الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
جنود الله لا حصر لهم ولا عدد! ومن هذه الجنود الريح؛ فالله يأمرها بما شاء لذلك أمرنا الرسول ألا نسبَّها، فبماذا أمرنا عند رؤية ما نكره منها؟
جنود الله لا حصر لهم ولا عدد! وقد قال تعالى: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الفتح: 4]، ومن هذه الجنود الريح! فالله عز وجل يأمرها بما شاء، وهي طائعة في كل الأحوال، لا تأتي بخير أو بِشَرٍّ إلا بإذن الله؛ لذلك لا معنى أن يلعنها مؤمنٌ إذا جاءت على غير مراده، فإن الذي أرسلها هو الله سبحانه، وقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلاً لَعَنَ الرِّيحَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "لاَ تَلْعَنِ الرِّيحَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ".
وأثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم للريح هذه الجندية لله! فقد روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ". والصبا هي ريح المشرق، ونُصِرَ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ الأحزاب، والدبور هي ريح المغرب، وهي التي أهلكت عادًا، وهذا سِرُّ قوله صلى الله عليه وسلم أن الريح تأتي بالرحمة والعذاب؛ فقد روى ابن ماجه -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُسُبُّوا الرِّيحَ فَإِنَّهَا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَالْعَذَابِ، وَلَكِنْ سَلُوا اللَّهَ مِنْ خَيْرِهَا وَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا".
وعلَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صيغة هذا السؤال والتعوُّذ؛ فقد روى أحمد بإسناد صحيح عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا مَا تَكْرَهُونَ، فَقُولُوا: اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ، وَمِنْ خَيْرِ مَا فِيهَا، وَمِنْ خَيْرِ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ، وَمِنْ شَرِّ مَا فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ".
فلْتكن هذه هي سُنَّتنا عند هبوب الريح، ولْنحفظ هذا الدعاء ونتدبَّر في معناه؛ فلعلَّ الله يجعل في ريحٍ نكرهها نصرًا لطائفة من المؤمنين، ولو بعيدًا عن موطننا.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
هذا المقال من كتاب إحياء 354 سنة للدكتور راغب السرجاني
يمكنك شراء الكتاب من خلال صفحة دار أقلام أو الاتصال برقم 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك