ملخص المقال
الشيشان جرح عميق سيبقى ينزف حتى ترحل جنازير دبابات الروس، والشعب الشيشاني معروف عنه قوته وصلابته.. فما قصة الشيشان أرض الذئاب والعذاب؟
الشيشان جرح عميق سيبقى ينزف حتى ترحل جنازير دبابات الروس، ولن يلتئم هذا الجرح الشيشاني النازف إلا باقتلاع الأشواك التي غرزت وزرعت فيه. الشعب الشيشاني معروف عنه قوته وجلادة صبره وصلابته وروحه الوطنية والقومية العالية، والتي لا تعرف الانهزام والانكسار والاستسلام.. إنه شعب التحديات من قبل عهد ستالين، وحتى أيام الرئيس الروسي الحالي بوتين.
وقد سبق للشيشان أن خاضوا صراعًا مريرًا مع روسيا القيصرية، ومن ثَمَّ مع الشيوعيين السوفيت الذين أحكموا في النهاية سيطرتهم على الشيشان حتى انهيار الاتحاد السوفيتي سنة 1991م، وتسلُّم روسيا رسميًّا لورثة الاتحاد السوفيتي سابقًا.
ويقال: إن من أسباب الصراع وجود النفط واستخراجه من بحر قزوين، وكذلك تنامي النزعة الانفصالية والقومية والدينية عند الشيشان.
ومنذ القدم حدثت صدامات عدة بين الطرفين، كان أوَّلها سنة 1722م وسلسلة معارك بدءًا من العام 1785م بقيادة الإمام منصور مؤسس الحركة المريدية[1]، واستمرت المعارك والمقاومة حتى منتصف القرن التاسع عشر، واستطاع هذا الإمام الذي كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب أن ينتصر على الروس في عدة معارك، وأن يوحِّد شمال القوقاز تحت راية الجهاد إلى أن تم أسره سنة 1791م، وبقي في السجن الروسي حتى وفاته.
وقعت في الشيشان ثورات عدة ضد الحكم الروسي، في السنوات التالية: 1818م، 1824م، 1826م، 1831م بقيادة الإمام شامل، واستمرت من 1831م حتى 1865م، كذلك ثورة الحركة القادرية عام 1877م، إضافةً للمقاومة الشيشانية التي استمرت حتى 1917م.
وفي السنوات التالية اللاحقة تجددت المقاومة الشيشانية بوسائل مختلفة ومنوعة، فكانت ثورة 1928م بقيادة الشيخ شيتا استاميلوف واستمرت حتى سنة 1935م، وانتهت بإعدام مجموعة كبيرة من القادة الدينيين والشيوعيين الشيشان.
بعدها بدأت مقاومة مدنية وسياسية عام 1940م بقيادة الكاتب الشيوعي حسن اسرائيلوف ومحام شيوعي يُدعى مايربيك شريبوف واستمرت حتى 1942م، وتم قمعها بقصف جوي ومدفعي لمناطق الشيشان. في الحرب العالمية الثانية تم نفي وتهجير مئات الآلاف من الشيشان عن أراضيهم وبلادهم، وتوفي منهم مائة ألف في سنتين؛ نتيجة التهجير والظروف السيئة وألغيت جمهورية الشيشان- أنجوش، لتعود تلك الشعوب المنفية إلى بلادها بعد وفاة ستالين، وتسلم خروتشوف لمقاليد الحكم السوفيتي عام 1957م.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م أعلن القائد الشيشاني المحبوب جوهر دوداييف استقلال الشيشان؛ مما أشعل الحرب الضارية بين الروس والشيشان من 1994م حتى 1997م، وانتهت بهزيمة نكراء للجيش الروسي.
ثم عادت الحرب وتجددت سنة 1999م وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، ويدفع ثمنها غاليًا الشعب الشيشاني الذي دمرت دياره وشرد، وأصبح عرضة للاستبداد وتجاوزات الجيش الروسي وعملائه من الشرطة المحلية.
إبان الحرب الشيشانية الروسية بين الأعوام 94 و97 حدثت عدة عمليات احتجاز رهائن نفذتها مجموعات شيشانية في مناطق روسية مختلفة. وكانت أبرز تلك العمليات، ما قام به القائد الشيشاني الميداني شامل باسييف ومجموعته التي احتلت مستشفى، وحجزت كل من كان فيه من البشر، وانتهت العملية بقبول شروط باسييف.
كذلك قام القائد الشيشاني الميداني سلمان دوداييف مع مجموعة من رجاله باحتجاز ثلاثة آلاف من الرهائن في مدينة كزليار بجمهورية داغستان جنوب القوقاز. وقتل في العملية بعد تدخل القوات الروسية المسلحة 200 شخص بينهم 78 جنديًّا روسيًّا. تمكن بعدها دوداييف ورجاله من الانسحاب بعد أن أصيب بجراح خطيرة. وكان دوداييف من أبرز قادة المقاومة الشيشانية في الحرب الأولى بين عامي 94-96، وقد تم اعتقاله في مارس سنة 2000م.
وتعتبر العملية في أحد المسارح الروسية في العاصمة موسكو، التي قادها موفسار براييف ابن شقيق زعيم الحرب الشيشاني الراحل عربي براييف - أقوى لطمة تُوجَّه للمجهود الأمني الروسي، الذي ما برح يتباهى بتصفيته لمعظم قادة الحرب الشيشانيين، وبأنه على وشك الانتهاء من تلك المهمة.
لقد جاءت هذه العملية لتعصف بكل المجهودات الروسية، ولتؤكد المقدرة الفائقة والمحكمة للمقاتلين الشيشان في خرق كافة الإجراءات الأمنية الروسية التي اتخذت في روسيا، وخاصة في العاصمة موسكو التي تبعد عن الشيشان 1500 كلم.
ملاحظة:
كتبت هذه المقالة بينما كانت المحادثات لا تزال دائرة بين الخاطفين والقيادة الروسية. لكنها ترى النور بعد أن هاجمت الوحدات الخاصة الروسية مبنى المسرح، الذي كانت تتحصن فيه المجموعة الشيشانية مع رهائنها من الروس والأجانب.
واستعملت القوات الروسية نوعًا غير معروف من الغازات الشديدة المفعول والتأثير. المهم أن نتيجة العملية كانت مأساوية، وأودت بحياة مئات الرهائن، إضافةً إلى معظم عناصر المجموعة الخاطفة وزعيمها موفسار براييف، وتمكنت من أسر بعضهم بعد أصابتهم بجراح. والأهم في هذا كله أن هناك 350 جريحًا معظمهم أصيبوا بجراح خطيرة، إما نتيجة إطلاق النار أو بسبب الغازات التي تبين أنها ذات مفعول شديد وتأثيرات ضارة ومميتة. بعد كل هذه الخسائر في صفوف الرهائن، هل من الممكن اعتبار العملية ناجحة كما تروِّج لها السلطات الروسية؟
الخسارة جماعية للروس؛ لأنهم يرفضون الاعتراف بالحق الشيشاني في الحرية والاستقلال والدولة، وهذا الرفض سيظل عاملاً يجلب لهم القلق والعمليات الشبيهة بتلك التي دارت رحاها في المسرح المذكور. وللشيشانيين الذين يخسرون شبابهم وبناتهم وهم في ريعان العمر من أجل إيصال رسالة شعبهم المظلوم إلى العالم الذي نسيهم، ولم يعد يلتفت إلى معاناتهم اليومية بفعل الاحتلال الروسي[2].
المصدر: موقع الخطاب.
روابط ذات صلة:
- المقاومة الشيشانية
- الإمام منصور أشورما
- استقلال الشيشان الأول
- تاريخ الإسلام في القوقاز
- الشيشان .. الموقع الجغرافي
- الشيشان .. أرض الجهاد المنسية
- تاريخ الصراع الشيشاني الروسي
- الشيشان .. صقور الجبال البيضاء
- الإمام شامل .. المجاهد الداغستاني
- الشيشان حرب إبادة وجريمة عصر
- المجتمع الدولي وعلاقته بالمشكلة الشيشانية
- دور الحكومات والشعوب تجاه القضية الشيشانية
التعليقات
إرسال تعليقك