الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
جنة العريف El Generalife درة قصر الحمراء ومستراح ملوك غرناطة في الأندلس، فما تاريخ جنة العريف؟ وماذا عن وصفها وسحر جمالها؟
جنة العريف El Generalife أعظم مباني قصر الحمراء الذي هو جزء من معالم مدينة غرناطة الأثرية الواقعة على بعد 267 ميلًا جنوب مدينة مدريد، ويمثل أروع الآثار الأندلسية الباقية، وتلك الجنة أعظم ما يمكن أن يقدم لحدائق الحضارة الإسلامية.
بناء جنة العريف
بُنيت جنة العريف تقريبا في القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي، وحسب النقش الموجود فقد بنيت سنة 616هـ / 1219م في زمن دولة الموحدين، وتوجد العديد من التفسيرات الخاصة باسم جنة العريف: مثل حديقة الناظر، والمهندس (العريف)، وبستان العازف .. إلخ.
ويوجد قصر جنة العريف بالقرب من قصر الحمراء؛ وعلى بعد 1000م منه، ويقع شمال شرقي قصر الحمراء فوق ربوة مستقلة، ويشرف من ربوته العالية على صروح قصبة الحمراء، وتبدو من ورائه آكام جبال سيرَّا نفادا Sierra Nevada الشامخة (جبل الثلج) [*].
وقد قام بزخرفة جنة العريف الملك أبو الوليد إسماعيل (713هـ / 1314م – 725هـ / 1325م) من ملوك بني نصر أو بني الأحمر ملوك غرناطة، وعلى الرغم من قرب جنة العريف من الحمراء ومن العلاقة الحميمة بين كلتا المجموعتين الأثريتين، إلا أنها تعتبر خارج مدينة غرناطة، فقد كان يلتف حول سور غرناطة بساتين وحدائق حتى لكأنها سور آخر، حيث بلغ الأمر أنه قد قامت ثورة ضد السلطان محمد الخامس الغني بالله أثناء تواجده بجنة العريف (28 رمضان سنة 760 هـ).
وصف جنة العريف
صمَّم المسلمون جنة العريف على هيئة مدرَّجات لا يتعدَّى عرضُ أوسعها ثلاثة عشر مترًا، ولا يزيد عددها على ستَّة مستويات، ويلعب الماء دورًا أساسيًّا فيها؛ إذ ينهمر من أعلى الحديقة من عيون تصبُّ في قنوات تمرُّ عَبْرَ الأشجار، بما يدل دلالةً واضحة على التأثُّر بآية {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} [الواقعة: 31].
وقد غرست في ساحات القصر وأفنيته الرياحين والزهور الفائقة الجمال، حتى أصبح هذا القصر المثل المضروب في الظل الممدود والماء المسكوب والنسيم العليل.
وقصر جنة العريف عبارة عن صرح صغير أنيق المنظر، قد اختلطت أوضاعه العربية السفلى، بما أنشأه الملوك الإسبان فوقها من أبنية دخيلة، وتجوز إليه من مدخل بسيط متواضع، يفضى إلى ساحة فسيحة، قد أقيم على جانبها رواقان ضيقان طويلان، وفى وسطها بركة ماء، وقد غرست حولها الرياحين والزهور الساحرة.
وتنبع من جنة العريف كل المدينة وأودية الخنيل ونهر دارُّو. وفي الوقت الحالي، تتكون جنة العريف من مجموعتين من المباني يصل بينهما فناء الساقية.
وقد كانت جنة العريف فيما يبدو مصيفًا أو متنزهًا لسلاطين وملوك غرناطة، كانوا يفزعون إليها كلما أرادوا الهروب من الحياة الرسمية بالقصر، ويؤمونه للاستجمام والراحة، والاستمتاع بجمال موقعه، وروعة المناظر الطبيعية التى تحيط به.
ولا يوجد في بنايات جنة العريف ما يشير إلى أي زخرفة زائدة، أو إلى أي مبالغات في الإنشاء المعماري، على العكس تماما من الحمراء، فإنه على الرغم من كون جنة العريف متماسكة معماريا، إلا أنها بشكل عام تعتبر فقيرة وبسيطة، مما يشير إلى جو الهدوء والخلو الذي كان يبحث عنه الملوك عندما كانوا يخلدون إلى الراحة بين حدائقهم. توجد فقط بعض عناصر الزينة التي تعتمد في جلها على الجص، ولا تتنوع كثيرا، إلا أنها رقيقة وتعكس ذوقا عاليا.
ومن الصعب اليوم تمييز الشكل الأصلي لجنة العريف، حيث أجريت بها العديد من الترميمات والتعديلات خلال الفترة المسيحية، فقد عمل الإسبان منذ سقوط غرناطة على محو جمال الحمراء الرائع وقصوره وجناته بأعمال تخريب وتشويه متتالية، فمسخوا الزخارف والنقوش أو محوها، ونقلوا الأثاث والرياش أو أتلفوه، مما أدى إلى طمس الكثير من الملامح الأصلية لجنة العريف.
وقد كتب الشاعر الوزير ابن زمرك للسلطان الغني بالله محمد (755هـ - 793 هـ / 1354م - 1391م)، يصف سكناه في قصر جنة العريف، يقول:
يا ساكني جنة العريف *** أسكنتم جنة الخلود
كم ثم من منظر شريف *** قد حف باليمن والسعود
ورب طود به منيف *** أدواحة الخصر كالبنود
والنهر قد سال كالحسام *** ولراحة الشرب مستديم
والزهر قد راق بابتسام *** مقبلا راحة النديم
بلغ عبيد المقام صحبي *** لا زلتم الدهر في هنا
لقاكم بغية المحب *** وقربكم غاية المنى
فعندكم قد تركت قلبي *** فجدد الله عهدنا
ودارك الشمل بانتظام *** من مرتجى فضله العميم
في ظل سلطاننا الإمام *** الطاهر الظاهر الحليم
مولاي يا نخبة الأنام *** وحائز الفخر في القديم
كم أرقب البدر في التمام *** شوقا إلى وجهك الكريم
[*]يطلق الجغرافيون الأندلسيون اسم شلير أو جبل الثلج على جبال "سييرَّا نفادا". فأما "شلير" فهو محرف عن اللاتينية Solarius ومعناها جبل الشمس، وذلك لأن الشمس تسلط أشعتها الساطعة على تلك الجبال فينعكس ضوؤها على الثلوج الناصعة التي تغطيها. وأما تسميتها بجبل الثلج، فهى ترجمة عربية مطابقة لاسمها القشتالى Sierra Nevada.
المصادر والمراجع:
- لسان الدين ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1424هـ.
- المقري التلمساني: أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض، تحقيق: مصطفى السقا، الناشر: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر – القاهرة، عام النشر: 1358هـ / 1939م.
- محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة: الرابعة، 1417هـ - 1997م.
- يحيى وزيري: العمارة الإسلامية والبيئة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - الكويت، 2002م.
- الموقع الرسمي لقصر الحمراء بغرناطة.
التعليقات
إرسال تعليقك