جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
في أواخر شهر تموز/يوليو الماضي، وأمام المجلس الوزاري لرابطة الدول الآسيوية (آسيان) قدمت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون اقتراحا ـ في صورة ـ
النيات النووية الحسنة.. من إسرائيل
بقلم :سمير كرم*
في أواخر شهر يوليو الماضي، وأمام المجلس الوزاري لرابطة الدول الآسيوية (آسيان) قدمت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون اقتراحا ـ في صورة ـ إنذار ـ بأن الولايات المتحدة يمكن أن تفرض «مظلة دفاعية» اذا ما توصلت ايران الى صنع سلاح نووي. وقالت إن هذه المظلة الدفاعية الأميركية ستهدف الى حماية بلدان المنطقة (الشرق الأوسط) المحايدة أو التي تلتقي في تفكيرها مع الولايات المتحدة إزاء قوة ايران النووية.
تابو" (محرّم) لا يقترب منه أحد، خاصة في الولايات المتحدة. منذ أن اتسع الدور الأميركي في تطوير القوة النووية الإسرائيلية. ليس هناك مسؤول أميركي على أي مستوى يسمح لنفسه بأن يخوض في هذا الموضوع من قريب أو من بعيد، وأصبحت العادة المرعــية أن لا يرد أي ناطق رسمي في البيت الأبيــض أو وزارة الــخارجية أو وزارة الدفاع على سؤال يتناول موضوع القوة النووية الاسرائيلية. ونتج من ذلك أن الصحافيين المعتمدين لدى هذه الجهات، أميركيين وأجانب، حفظوا الدرس: انهم لن يتلقوا أية إجابة اذا ما تطرقوا بسؤال الى هذا الموضوع.
<img class="\"imgLeft\"" data-cke-saved-src="\" src="\"/uploads/image/articles/757/6645_image003.jpg\"" style="\"float:left;" height:167px;="" width:250px\"="">والأمر الذي لا شك فيه أن الاقتراح الأميركي بنشر مظلة دفاعية أميركية ضد السلاح النووي الإيراني يثير بحد ذاته، من جديد، تساؤلات عن السلاح النووي الإسرائيلي. فالحقيقة انه اذا كان لموضوع الملف النووي الإيراني من فائدة أو ميزة فهي أنه يعيد القوة النووية الإسرائيلية، تلقائيا وبلا جهد كبير، الى الواجهة. ومن الطبيعي أن يكون التساؤل الأول إزاء طرح اقتراح المظلة الدفاعية الأميركية ضد السلاح النووي الإيراني، وهو لا يزال مجرد فرضية حسابية على الورق، هو: وماذا عن القوة النووية الإسرائيلية، وهي واقع حقيقي مسلّم به؟ ويلي هذا السؤال مباشرة سؤال آخر: لماذا لم تتقدم الولايات المتحدة في أي وقت طوال السنوات الخمسين الماضية من إسرائيل النووية باقتراح مظلة حماية للدول العربية الحليفة لها، وبالأخص تلك التي تشكل مصدرا للطاقة البترولية لها ولأوروبا واليابان.
لهذا توجّب اختفاء الاقتراح الأميركي وكان رد الفعل الإسرائيلي إزاءه رافضاً وحاداً إلى هذه الدرجة.
إنما يجدر بالملاحظة، بالإضافة إلى هذا، ان الاقتراح الأميركي توخى الدقة عند طرحه فتحدث عن «مظلة دفاعية» ولم يتحدث عن «مظلة دفاعية نووية»، ولو فعل لكان هذا أمرا مفهوما، فإنك لا تستطيع أن تحمي حلفاءك وأصدقاءك من سلاح نووي بمظلة غير نووية. مع ذلك كان حرص الولايات المتحدة على تجنب استخدام تعبير «مظلة نووية» جزءا من مراعاة حساسيات إسرائيل في هذا الشأن. فإسرائيل حريصة طول الوقت ومنذ أن أصبحت قوة نووية على أن تكون وحدها القوة النووية في الشرق الأوسط. وإذا ورد في أوقات الأزمات الكبيرة خاصة، أن الولايات المتحدة أدخلت سلاحها النووي ضمن أسطولها السادس في البحر المتوسط أو مع أسطولها السابع في منطقة الخليج، يبقى ذلك في طي الكتمان أو يبقى حديث الشائعات لا حديث البيانات الرسمية. كما يجدر بالذكر أن اقتراح «المظلة الدفاعية» الأميركية ضد السلاح النووي الإيراني يشكل تصعيدا للعلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وكل من الدول العربية المرتبطة بها، في المنطقة الممتدة من الشمال الأفريقي إلى الخليج إلى مستوى العلاقات بينها وبين حلف شمال الأطلسي (ناتو). فدول الحلف هي التي تحظى بوجود مظلة دفاعية أميركية تحميها من أي هجوم خارجي.
والمهم هنا أن صيغة مظلة دفاعية ضد سلاح نووي على هذا النحو، الشبيه بالالتزامات الأميركية تجاه الحلف الاطلسي، تعفي عددا من الدول العــربية التي لا تزال، على الرغم من العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة، تتجنب عقد معاهدات استراتيجية ثنـائية تلزمها عسكريا بعدد من الإجراءات والالتزامات والضوابط الأمنية.
فهذه الصيغة الأطلسية عامة ولا يـترتب عليها أكثر من قبول الحماية الأمنية من الولايات المتحدة الصديقة، اذا ما تعرضت لهجوم بالسلاح النووي من جانب إيران. وهو احتمال تعرف هذه الدول العربية، أو تقدر على الأقل، أنه احتمال ضئيل الى حد يجعله لا يكاد يكون واردا في الحسبان .. حتى وان اختلف التقدير الأميركي في ذلك.
لكن بقي سؤال غير مطروح، وبالتالي بلا إجابة، وهو هل تشمل المظلة الدفاعية الأميركية ضد السلاح النووي الإيراني، في حال تحققه، إسرائيل، باعتبار أنه ينطبق عليها وصف الدولة الحليفة؟ ومن الواضح أن رفض اسرائيل السريع والحاد للاقتراح يعني انها فهمت أنه يشملها، لكن هذا الأمر يخرج عن سياسة استراتيجيه أساسية تنتهجها إسرائيل، وهي أن تكون قوتها هي لا قوة الولايات المتحدة هي الرادع وهي المدافع عنها ضد أي هجوم خارجي. وهنا لا بد من ملاحظة إن الاجتماع الذي تم بين وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس ووزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك في القدس (المحتلة) يوم 27 يوليو الماضي لم يتطرق الى الاقتراح الأميركي الذي كانت السيدة كلينتون قد أعلنته في تايلاند قبل أيام من ذلك. كما لا بد، ثانيا، من ملاحظة أن باراك لم يترك مناسبة اجتماعه مع وزير الدفاع الاميركي دون أن يؤكد ثلاث مرات لا أقل ان اسرائيل لا تستبعد أي خيار لها بشأن الخطر النووي الايراني. أي ان اسرائيل يمكن في أي وقت أن تقدم على مهاجمة أهداف في ايران لإفشال «خططها لصنع أسلحة نووية».
ولا بد، ثالثا، من ملاحظة أخرى هي أن اسرائيل تجد في «الخطر النووي الايراني» فرصة لا مثيل لها لاستمالة الدول العربية التي يبدو أنها تختار تقديم الخطر الإيراني على الخطر الاسرائيلي (النووي وغير النووي)، وبالتالي فإن إسرائيل لا تريد أن تفلت من يدها فرصة استخدام الخطر النووي الإيراني كعامل تقريب لها الى الدول العربية التي تختار الخوف من ايران وتفضله على الخوف من إسرائيل.
هل تراجعت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما عن اقتراح المظلة الدفاعية .. أو هي في سبيلها الى تنفيذها سرا؟
هذا السؤال كان أجدر أن يوجه الى المسؤول الاول في إدارة أوباما عن الملف النووي الايراني في شموليته، وهو دنيس روس الاسم المألوف نفسه الذي لعـب دور المبعوث الأميركي لعملية السلام في المنطقة مع الإدارات السابقة. ولا بأس من أن نحاول أن نجد إجابة منه في كتابه الذي نشر أخيرا في الولايات المتحدة (بالاشتراك مع ديفيد ماكوفسكي الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى) بعنوان: أساطير وأوهام وسلام ـ البحث عن اتجاهات جديدة لأميركا في الشرق الاوسط. وهذا ما يقوله روس:
«ان تنفيذ سياسات مبنية على مصالح عربية وإسرائيلية متلاقية أمر ممكن لأن الدول العربية تعرف، بصورة جوهرية، أن إسرائيل لا تشكل تهديدا وجوديا لها. وأفضل إشارة إلى هذا الواقع هو قدرة إسرائيل النووية. لقد طور الإسرائيليون مفاعلا نوويا في "ديمونة" في ستينيات القرن العشرين. ومنذ ذلك الوقت أكدوا أنهم لن يكونوا أول من يدخل أسلحة نووية الى المنطقة. مع ذلك فإن القادة العرب سلموا لعقود متوالية بأن إسرائيل تملك سلاحا نوويا. والدول العربية، في الجانب الأكبر منها، لم تسع لمجاراة قدرة اسرائيل النووية ببرامج نووية خاصة بها. وهذه ليست مسألة صغيرة. فلو أن اسرائيل هددت الدول العربية فعلا بقدرتها النووية، ألن تستخدم الدول العربية مصادرها الاقتصادية العظيمة في الخليج (الفارسي) لتحريك السماء والأرض والدخول في سباق أسلحة نووية صريح في الشرق الأوسط؟ لقد لاحظ العرب أن إسرائيل لم تهددهم ابدا بأسلحتها النووية، حتى حينما كانت، لفترة وجيزة، تخسر حرب 1973 ضد مصر. وكما أخبرنا مسؤول عربي بصفة سرية «اننا نعرف أن إسرائيل تملك قنبلة (نووية) في أسفل البيت، لكن إسرائيل تحفظها هناك. من ناحية أخرى فإن الإيرانيين اذا حصلوا على القنبلة فإنهم سيلوحون بها. وسيسبب هذا مشكلات».
«ان معظم القادة العرب يرون إيران في ضوء هذا ورؤية الأسلحة النووية في أيدي إيران تطلق صفارات إنذار عالية الرنين. وكما لاحظنا من قبل فإن مسؤولا مصريا كبيرا قال لنا إنه اذا امتلكت إيران قدرة الأسلحة النووية فستكون هذه نهاية معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. كما أن الملك عبد الله ملك السعودية أبلغ (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين بأنه اذا أصبحت ايران نووية فإن العربية السعودية ستفعل بالمثل. والتناقض هنا مع حالة إسرائيل لافت».
هذا، بالنص الحرفي، ما يقوله روس. واذن فليس من داع لان تحاول الولايات المتحدة أن تثبت للقادة العرب سوء نيات إيران وحـسن نيات إسرائيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*محلل سياسي بجريدة السفير اللبنانية
العربية ـ 7 أغسطس 2009 بتصرف
التعليقات
إرسال تعليقك