جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
الصحراء الغربية تاهت فيها الحلول تقرير يوضح الحقائق الأساسية المتعلقة بقضية الصحراء الغربية وتاريخها وأطراف الصراع ومحاولات حلها عبر التاريخ
تصنف قضية الصحراء الغربية على أنها من أقدم النزاعات في إفريقيا؛ إذ يقترب عمرها من إكمال عقده الرابع؛ لكنها تبدو مستعصية على الحل ثنائيًّا أو عربيًّا أو إفريقيا أو حتى دوليًّا؛ إذ تعتبرها الأمم المتحدة أرضًا متنازعًا عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو.
فالحل الثنائي ينحصر بين المغرب والبوليساريو ومن ورائها الجزائر لحسم تلك القضية في أسرع وقت ممكن؛ لكنه بات حلمًا بعيد المنال في ظل حالة المد والجزر بين الجارتين، القوتين المحوريتين في القضية.
والحل العربي غائب تمامًا و"مع سبق الإصرار"؛ فالوساطة السعودية اليتيمة لم يكتب لها النجاح في حينها وماتت في المهد، كما تخلو أضابير جامعة الدول العربية وأوراقها من أي ذكر للقضية، أما إفريقيا فالعجز ظاهر للعيان.
الحلول "العابرة للأطلسي" لم تفلح هي الأخرى، ولم يكن أيّ منها موضع اتفاق بين الطرفين المغرب والبوليساريو مما جعل الحوار بينهما لا يعدو أن يكون "حوار الطرشان"، فظلت القضية بندًا ثابتًا في الأمم المتحدة تعاقب عليه أربعة أمناء لهذه المنظمة الدولية.
فالاستفتاء الذي كان مطروحًا خلال ثمانينيات القرن الماضي سيئول إما إلى انضمام الصحراء إلى المغرب وهو أمر ترفضه البوليساريو، وإما إلى الانفصال عنه وتكوين دولة الصحراء الغربية المستقلة، وهي مسألة لا يقبلها المغرب -أيضًا- ويرى فيها خرقًا لسيادته؛ لكن عملية الاستفتاء تعطلت بسبب عدم الاتفاق على من يحق له المشاركة فيه.
وجاء خيار الحل الثالث المقترح من قبل وزير الخارجية الأمريكي السابق جيمس بيكر الذي سبق أن عُيِّن مبعوثًا أمميًّا للصحراء منذ عام 1997م، وحتى استقالته عام 2004م، وهو يقوم على منح الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًّا واسعًا تحت الإدارة المغربية؛ لكن البوليساريو -ومن ورائها الجزائر- رفضته؛ بينما وافق عليها المغرب.
وطرح الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان خيار التقسيم حلاًّ رابعًا عام 2002 على أن يكون للمغرب الثلثان وللبوليساريو الثلث، فسارع المغرب إلى الرفض القاطع متهمًا الجزائر المرحبة بهذا الحل آنذاك بأن لها أطماعًا إقليمية.
والقضية ما زالت مدرجة تحت البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يجعل قراراتها غير ملزمة بالنسبة إلى أعضائها.
حقائق
يتطلب الحديث عن قضية بهذا العمر والتعقيد التذكير بالحقائق الأساسية المتعلقة بها من أرض وسكان وتاريخ لا يخلو من إرث استعماري يعد القاسم المشترك في هذا النوع من الأزمات في عالمنا العربي والإسلامي.
تبلغ مساحة الصحراء الغربية 266 ألف كلم2، وتقع شمال غربي إفريقيا، وتحدُّها الجزائر من الشرق، وموريتانيا من الجنوب والمغرب من الشمال، والمحيط الأطلسي من الغرب.
يبلغ عدد سكان الصحراء قرابة 383 ألف نسمة حسب إحصائيات 2005م، يعيش 25% منهم خارج الصحراء في مخيمات اللاجئين بتندوف الجزائرية، وسكان الإقليم من أصول عربية وأمازيغية، واللهجة العربية المتداولة في الإقليم هي اللهجة الحسانية، وهي مزيج بين الأمازيغية والعربية، كما يغلب في المنطقة الإسلام على مذهب الإمام مالك.
ويسيطر المغرب على 80% من مساحة الصحراء، ويديرها بصفتها "الأقاليم الجنوبية"، ومدينة العيون أكبر مدنها؛ حيث يتمركز فيها غالبية السكان، أما الـ20% المتبقية من مساحتها فتشكل المنطقة العازلة بين المغرب وموريتانيا، وتتميز بعدم وجود سكاني كثيف بها.
تاريخ
في مطلع القرن الثامن الميلادي وصلت هجرات عربية من شبه الجزيرة العربية إلى الصحراء الغربية حاملة معها رسالة الإسلام، الذي قوبل بترحيب كبير من القبائل المحلية وانتشر بينها؛ وكان لدور الداعية الإسلامي الشيخ عبد الله بن ياسين موجه مؤسس الدولة المرابطية منذ مطلع القرن الحادي عشر، أهمية كبيرة في تاريخ المنطقة, فبفضله عم المذهب المالكي الصحراء الغربية، كما رسخ المسلمون فيها أساس نظام اجتماعي متطور، وأنعشوا الحياة الاقتصادية هناك، وخاصة تجارة الذهب من مالي التي كانت تعرف في ذلك الوقت باسم السودان.
توالت الهجرات العربية إلى الصحراء الغربية في الفترة بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر، فوصلت إليها قبائل من بني حسان وبني هلال عن طريق مصر، وتغلغلت بواسطة سيطرتها في منطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب ومجمل أراضي موريتانيا؛ وبفضل شدتها تزايد نفوذها وطبعت المنطقة بطابعها العربي الإسلامي المميز.
احتلال ومطالب
لدوافع اقتصادية وتجارية احتلت إسبانيا الصحراء الغربية قرابة قرن من الزمان؛ حيث امتد الاستعمار الإسباني من عام 1883 إلى عام 1973؛ لكنه قوبل بمقاومة ممتدة من قبل المقاومين الصحراويين طيلة هذه المدة.
ظل المغرب يطالب بأحقيته في فرض السيادة على هذه المنطقة باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من أراضيه على مر التاريخ؛ وبالمثل حاولت موريتانيا الواقعة إلى الجنوب أن تبرهن على أن هذه المنطقة تتبع في الأصل الأراضي الموريتانية.
ومنذ عام ١٩٧٣م شنت جبهة البوليساريو المدعومة من قبل الجزائر حرب عصابات صحراوية كان الهدف منها مقاومة السيطرة الإسبانية على الصحراء.
وفي أكتوبر ١٩٧٥م شرعت إسبانيا في إجراء مفاوضات مع قادة المقاومة للتنازل عن السلطة وسط أجواء هادئة في مدينتي العيون والجزائر العاصمة في اجتماع ضم وزير الخارجية الإسباني بيدرو كورتينا إي موري والوالي مصطفى السيد رئيس الجبهة آنذاك.
المسيرة الخضراء
في 6 من نوفمبر 1975م نظمت الحكومة المغربية مظاهرة جماهيرية حاشدة أطلق عليها اسم "المسيرة الخضراء" لحمل إسبانيا على تسليمها إقليم الصحراء، وتجمع قرابة 350 ألف مغربي في مدينة طرفاية الواقعة جنوب المغرب منتظرين إشارة بدء المسيرة من الملك حسن الثاني لعبور الصحراء المغربية.
وقد لوَّحَ المتظاهرون بالأعلام المغربية ولافتات تدعو إلى "عودة الصحراء المغربية" وصور للملك المغربي وبالمصاحف، كما اتُخذ اللون الأخضر لوصف هذه المسيرة كرمز للإسلام.
عقدت الحكومة المغربية العزم على إثبات أحقيتها في الصحراء الغربية بإحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية للبت فيها؛ وقد أقرت المحكمة بوجود روابط تاريخية وقانونية تشهد بولاء عدد من القبائل الصحراوية لسلطان المغرب، وكذلك بعض الروابط التي تتضمن بعض الحقوق المتعلقة بالأرض الواقعة بين موريتانيا والقبائل الصحراوية الأخرى.
البوليساريو
تأسست الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة اختصارًا باسم "البوليساريو" عام 1973 أثناء استعداد إسبانيا للجلاء من الصحراء المغربية، لترفض السيادة المغربية على الصحراء وتعلن "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" المعلنة من طرف واحد.
وتكثف العون المادي والعسكري للبوليساريو من طرف ليبيا منذ عام 1973م، ثم من الجزائر منذ عام 1975م، وقد انتشرت معسكرات تدريب الصحراويين في الدولتين؛ إبان السبعينيات أدت انتصارات البوليساريو إلى إضعاف موريتانيا -التي تتقاسم مع البوليساريو الانتماءات القبلية- فقام جيشها بانقلاب عسكري على ولد داداه تذمرا من الصراع الصحراوي.
وآل الأمر بالعسكر الحاكمين في موريتانيا إلى توقيع اتفاق في الجزائر مع البوليساريو يوم 5 من أغسطس 1979م تخلت بموجبه موريتانيا عن وادي الذهب، الإقليم الصحراوي الذي كان بحوزتها.
لعبت الدبلوماسية الجزائرية دورًا نشطًا في صفوف دول العالم فجعلت منظمة الوحدة الإفريقية تعترف بالحكومة الصحراوية عضوًا فيها؛ وذلك ما دفع المغرب إلى الانسحاب من هذه المنظمة يوم 12 من نوفمبر 1982م.
بعثة المينورسو
خاضت المغرب والبوليساريو حربًا طاحنة حول الصحراء دامت 16 عامًا، وبنى المغرب عام 1980م جدارًا حول "المثلث المفيد" (السمارة-العيون-بوجدور) واضعًا سورًا واقيًا حول المناطق الصحراوية الغنية بالفوسفات والمدن الصحراوية الأساسية، وجعل هذا السور أهم الأراضي الصحراوية في مأمن من هجمات البوليساريو.
في 24 من أبريل 1991م تم تأسيس بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية عرفت باسم "مينورسو" بقرار أممي رقم 690 في أبريل 1991م، ويوجد مكتبها المركزي في مدينة العيون، ولها 11 مركزًا في كل المنطقة المتنازع عليها.
والبعثة الأممية مهمتها الأساسية تنظيم استفتاء في منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها، لتقرير مصير سكانها وحفظ السلام ومراقبة تحركات القوات المتواجدة في الصحراء من الجيش المغربي والجيش الصحراوي تحت قيادة جبهة البوليساريو.
وفي 25 من أبريل 2013 تبنى مجلس الأمن بالإجماع القرار 2099 الذي مدد ولاية البعثة عامًا كاملاً اعتبارًا من آخر أبريل 2013م حتى 30 أبريل 2014م دون تبني مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة يتضمن توسيع صلاحياتها لتشمل مراقبة أوضاع حقوق الإنسان في الإقليم.
وقد تسبب المشروع الأمريكي في توتر العلاقات بين واشنطن والرباط التي اعتبرته مساسًا بسيادتها، وقررت إلغاء تدريب عسكري سنوي مشترك كان مرتقبًا في المغرب؛ لكن تم تجاوز الأزمة التي بدت عابرة.
المصدر: الجزيرة نت
التعليقات
إرسال تعليقك