د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
هل ما زال هناك وقت طويل حتى يظهر الدجال؟ الفيصل الرئيس في الإجابة على هذا السؤال هو ما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أرادنا أن نفهمه ونعرفه..أهم مقتطفات المقال
هل ما زال هناك وقت طويل حتى يظهر الدجال؟ الكثير منا قد يظن ذلك بالفعل وبعضنا قد يكون متوقعًا ظهوره قريبًا تبعًا لظواهر كونية أو اجتماعية أو غيرها تحدث في أيامنا بل تظهر بوتيرة متسارعة جدًّا مما قد يخيف الكثيرين منا.. ولكنَّ الفيصل الرئيس في الإجابة على سؤال: متى يخرج الدجال؟ هو ما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أرادنا أن نفهمه ونعرفه.. وهذا ما يتضح -بإذن الله تعالى- في هذا المقال وهذه الحلقة من سلسلة «قصة الدجال».
هل ما زال هناك وقت طويل حتى يظهر الدجال؟
لم يُرِدْ الرسولُ صلى الله عليه وسلم أن يترك عندنا هذا الانطباع، بل على العكس أراد أن يُشْعِر الأمَّة أن ظهوره متوقَّع في أي لحظة؛ لأنه يلزم الاستعداد له:
روى مسلم عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه، قَالَ: «ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكُمْ؟» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً [صباح]، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ [أي: خفَّضت شأنه مثل قول هو أهون على الله من ذلك، ورفعت قدر فتنته]، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَقَالَ: «غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ..»»[1].
وكان يتوقَّع صلى الله عليه وسلم أن يكون ابن صيَّاد اليهودي هو الدجال! وفي حلقات قادمة إن شاء الله تعالى نتحدث بالتفصيل عن ابن صياد وحقيقة كونه الدجال أم لا..
وكذلك في حديث تميم الداري -رضي الله عنه- المرويِّ في صحيح مسلم[2]، ثبت أنَّ الدجال موجود بالفعل ينتظر الخروج..
ومع ذلك فقبل الدجال علامات كثيرة لم تحدث بعد، وبعضها يتطلَّب وقتًا:
من هذه العلامات مثلًا عودة جزيرة العرب جناتٍ وأنهارًا، وانحسار الفرات عن جبلٍ من الذهب، وحدوث معارك ضاريةٍ عليه، وإخراج الأرض لكنوزها المدفونة، وثلاث فتنٍ متشابكة: فتنة الأحلاس، وفتنة السَّرَّاء، وفتنة الدُّهيماء، وظهور المهدي، وعمران بيت المقدس، وخراب يثرب، والملحمة الكبرى بين المسلمين والروم، وفتح القسطنطينيَّة فتحًا (ثانيًا) آخرًا.
حتى لو ظهر الدجال قبل موعده الذي تحدُث فيه الفتنة فإنَّه يكون غير ذي أثر:
ذكر الحاكم في مستدركه -والحديث صحيح- «عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: كُنْتُ بِالْكُوفَةِ، فَقِيلَ: خَرَجَ الدَّجَّالُ، قَالَ: فَأَتَيْنَا عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ وَهُوَ يُحَدِّثُ، فَقُلْتُ: هَذَا الدَّجَّالُ قَدْ خَرَجَ، فَقَالَ: اجْلِسْ، فَجَلَسْتُ، فَأَتَى عَلَيَّ الْعَرِّيفُ (قائد قبيلة)، فَقَالَ: هَذَا الدَّجَّالُ قَدْ خَرَجَ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ يُطَاعِنُونَهُ، قَالَ: اجْلِسْ، فَجَلَسْتُ، فَنُودِيَ إِنَّهَا كَذِبَةٌ صَبَاغٌ، قَالَ: فَقُلْنَا يَا أَبَا سَرِيحَةَ مَا أَجْلَسْتَنَا إِلَّا لِأَمْرٍ فَحَدِّثْنَا، قَالَ: "إِنَّ الدَّجَّالَ لَوْ خَرَجَ فِي زَمَانِكُمْ لَرَمَتْهُ الصِّبْيَانُ بِالْخَذْفِ، وَلَكِنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ فِي بُغْضٍ مِنَ النَّاسِ، وَخِفَّةٍ مِنَ الدِّينِ، وَسُوءِ ذَاتِ بَيْنٍ.."»[3].
يؤيد ذلك حديث رواه الإمام أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي خَفْقَةٍ مِنَ الدِّينِ، وَإِدْبَارٍ مِنَ الْعِلْمِ.."[4].
هناك على الأقل فترة جدب عظيمة تستمر ثلاث سنوات قبل ظهور الدجال:
وروى ابن ماجه وغيره -وهو صحيح- عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ".. وَإِنَّ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ شِدَادٍ، يُصِيبُ النَّاسَ فِيهَا جُوعٌ شَدِيدٌ، يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى أَنْ تَحْبِسَ ثُلُثَ مَطَرِهَا، وَيَأْمُرُ الْأَرْضَ فَتَحْبِسُ ثُلُثَ نَبَاتِهَا، ثُمَّ يَأْمُرُ السَّمَاءَ فِي الثَّانِيَةِ فَتَحْبِسُ ثُلُثَيْ مَطَرِهَا، وَيَأْمُرُ الْأَرْضَ فَتَحْبِسُ ثُلُثَيْ نَبَاتِهَا، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ فَتَحْبِسُ مَطَرَهَا كُلَّهُ، فَلَا تُقْطِرُ قَطْرَةً، وَيَأْمُرُ الْأَرْضَ فَتَحْبِسُ نَبَاتَهَا كُلَّهُ، فَلَا تُنْبِتُ خَضْرَاءَ، فَلَا تَبْقَى ذَاتُ ظِلْفٍ (ظفر مشقوق كالبقرة) إِلَّا هَلَكَتْ، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ»، قِيلَ: فَمَا يُعِيشُ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ؟ قَالَ «التَّهْلِيلُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَالتَّسْبِيحُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَيُجْرَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مُجْرَى الطَّعَامِ»[5].
وفي معجم الطبراني -وهو صحيح- قَالَ حُذَيْفَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي زَمَانٌ يَتَمَنَّوْنَ فِيهِ الدَّجَّالَ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مِمَّ ذَاكَ؟ قَالَ: «مِمَّا يَلْقُونَ مِنَ الْعَنَاءِ وَالْعَنَاءِ»[6]!
الخلاصة:
لقاء الدجال ممكنٌ لكلِّ إنسان؛ لأنَّ تداعي الحلقات الأخيرة من الأحداث يمكن أن يكون في سنواتٍ معدودات، والاستعداد للقائه يتطلَّب وقتًا، وأبرز سماته الإيمان بالله وقوَّة العقيدة، والبعد عن الآثام والشرور، وهذا منهج حياة، وهو ما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يلفت أنظار المسلمين إليه بدلًا من الرهبة من الدجال دون عمل.
[1] صحيح مسلم - ترقيم عبد الباقي: باب ذكر الدجال وصفته وما معه (2937).
[2] صحيح مسلم - ترقيم عبد الباقي: باب قصة الجساسة (2942).
[3] الحاكم: المستدرك (4/ 574) (8612)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي: على شرط البخاري ومسلم.
[4] مسند أحمد - طبعة مؤسسة قرطبة (3/ 367) (14997). قال الأرناءوط: إسناده على شرط مسلم.
[5] سنن ابن ماجه - ترقيم عبد الباقي (2/ 1359) (4077) واللفظ له، أخرجه نعيم بن حماد 2/517 (1446)، وابن أبى عاصم: الآحاد والمثاني 2/446 (1249)، ومسند الروياني 2/295 (1239)، والحاكم: المستدرك 4/580 (8620) وقال: صحيح على شرط مسلم. وأخرجه أيضًا: الطبراني 8/146 (7644)، وابن عساكر: تاريخ دمشق 2/223. والسيوطي: الجامع الكبير (ص26782). والجامع الصحيح للسنن والمسانيد (2/ 453). وقال الألباني: صحيح. انظر صحيح الْجامع: (7875)، وقصة المسيح الدجال ص41.
[6] الطبراني: المعجم الأوسط (4/ 309) (4289)، وصححه الألباني. انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (7/239) (3090).
التعليقات
إرسال تعليقك