- أن يقيده في شهر حرام، فأرسل إليه عبيد بن عمير: لا تقِدْه حتى يدخل شهر حلال[3]. وقد غلّظ الشافعي -رحمه الله- دية من قُتل خطأً في الشهر الحرام، مستندًا في ذلك إلى ما روي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما.
وكان من بركة هذا الشهر أن تم فيه أول لقاء للنبي صلى الله عليه وسلم مع بعض الأنصار الذين كان لهم -بعد الله عز وجل- الفضل في إقامة دولة الإسلام التي أرست حرمة الدماء، فقد جاء في المستدرك للحاكم عن جابر بن عبد الله أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: "هل من رجل يحملني إلى قومه فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي". قال: فأتاه رجل من بني همدان فقال: أنا. فقال: "وهل عند قومك منعة؟" قال: نعم. وسأله من أين هو؟ فقال: من همدان. ثم إن الرجل الهمداني خشي أن يخفره قومه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: آتي قومي فأخبرهم، ثم ألقاك من عام قابل. قال: "نعم". فانطلق، فجاء وفد الأنصار في رجب[4].
ومن العجب أن العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم -رغم ما كانوا فيه من جاهلية- كانوا يعرفون لرجب حرمته، فقد روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن رجب شهر الله، ويدعى الأصم، وكان أهل الجاهلية إذا دخل رجب يعطلون أسلحتهم ويضعونها، وكان الناس ينامون، وتأمن السبل، ولا يخافون بعضهم بعضًا حتى ينقضي"[5].
وقال الأزرقي في كتابه (أخبار مكة): كانوا يعظمون أن يأتوا شيئًا من المحارم، أو يعدوا بعضهم على بعض في الأشهر الحرم وفي الحرم[6].
وقال مهدي بن ميمون: سمعت أبا رجاء العطاردي يقول: كنا في الجاهلية إذا دخل رجب نقول: جاء مُنَصِّل الأسنة، فلا ندع حديدة في سهم ولا حديدة في رمح إلا انتزعناها فألقيناها[7].
فإذا كان هذا حال المسلمين الذين آمنوا بالله سبحانه وتعالى وحال العرب في الجاهلية الذين لم يكن لهم إله يعبدونه ولا رسول يتبعونه، الكل يعظم رجب ويعرف له حرمته! فما بالنا نحن، وقد هلَّ علينا رجب والدماء تسيل منا ليلاً ونهارًا، فلا نكاد يمر علينا يوم إلا ونسمع عن عشرات القتلى في اليمن وأكثر منهم في سوريا وأضعافهم في ليبيا، وغير ذلك من بلاد المسلمين!!
فيا قوم، متى تعود لرجب حرمته، ونكف عن سفك الدماء وإزهاق الأرواح وترويع الآمنين فيه؟! إن لم نستطع فعل ذلك على مر الأيام، وإذا كنا نعجز ونحن مسلمون عن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم ونتخلق بخلق القرآن وعدم ظلم أنفسنا في هذا الشهر الحرام، فلا أقل من أن نقتفي أثر العقلاء من عرب الجاهلية -الذين لم يكن لهم هدي ولا دين- إذا دخل رجب، فنعطل فيه أسلحتنا ونضعها، ونجعل الناس تنام آمنة، وتسير في الطرق سالمة، ولا يخاف بعضهم بعضًا حتى ينقضي رجب.
التعليقات
إرسال تعليقك