ملخص المقال
كان التابعي أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث على جانب عظيم من الثقة والأمانة والفقه وصحة الرواية حتى صنفه البعض أحد الفقهاء السبعة في المدينة، فماذا تعرف
أهم مقتطفات المقال
كان أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ثقةً فقيهًا عالمـًا سخيًّا كثير الحديث، ويبدو ذلك واضحًا في كتب التراجم، مثل كتاب: ابن سعد وابن عساكر والذهبي وابن كثير وغيرهم من الذين ترجموا له، وجميعهم اتَّفقوا على جلالته وإمامته وعظم قدره وارتفاع منزلته.
هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، قيل: اسمه محمد، وقيل اسمه أبو بكر، وكنيته أبو عبد الرحمن، وهو تابعي جليل من سادات قريش، وفقيه عظيم، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، وكان يُسَمَّى الرَّاهب؛ لكثرة عبادته، وكان من سادة قريشٍ، وكان أبوه من التابعين الكبار، ولجده الحارث بن هشام بن المغيرة رضي الله عنه صُحْبَة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وُلِد أبو بكر بن عبد الرحمن في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وله عدَّة إخوة، وأمُّه فاختة بنت عنبة بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس العامري، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أبي وأم "أبي بكر": زوجوا الشريد الشريدة؛ وذلك لأنَّ الحارث بن هشام وسهيل بن عمرو خرجا إلى الشام بأهلهما فماتوا كلهم، ولم يرجع منهم إلَّا عبد الرحمن وفاختة، ولذلك قال عمر: زوجوا الشريد الشريدة، فزوجهما وأقطعهما خطة بالمدينة.
أسلم يوم الفتح، ثم حسُن إسلامُه، وخرج إلى الشَّام مجاهدًا وحبس نفسه في الجهاد، ولم يزل بالشام إلى أن استشهد في "اليرموك"، وكان يقال له: راهبُ قريش، لكثرة صلاته، ولفضله.
حَدَّثَ رضي الله عنه عن أبيه، وعن عمار بن ياسر، وأبي مسعود الأنصاري، وعائشة، وأم سلمة، وأبي هريرة، ونوفل بن معاوية، ومروان بن الحكم، وعبد الرحمن بن مطيع، وأبي رافع النبوي، وأسماء بنت عميس، وطائفة رضي الله عنهم جميعًا.
ورَوَى عنه ابناه: عبد الله وعبد الملك، ومجاهد، وعمر بن عبد العزيز، والشعبي، وعراك بن مالك، وعمرو بن دينار، والزهري، وعبد ربه بن سعيد، وعكرمة بن خالد، وغيرهم.
عبادة أبو بكر بن عبد الرحمن وفضله
قال الإمام الواقدي: "اسمه كنيته -أي أن اسمه أبو بكر وهو أيضًا كُنيته أو لقبه-، وقد أضرَّ -أصابه العمى-، وقد استُصْغِرَ يوم "الجمل" فرُدَّ هو وعروة، وكان ثقةً، فقيهًا، عالمًا سخيًّا، كثيرَ الحديث".
وكان أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث على جانبٍ عظيمٍ من الثقة والأمانة والفقه وصحَّة الرواية، وكان يُقال له: "راهب قريش" لكثرة صلاته وفضله، وكان يصوم الدهر، واستصغر يوم الجمل فرد، وذهب بصره في آخر عمره.
وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها عنه: "وددتُ أنِّي كان في عشرة من الولد من رسول الله، كلُّ واحدٍ مثل أبي بكر بن عبد الرحمن، كنت ثكلتهم ولا خرجت مخرجي إلى البصرة.
وقد كان عبد الملك بن مروان يُكْرِمَه ويعرف فضله، ويقول: "إنِّي أهمُّ بالشَّيء أفعله بأهل المدينة لسوء أثرهم عندنا، فأذكر أبا بكر بن عبد الرحمن فأستحي منه، وأترك ذلك الأمر من أجله".
قال الإمام ابن خراش عنه: "هو أحد أئمة المسلمين، هو وإخوته يضرب بهم المثل".
وقال الإمام الذهبي: "جمع العلم والعمل والشرف، وكان ممن خَلَفَ أباه في الجلالة".
وعن بعض العلماء قال: "كان يقال: ثلاثة أبيات من قريش توالت خمسة خمسة بالشرف، كل رجل منهم من أشرف أهل زمانه؛ فمن الثلاثة الأبيات: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة".
ولقد كان لأبي بكر بن عبد الرحمن منزلة كبيرة ومكانة عظيمة، وكان عبد الملك بن مروان يُجِلُّه ويُكرمه، قال الإمام الواقدي: وكان عبد الملك بن مروان مُكرمًا لأبي بكر، مُجِلًا له، فأوصى الوليدَ وسليمانَ بإكرامِه.
وقال الزبير: وكان أبو بكر ذا منزلة من عبد الملك، فأوصى به حين حضرته الوفاة ابنه الوليد، فقال له: "يا بُني، إن لي بالمدينة صديقين، فاحفظني فيهما: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأبا بكر بن عبد الرحمن".
وفاة أبو بكر بن عبد الرحمن
قال: عبد الله بن جعفر: صلَّى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث العصر، ثم دخل مغتسله فسقط فجعل يقول: "والله ما أحدثت في صدر نهاري هذا شيئًا". فما علمت غربت الشمس حتى مات، وذلك سنة أربع وتسعين (94هـ) بالمدينة.
وكان يُقال لهذه السنة سنة الفقهاء[1] لكثرة من مات منهم فيها، وقيل: إنَّه مات في سنة ثلاث وتسعين، أو خمس وتسمعين، والأوَّل أظهر[2].
[1] الفقهاء السبعة هم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعبيد الله بن عبد الله، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، واختلف في الفقيه السابع؛ فقيل: هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث. انظر: النووي: تهذيب الأسماء واللغات، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1/ 16، وعبد القادر القرشي: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، مير محمد كتب خانه، كراتشي، 2/ 421. وأبو الوليد الباجي: التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح، 3/ 1254، وأبو علي الغساني: تقييد المهمل وتمييز المشكل، 2/ 358، وابن خلكان: وفيات الأعيان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1900هـ، 1/ 282، والمزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، 33/ 112، والذهبي: تاريخ الإسلام، 2/ 1193
[2] ابن سعد، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء البصري البغدادي: الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ=1990م، المزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1400ه= 1980م، الذهبي: تاريخ الإسلام، تحقيق: الدكتور بشار عوَّاد معروف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 2003م، 2/ 1193، 356. المزي، أبو الحجاج جمال الدين يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1400هـ=1980م، ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر الدمشقي: البداية والنهاية، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1418هـ=1997م.
التعليقات
إرسال تعليقك