ليس من القراءة الجديدة للتاريخ أن نحطم النماذج والقدوة من الأبطال والعلماء لهفوة ارتكبوها أو خطأ وقعوا فيه
الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
القتال في الإسلام، الإسلام يحث المسلم على كره القتال والحرب ومن ثم فهو لا يبدأ أحدا بقتال إلا بعد توفر أسباب للقتال، فكيف كان القتال في الإسلام؟.jpg)
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه ويوجِّهَهُم فيقول لهم مربيًا ومعلمًا: "لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ.."[1].
فالمسلم بطبيعة تربيته الأخلاقية التي يتربى عليها من خلال القرآن الكريم وسُنة النبي صلى الله عليه وسلم يكره القتل والدماء، ومن ثَمّ فهو لا يبدأ أحدًا بقتال، بل إنه يسعى بكل الطرق لتجنب القتال وسفك الدماء..
وفي آيات القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تؤيد هذا المعنى جيدًا، وتوضح أن الإذن بالقتال لم يأتِ إلا بعد أن بُديء المسلمون بالحرب، وحينئذٍ فلابد من الدفاع عن النفس والدين، وإلا كان هذا جُبنًا في الخُلُق، وخَوَرًا في العزيمة، قال الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: 39- 40].
وعِلَّة القتال واضحة في الآية، وهي أن المسلمين ظُلِموا وأُخرِجوا من ديارهم بغير حقٍ..
ويقول سبحانه وتعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].
يقول القرطبي رحمه الله: هذه الآية أول آية نزلت في الأمر بالقتال، ولا خلاف في أن القتال كان محظورًا قبل الهجرة بقوله:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34]. وقوله:{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} [المائدة: 13]، وما كان مثله مما نزل بمكة، فلما هاجر إلى المدينة أُمِرَ بالقتال[2].
ويجب التعليق هنا بأن الأمر بالقتال إنما جاء لمحاربة من يقاتلنا فقط، دون مَن سالمنا، وجاء التأكيد الشديد على ذلك المعنى بقول الله تعالى: {وَلَا تَعْتَدُوا} [البقرة: 190]. ثم التحذير للمؤمنين:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].. فالله عز وجلَّ لا يحب الاعتداء، ولو كان على غير المسلمين، وفي هذا تحجيم كبير لاستمرار القتال، وهذا فيه من الرحمة بالإنسانية جميعًا ما فيه.
ويقول سبحانه وتعالى في سورة التوبة أيضًا: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36].
فالقتال هنا مقيَّد، وبحسب قتالهم واجتماعهم لنا؛ يكون فرضُ اجتماعِنا لهم[3].
وعِلَّة قتال المشركين كَافَّة أنهم يقاتلون المسلمين كافة, ومن هنا فإنه لا يجوز للمسلم أن يقاتل من لم يقاتله إلا بعلَّة واضحة, كسلب أو نهب أو اغتصاب لحقوق المسلمين, أو بسبب ظلم أوقعوه بأحد، والمسلمون يريدون رفع هذا الظلم, أو بسبب منعهم للمسلمين من نشر دينهم، أو إيصال هذا الدين للغير.
وهذه الآية لها دلالة خاصة؛ فهي من آيات سورة التوبة، وهي من أُخريات ما نزل من القرآن، وتمت قراءتها في موسم الحج من العام التاسع للهجرة، وهذا يعني أنها ليست منسوخة، ومن ثَمَّ فحكمها ثابت يقينًا.
وما مَرَّ من أسباب كلها يدعو إلى قتال هؤلاء المشركين, ومن الواضح أنهم إن لم يفعلوا هذه الأمور لم يكن قتالهم جائزًا، وإذا كانت كل هذه استنباطات فإن واقع المسلمين في زمان الخلفاء الراشدين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم يصدق هذا الاختيار, فالمسلمون في فتوحاتهم لم يقاتلوا أو يقتلوا كل المشركين الذين قابلوهم في هذه الفتوحات, بل على العكس لم يكونوا يقاتلون إلا من قاتلهم من جيش البلاد المفتوحة, وكانوا يتركون بقية المشركين على دينهم.
هذا واقع قرأناه بأنفسنا في كل الفتوح الإسلامية, وما وجدنا رجلا واحدًا قُتِلَ لمجرد كونه مشركًا.
ومما يؤكِّد أن المسلمين لم يكونوا يقاتلون إلا من قاتلهم؛ موقف المسلمين من مشركي الحبشة، فالمسلمون لم يفكروا في حربهم في يوم من الأيام، وهذه ظاهرة جديرة بالاهتمام وتؤيد ما ذهبنا إليه آنفًا من أن الحرب في الإسلام إنما هي ضرورة، دُفِعَ إليها المسلمون، فقد كانت الحبشة قريبة نسبيًّا من المسلمين، وكانوا على دراية بها وبأحوالها كلها، وعلى علم بالضعف الحربي الذي تعانيه إذا قِيست بالفرس والروم، فلماذا – إذن – لم يحاربوها؟
ليس لذلك إلا جواب واحد؛ هو أنها لم تحاربهم، ولم تُعِدَّ عدتها للقضاء عليهم، كما فعل غيرُها، بل إنها كفلت حرية العبادة للمهاجرين الأوَّلين الذين فرُّوا إليها بدينهم، ثم لم يُعرَف في تاريخها أنها عوَّقت الدعوة إلى الإسلام، أو نَكَّلَت بالدعاة، أو اضطهدت المسلمين، ولو أن الحرب الإسلامية كانت للسيطرة ، والجشع، والنهم على الفتح؛ لكانت الحبشة أول بلد حاربه المسلمون[4].
[1] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخَّر القتال حتى تزول الشمس (2804) واللفظ له، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب كراهة تمني لقاء العدو (1742)، وأبو داود (2631)، والدرامي (2440)، والحاكم في المستدرك (2413)، والبيهقي في شعب الإيمان (4308)، والنسائي (8634).
[2] انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 1/718.
[3] انظر القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 4/474.
[4] - الدكتور أحمد الحوفي: سماحة الإسلام ص 148.
التعليقات
إرسال تعليقك