الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
يتعرَّض المسلم لمواقف شديدة كثيرة في حياته لا يستطيع فيها أن يخرج من المأزق بكل ما أوتي من قوة، ويُعَلِّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذه
يتعرَّض المسلم لمواقف شديدة كثيرة في حياته لا يستطيع فيها أن يخرج من المأزق بكل ما أوتي من قوة، ويُعَلِّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذه المواقف أن نُعلن توكُّلنا على الله؛ لأن الله قادر على كل شيء، وهو الذي يقدر على كشف كربنا، ودحر عدونا، والدفع عنا وعن المؤمنين، وكان هذا الإعلان هو سُنَّته صلى الله عليه وسلم، وسُنَّة الأنبياء من قبله؛ فقد روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} [آل عمران: 173]».
وفي قصة جريج العابد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، حين ذكر أمر الجارية المؤمنة التي اتُّهِمَت ظُلمًا بالزنا قَالَت: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فهي تُقَال هكذا عند الشدائد، مع الأخذ في الاعتبار أن المسلم ينبغي أن يأخذ بكل أسباب النجاة من المأزق مع قوله: حسبنا الله ونعم الوكيل. ولا يجوز له أن يركن إلى قولها دون عمل، وقد روى أبو داود -وقال أحمد شاكر: صحيح- عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ، فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ».
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَسَّع مداركنا في قول هذه الكلمة المـُنجية، فذكر أنها لا تُقال فقط للنجاة من كربات الدنيا؛ ولكن تُقال أيضًا للنجاة من كربات الآخرة؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنَ وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ». فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُمْ: «قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا».
فلْيكن هذا شعارنا في الكربات الشديدة، وعند الخوف من الظالمين، وعند التفكُّر في أهوال الساعة.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
هذا المقال من كتاب إحياء 354 سنة للدكتور راغب السرجاني
يمكنك شراء الكتاب من خلال صفحة دار أقلام أو الاتصال برقم 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك