الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
القرين على الأغلب هو الجنُّ المصاحب للإنسان، وهو يلازمه ولا يفارقه إلى مماته، وهو نوع من الابتلاء للإنسان، والمؤمن القوي يتغلب عليه.
ما القرين؟
القرين على الأغلب هو الجنُّ المصاحب للإنسان، وهو يلازمه ولا يفارقه إلى مماته، وهو نوع من الابتلاء للإنسان، والمؤمن القوي يتغلب عليه، أما في حالات الضعف الإيماني فتكون الغلبة لهذا القرين، فيدفع الإنسان للشرِّ، وتقع المعصية لله، هكذا جاء القرين في القرآن الكريم والسنَّة المطهرة في معظم المرات ليشير لهذا الجنِّ، ولكنه احتمل في بعض المرات الإشارة إلى أصدقاء من الإنس، وأحيانًا الملائكة.
المعنى اللغوي:
القرين الصّاحبَ[1] والصديق[2]، وهناك من فرق بين الصاحب والقرين، فالصحبة تفيد انتفاع أحد الصاحبين بالآخر، وأصله في العربية الحفظ، والمقارنة تفيد قيام أحد القرينين مع الآخر ويجري على طريقته وإن لم ينفعه[3].
والقرين يكون في الخير والشر، والصاحب يكون في الخير فقط، والجمع قرناء.
القرين في السُّنَّة النبوية:
روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ» قَالُوا: وَإِيَّاكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ»[4].
وفي رواية في مسلم أيضًا: «وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ»[5].
فأسلمَ بالفتح تعني أنه صار مسلمًا، وهذه كرامة خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يكون معناها استسلم كما جاء في رواية، ولكن الأمر بالخير يقتضي أن يكون أسلم من الإسلام، وليس من الاستسلام، وأتت أيضًا أسلمُ بالرفع (عند الدارمي)، وتعني أنني أسلم من أذاه، ومعنى الإسلام هو أقرب الثلاثة.
وفي الترمذي وهو حسن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ المَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»، ثُمَّ قَرَأَ {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالفَحْشَاءِ} [البقرة: 268]، لمة الشيطان وسوسة، ولمة الملك إلهام.
والمقصود أنه ليس له سلطان على الإنسان؛ إنما فقط يوسوس له بالشَّرِّ، فإذا كان المسلم قويًّا لم يأبه لوسوسته، وإن كان ضعيف الإيمان وقع في الغواية. قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 98 - 100].
ويؤكِّد ربنا في القرآن أن الإنسان هو الذي أخطأ باتِّباع وسوسة القرين لا كون القرين متسلِّطًا على الإنسان: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [ق: 27]. وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ»[6]. وفي رواية عن أبي سعيد الخدري: «فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ»[7].
القرين يدفع الإنسان للمرور بين يدي المصلي ليحقِّق فائدتين مزدوجتين: الأولى إيقاع المارِّ في الخطأ الشرعي بالمرور، والثاني بشغل المصلي عن صلاته، ومن ثم تأتي المدافعة لتحقيق 3 مصالح: للمارِّ بمنعه، وللمصلي بحفظ صلاته، ثم إرغام الشيطان وتفشيله.
تكرار اللفظ في القرآن الكريم:
ذُكر القرين مفردًا في القرآن في 7 مواضع، وجاءت على جمع قرناء في موضع واحد، فمجموع التكرار ثمانية:
6 مرات بمعنى الشيطان:
{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36].
{حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف: 38].
{قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [ق: 27].
{وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38)} [النساء: 38].
{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [فصلت: 25].
مرة من المحتمل أن يكون المقصود منها الإنسان أو الشيطان: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53)} [الصافات: 50-53]. ومرة من المحتمل أن يكون مَلَكًا، أو شيطانًا، أو إنسانًا: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} [ق: 23].
فهو إما: الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِالْإِنْسَانِ الَّذِي يَسُوقُهُ إِلَى الْمَحْشَرِ أَيْ هُوَ السَّائِقُ الشَّهِيدُ وتكون هنا عتيد بمعنى مرصود رصدًا جيِّدًا، أو الشَيْطَانُ الَّذِي كَانَ يُزَيِّنُ لَهُ فِي الدُّنْيَا، أو صَاحِبُهُ مِنَ الْإِنْسِ، أَيِ الَّذِي كَانَ قَرِينَهُ فِي الدُّنْيَا، وفي الحالتين الأخيرتين يكون الكلام عن العذاب المقدَّم لهما مع الإنسان المعذَّب، وتكون العتيد بمعنى الشديد، بمعنى أننا كنا سببًا في نيلنا جميعًا للعذاب.
استنباطات لطيفة من آيات القرآن للنجاة من القرين:
المفتاح الأكبر في التغلُّب على القرين هو الذكر:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)}: ومن يعم بصره عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا فهو له قرين في الدنيا يزين له الغي، فصار الذكر هو الحافظ من القرين، والذكر أنواع كثيرة؛ ومنه أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، والقرآن الكريم[8].
[1] الطبري: جامع البيان في تأويل القرآن، 8/358، وأبو بكر الرازي: مختار الصحاح، ص252.
[2] الطبري: جامع البيان في تأويل القرآن، 8/358.
[3] أبو هلال العسكري: معجم الفروق اللغوية، ص308.
[4] مسلم: كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قرينا، (2814).
[5] مسلم: كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قرينا، (2814).
[6] مسلم: كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، (506)، والنسائي: السنن الكبرى، 1/273، (833)، وابن ماجه (955).
[7] مسلم: كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، (505).
[8] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك