ملخص المقال
يعتبر أحمد بن طولون أمير كبير من أمراء المسلمين، وهو أمير ومؤسِّس الدولة الطولونية في مصر والشام من سنة 254 وإلى292 هجرية.
يعتبر أحمد بن طولون أمير كبير من أمراء المسلمين، وهو أمير ومؤسِّس الدولة الطولونية في مصر والشام من سنة 254 وإلى292 هجرية، وهي أول دولة تستقل عن الدولة العباسية في مصر والشام، وقد استقلَّت قبلها دول ولكن في أماكن أخرى: مثل (المدرارية، والرستمية، والأدارسة، والأغالبة، والطاهرية، والزيدية في طبرستان).
حكم ابن طولون من 254 إلى 270 هجرية، وقال عنه السيوطي: "ونشأ أحمد بن طولون في الفقه والصلاح والدين والجود، حتى صار له في الدنيا الذكر الجميل".
وقال الذهبي: "وكان صحيح الْإِسْلَام، معظِّمًا للحُرُمات، محبًّا للجهاد والرِّباط".
كان ابن طولون شخصية متكاملة ازدهرت مصر في عهده على كافة المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية والمعمارية والأدبية والعلمية.
اشتهر بالسخاء والجود:
اهتم أحمد بن طولون (254-270هـ) اهتمامًا عظيمًا بالفقراء، وكان يتصدق كلَّ شهر بألفي دينار[1]. وعن ذلك يقول المقريزي: "وكانت صدقاته على أهل المسكنة والستر، وعلى الضعفاء والفقراء متواترة، وكان راتبه لذلك في كل شهر ألفي دينار سوى ما يطرأ عليه من النذور، وصدقات الشكر على تجديد النعم، وسوى مطابخه التي أقيمت في كل يوم للصدقات في داره وغيرها، يذبح فيها البقر والكباش، ويغرف للناس في القدور والفخار والقصاع على كل قدر أو قصعة لكل مسكين أربعة أرغفة".
موقف لافت في الإنفاق في سبيل الله:
قال له مرَّة إبراهيم بن قراطغان -وكان على صدقاته-: «أيَّد الله الأمير، إنَّا نقف في المواضع التي تُفرَّق فيها الصدقة، فتخرج لنا الكفُّ الناعمة المخضوبة نقشًا، والمعصم الرَّائع فيه الحديدة، والكفُّ فيها الخاتم»[2]. فقال: «يا هذا، كلُّ من مَدَّ يده إليك فأعطه، فهذه هي اللطيفة المستورة التي ذكرها الله -سبحانه وتعالى- في كتابه فقال: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273]، فاحذر أن تردَّ يدًا امتدَّت إليك، وأَعْطِ كلَّ من يطلب منك».
هذا سلوك نبوي:
أبو داود وغيره عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلسَّائِلِ حَقٌّ، وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ».
قال ابن عبد البر في التمهيد: وفيه من الفقه الحض على الصدقة، وفيه أن الفرس إذا كان صاحبه محتاجا إليه لا غنى به عنه لضعفه عن التصرف في معاشه على رجليه، فإن ملكه للفرس لا يخرجه عن حد الفقر، ولا يدخله في حكم الأغنياء الذين لا تحل لهم الصدقة. وقد أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إعطاءه، وإن جاء على فرس، ولم يقل من صدقة التطوع دون الصدقة الواجبة، فجائز أن يعطي من كل صدقة.
هذا الشعور الرقيق كان عند عمر بن الخطاب:
«وكان عمر، قد فرض لكل نفس منفوسة من أهل الفيء في رمضان درهما في كل يوم، وفرض لأمهات المؤمنين درهمين. فقيل له: لو صنعت لهم به طعاما، فجمعتهم عليه! فقال: أَشْبِعوا الناس في بيوتهم، فأقرَّ عثمان رضي الله عنه ذلك، وزاد فوضع لهم طعام رمضان. وقال: هو للمتعبِّد الذي يتخلف في المسجد، ولابن السبيل، وللمعترين بالناس في رمضان فاقتدى به الخلفاء من بعده»[3].
{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36]
القانع هو الفقير الذي لا يَسأل، والمعتر: هو الفقير الذي يسأل.
كان الإنفاق عند ابن طولون له إبداع:
قال عنه المقريزي:
وأنفق على بناء الجامع ونفقته مائة وعشرين ألف دينار.
وعلى المارستان ومشتغله ستّين ألف دينار.
وراتب مطبخه وعلوفته في كلّ يوم ألف دينار،
وما يجريه على أبناء الستر والمستخدمين سرّا، سوى ما كان يجريه من مال السلطان، خمسمائة دينار،
وما يحمل لصدقات الثغور، في كل شهر ألفا دينار.
ووقع بدمشق وهو بها، حريق:
فركب إليه ومعه حاشيته حتّى طفئ الحريق.
ثمّ أمر بإخراج سبعين ألف دينار من ماله فرّقت فيمن احترق له شيء،
وقبل قول من ادَّعى تلاف شيء، ولم يحلّفه، بحضرة شيوخ دمشق،
ففضل من المال فضلة صالحة، فأمر بها ففرّقت على أصحاب الحريق بقدر سهامهم.
ثمّ أمر بمال عظيم ففرّق في فقراء أهل دمشق وفقراء الغوطة والنواحي، فأقلّ ما نال الواحد دينار»[4].
ومع كل ذلك كان متقشِّفًا في ذاته:
يقول المقريزي: «.. وكان أحمد بن طولون حسن التزهّد شديد التقشُّف
ويحكي: لمـَّا فرّق أبو الجيش (خمارويه) كسوة أبيه أحمد بن طولون في حاشيته (بعد موته) لم يخل ثوب منها من إرفاء، ووجد في بعضها رقعة!
تطبيقات عملية:
ابحث عن هؤلاء المتعفِّفين
ولو كان عندك مقدار محدود فلا تجعله لمحترفي التسوُّل، بل احرص على البحث عن أولئك الذين لا يسألون الناس إلحافًا
واهتم بوجه خاص بالأقارب، فإنها لك صدقة وصلة.
روى النسائي وهو صحيح عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ»[5].
[1] الدينار يساوي 4.25 جرام من الذهب، أي يساوي 4200 جنيه تقريبًا، فألفا دينار ذهب تساوي 8.4 مليون جنيه، أي حوالي 460 ألف دولار شهريًّا. (رمضان 1443 هجرية – إبريل 2022 ميلادية)
[2] كناية عن أنهم يبدون أغنياء.
[3] تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (4/ 245)، تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (4/ 245)
[4] المقريزي: المقفى الكبير 1/ 261، 262.
[5] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: أحمد بن طولون والإنفاق على أهل التعفف
التعليقات
إرسال تعليقك