ملخص المقال
المقاومة الأفغانية، حددت إستراتيجيتها في الكفاح المسلح فقط. فلم تلجأ إلى العمل السياسي، على التوازي مع العمل العسكر
إن المقاومة الإسلامية للنظام الشيوعي هي بداية المقاومة الفعلية، ومهما كان أسلوب المقاومة في التعامل مع النظام الشيوعي، فمن الواضح أنه يمكن اعتبارها حركة شعبية، انبثقت تلقائيا من بين مختلف الفئات الأفغانية ذوي الدوافع المتعددة، حيث يلاحظ أنها تتمتع بقوى بشرية، ولكن ينقصها السّلاح والتنظيم.
في أعقاب ثورة (نيسان) أبريل 1978م، اتحد الأفغانيون في انتفاضة تلقائية، ضد حكومة النظام الشيوعي إلاّ أن الحكومة تمكنت في شهر (آذار) مارس 1979م، من إحباط الانتفاضة في حيرات، ولكن الأحزاب الإسلامية المتمركزة في بيشاور بقيت، وكانت تحظى بدعم من الأفغان أنفسهم، وواصلت الانتفاضة انتشارها لتصل إلى معظم البلاد، إضافة إلى الجزء الكبير من الجنود الأفغان الذين تركوا الخدمة انضموا إلى المقاومة حينما تبين لهم مدى بشاعة أساليب القمع، التي يمارسها النظام الشيوعي، تحت رئاسة حفيظ الله أمين ومن بعده بابراك كارمل.
وهكذا تمكنت المقاومة الأفغانية من السيطرة على معظم الأقاليم الأفغانية، بينما تسيطر قوات الحكومة الأفغانية، بمعاونة الجنود السوفييت، على المدن والطرق الرئيسية، في السهول الشمالية الغربية، وفي المنطقة شبه الصحراوية في الجنوب الغربي، إضافة إلى سلسلة من المواقع الإستراتيجية، على طول الحدود الباكستانية. وقد بدأ الاتحاد السوفيتي في تحصين مواقعه، وتجهيز وسائل المواصلات لهذه المواقع، حتى يسهل تأمينها إدارياً وفنياً.
والملاحظ أن المقاومة الأفغانية، حددت إستراتيجيتها في الكفاح المسلح فقط. فلم تلجأ إلى العمل السياسي، على التوازي مع العمل العسكري، ومع أن بعض المجاهدين لديهم معلومات دقيقة عن العدو، إلاّ أن التنسيق بين الجماعات المختلفة من أجل توحيد أسلوب المقاومة، وتنظيم العمل العسكري، لم يكن واضحاً. وقد بلغت فصائل المجاهدين، الذين كانوا يعملون من بيشاور، سبع فصائل، وهي التي كانت تدعم بواسطة باكستان
اعتمد الاتحاد السوفيتي -عندما قرر غزو أفغانستان- تعتمد على إدراك خصومه، بما فيهم الدول الكبرى، أنه القوة التي لا تهزم، لذا، فإن المقاومة الأفغانية نالت الكثير من الأعجاب لما أبدته من قدرة على مقاومة الآلة العسكرية السوفيتية، بل إن أفغانستان تُعد الدولة الوحيدة - من بين سائر الدول التي اجتاحها الاتحاد السوفيتي - والتي رفضت الاعتراف بهذا الاحتلال، بل قاومت هذه القوة، حتى خروج آخر جندي سوفيتي يوم 15 (شباط) فبراير 1989 م.
ويبقى سؤال أخير، سوف يحدد منهج العمل التحرري سواء أثناء الاحتلال أو بعد الجلاء، لأنه ـ كما هو معلوم ـ أن الشدائد خير وسيلة للتضامن والوحدة والترابط، في مواجهة الهدف الكبير، وهو جلاء القوات السوفيتية والقضاء على النظام الشيوعي. إلاّ أنه سرعان ما تطفو على السطح أهداف فرعية، يصعب تحقيقها لتعارضها مع المصلحة القومية، والسؤال يتعلق بموقف المقاومة الأفغانية -أي الفصائل المختلفة- من القومية الأفغانية، فهل الخطر السوفيتي هو الذي يولد العاطفة القومية، لهذا المجتمع القبلي؟ وأن إحساس القومية سينهار بزوال هذا الخطر، حيث تتعرض المقاومة للانقسامات القبلية والدينية.
عناصر المقاومة الأفغانية
تمثلت المقاومة الأفغانية في عدة عناصر:
1- الحزب الإسلامي الأفغاني، بقيادة قلب الدين حكمتيار، وقد أسسه عام 1973م، وهو حزب سياسي عسكري ينتمي إلي أقوام البشتون.
2- الحزب الإسلامي، بقيادة مولوي محمد يونس خالص، بعد انشقاقه عن الحزب الإسلامي الأفغاني.
3- الجمعية الإسلامية الأفغانية، بقيادة برهان الدين رباني، وكان لها نشاط سياسي قبل الحكم الشيوعي، وشكلت أول جماعة جهادية، ورباني أستاذ سابق في جامعة كابل، تلقى تعليمه في الأزهر الشريف، واختار أحمد شاه مسعود لقيادة الجناح العسكري للجمعية، والجمعية الإسلامية من أكثر الجماعات اعتدالا.
4- الاتحاد الإسلامي للمجاهدين الأفغان، بقيادة عبد رب الرسول سياف، الذي تلقي تعليمه في الأزهر الشريف، وعمل أستاذا في جامعة كابل، وسجن في عهد داود خان، واشترك هذا الاتحاد في المقاومة أربعة عشر عاماً، وهو يشبه في تنظيمه جماعة الإخوان المسلمين، وينتمي إلي البشتون.
5- حركة الثورة الإسلامية الأفغانية، بقيادة مولوي محمد بني محمدي عام 1978م، وهو من علماء الدين، وتنتمي الحركة إلي البشتون
6- الجبهة الوطنية لتحرير أفغانستان، بقيادة صبغة الله مجددي، أسسها عام 1978م وهو أستاذ سابق للفلسفة بجامعة كابل.
7- الجبهة الإسلامية الوطنية (المحاذ الوطني الأفغاني)، بقيادة سيد أحمد پير جيلاني وينتمي إلي البشتون، وله نفوذ في جنوب وغرب أفغانستان.
أما أحزاب الشيعة فهي ضعيفة، مقارنة بالأحزاب السنية، التي سيطرت عليها باكستان، ومنها حزب الوحدة، وحركة نصر، وحركة الشورى والاتفاق، وحرس الجهاد، والحركة الإسلامية، وحزب الله.
وكانت بداية تحرك أحزاب الجهاد من باكستان، حين اختارت مدينة بيشاور الحدودية، مركزاً لتحركاتها، ومع الغزو السوفيتي، تحول الوضع -الذي كان يبدو أنه صراع محلي- إلى صراع دولي، فقد كان الاحتلال السوفيتي سبباً في هروب عدد كبير من المواطنين الأفغان، بلغ عام 1984، حوالي ثلاثة ملايين ونصف لاجئ في باكستان، ومليونين في إيران، أي ما يساوى ثلث تعداد سكان أفغانستان.
وتعرضت أحزاب الجهاد، التي تشكلت بين عامي (1978، 1980م) إلى صعوبات عدة. فإضافة إلى واجب الجهاد، فهي تقوم بواجبات إدارية، من الإشراف على معسكرات اللاجئين، والإسهام في إنشاء دور للعلم والمستوصفات. ومنح بطاقات للأفراد الذين ينتمون إلى أحد الأحزاب السبعة فقط، لذا فان المخابرات الباكستانية -والمسؤولة عن توزيع المعونات- لم تكن تعترف إلاّ بهذه الأحزاب السبعة فقط.
وعلى الرغم من الاختلافات داخل صفوف المقاومة الأفغانية، وافتقارها إلى الموارد المالية والعسكرية، إلاّ أن مواقفها الإسلامية، أعطتها الشّرعية لصد الغزو السوفيتي.
وعلى الرغم من هذه الانقسامات، وقلة التنظيم، إذ لا توجد قيادة عسكرية مشتركة، لتنظيم التعاون بين قوات الجهاد، إلاّ أنها نجحت في مقاومة الجيش السوفيتي بإمكانياته الكبيرة، ومعه قوات حكومة كابل، ومنعته من السيطرة الكاملة على أفغانستان. ذلك أن أجزاءً كثيرة من البلاد، كانت تحت سيطرة المجاهدين، مما اضطر القوات الحكومية إلى توقيع أكثر من هدنة عسكرية.
وبالنظر إلى نتائج العمليات العسكرية، التي كانت بين قوات نظامية مدربة، وقوات قليلة تسليحها محدود وليس من المتوقع لها إحراز نصر جوهري يؤدي إلى جلاء القوات السوفيتية عن أفغانستان، يؤكد المراقبون العسكريون على أن الاستنزاف المادي، نتيجةً لهذه الحرب، هو الذي دفع الاتحاد السوفيتي إلى الانسحاب. وكذلك الإستراتيجية الجديدة، التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية، حين قررت تقديم المساعدات للمجاهدين الأفغان. وقد تلاحظ، أن اهتمام واشنطن المفاجئ بأفغانستان، لم يلق قبولاً مطلقاً لدى المجاهدين، الذين يصرخون دائماً بأنهم لا يرغبون في أن يكونوا أداة للانتقام من السوفييت، وأن إرسال الأموال والأسلحة لن يشتري لواشنطن ولاء الأفغانيين[1].
وأهم إنجازات المقاومة الأفغانية هي:
1- منع القوات السوفيتية من السيطرة الكاملة على أفغانستان، وإيجاد روابط إسلامية قوية بين فصائل المجاهدين المختلفة، التي كانت التعددية العنصرية تحول دون تحقيقها.
2- تكوين زعامات جديدة في ميدان القتال، بدلاً من الزعامات التقليدية للأحزاب السياسية الموجودة في أفغانستان.
3- الحصول على كميات كبيرة من السّلاح السوفيتي، الذي استولت عليه خلال العمليات؛ إضافة إلى ما سلمته القوات الحكومية. هذه الأسلحة أصبحت مصدراً غير متجددٍ، مما كان له تأثير كبير في تطوير أساليب القتال بين المجاهدين، وبين قوات النظام. إضافة إلى ما حصلت عليه من الولايات المتحدة الأمريكية.
وأجمع المراقبون على أن الغزو السوفيتي لأفغانستان، كان من أخطر العوامل المؤدية لزيادة روح التمرد. ففي بداية الغزو، أشرك السوفييت فرق من القوات المسلحة السوفيتية، تنتمي عناصرها البشرية إلى الجمهوريات الإسلامية المجاورة لأفغانستان، ظناً منهم أن هذا التصرف سوف يُحَسِّن من شكل الغزو، لدى الشعب الأفغاني ولدى القوات السوفيتية، حيث إن العلاقات الدينية المشتركة يُسَهِّل من مهمة الغزو. لكن النتيجة كانت عكس المتوقع، حيث وجدت القوات السوفيتية في مواجهتها شعب يكاد يكون أعزل، إلاّ من أسلحة قليلة لا تستطيع مواجهة القوة السوفيتية. ولم تجد إمبريالية أمريكية أو صينية، فتأكد لها كذب أجهزة الإعلام السوفيتية، وادعاؤها الباطل على شعب أفغانستان المُسالم، إضافة إلى إنهم فوجئوا بمقاومة عنيفة، أدت إلى القضاء على كثير من الجنود السوفيتيين.
وبتطور العمليات العسكرية غير المتكافئة، تلاحظ أن عدداً كبيراً من جنود النظام الحاكم والجنود السوفييت، بعد أن تعرفوا على طبيعة الدين الإسلامي، هربوا وانضموا إلى صفوف المجاهدين، بما لديهم من أسلحة ومعدات. وبدأت تنتشر البنادق الآلية (الكلاشنكوف) الروسية الصنع، علاوة على ما يتم الاستيلاء عليه كغنائم من الجيش الحكومي الأفغاني. وتوالى هروب العديد من أفراد الجيش الأفغاني بأسلحتهم ومعداتهم، على الرغم من محاولات السوفييت الحيلولة دون وصول الأسلحة الحديثة إلى المجاهدين، بل إن موسكو حاولت وضع قيود كثيرة لمنع وصول الأسلحة للمجاهدين، ولكنهما فشلت.
ولم تقتصر عمليات الفرار على أفراد الجيش الأفغاني فقط، بل إن الجيش السوفيتي عرف الظاهرة نفسها، فالعناصر المسلمة تعاطفت مع المجاهدين، وبدلاً من محاربتهم لكونهم من أعداء الثورة، انضموا إلى صفوفهم. وهكذا، اضطرت هيئة الأركان السوفيتية، ابتداء من شهر فبراير 1980م، إلى سحب الأفراد القادمين من الجمهوريات الإسلامية حتى تمّ في 15 (شباط) فبراير 1989م، جلاء آخر جندي سوفيتي عن أفغانستان.
تداعيات الغزو على أفغانستان
من أهم نتائج الحرب الأفغانية، بروز مشكلة اللاجئين الأفغان، خصوصاً في باكستان وإيران، حيث وصل عددهم حوالي 4 ملايين لاجئ، الأغلبية منهم في باكستان (2.5 مليون) والباقي (1.4 مليون) في إيران، وعددهم بين تركيا ودول الخليج المختلفة. وكانت إيران تتحمل عبئاً كبيراً من وجود اللاجئين. إذ بينما تتلقى باكستان معونات من الدول الأجنبية، وهيئات الإغاثة الدولية، لم تكن إيران تتلقى أي معونة. ويضيف الإيرانيون أن تكلفة اللاجئ تصل إلى أربعة دولارات يومياً، وهذا يوضح حجم التكلفة.
وإضافة إلى مشكلة اللاجئين، هناك خسائر الاحتلال، الذي وصل إلى حوالي مليون شهيد، ومئات الآلاف من الجرحى الذين يصعب حصرهم. أما عن الخسائر المادية، فالعديد من القرى والمنازل والمرافق قد دمرت. والأراضي الزراعية بها ملايين الألغام المضادة للأفراد دون خرائط، أي يستحيل تطهيرها، كما يمكن اعتبار الزراعة متوقفة تماماً.
[1] محمد إبراهيم فضة، التدخل السوفيتي في أفغانستان، ص 90.
التعليقات
إرسال تعليقك