أصبحت عودة قطار الإنسان المسلم إلى قضبانه، وانضباط الإنسان المسلم مطلبا يصل إلى مستوى فرض العين على كل مسلم ومسلمة
الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
بالرغم من أن النفس جبلت على كره ذكر الموت، إلا أن السنة الشريفة جاءت بخلاف ذلك، فقد حث رسول الله على ضرورة الإكثار من ذكره، فما السر في ذلك؟
بين أيدينا سُنَّةٌ يتعمَّد كثيرٌ من المسلمين أن يتركوها! وهي سُنَّة "الإكثار" من ذِكْرِ الموت، وسبب إهمال السُّنَّة أن الناس بشكل عامٍّ تكره الموت؛ وقد روى مسلم عَنْ عائشة رضي الله عنها ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ» فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ؟ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ. فَقَالَ: «لَيْسَ كَذَلِكِ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، فَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ».
فكلام عائشة رضي الله عنها هنا يُثْبِت كراهية الموت عند "كلِّ" الناس، ومع ذلك جاءت السُّنَّة النبوية تحضُّ على الإكثار من ذكر الموت؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: حسن صحيح- عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ». يَعْنِي الْمَوْتَ، وهاذم اللذات أي قاطعها، وهذا الإكثار من ذكره هدفه أن يُذَكِّر المؤمن دومًا بمعاده إلى الله عز وجل، ومَنْ كان مُتَذَكِّرًا للموت فلا شكَّ أنه سيعمل له، فيتوب عن ذنوبه، ويُكْثِر من فعل الصالحات، وهذه هي الحكمة بعينها؛ لذلك وَصَفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المـُتذكِّر للموت بالفطنة والذكاء؛ فقد روى ابن ماجه -وقال الألباني: حسن- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا». قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: «أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا، أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ».
فلْنُذَكِّر أنفسنا بالموت دومًا، فنسيانه لا يمنعه، وهو حقٌّ على كل البشر.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
هذا المقال من كتاب إحياء 354 سنة للدكتور راغب السرجاني
يمكنك شراء الكتاب من خلال صفحة دار أقلام أو الاتصال برقم 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك