التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
مشاكل المسلمين في غرب أفريقيا متنوعة ما بين التنصير، والحرمان من خيرات بلادهم، والتضييق عليهم في التعليم وتولِّي المناصب الكبرى، بل والتعذيب والقتل
شرق أفريقيا
للإسلامِ في كلِّ مكانٍ وَصَلَ إليه قِصَّةٌ؛ تحكى جهود الأجداد في نشر الإسلام في ربوع الأرض، وبين كل البشر، ليَعُمَّ الخيرُ، وينتشر العدلُ، وتُشرق الأرض بنور ربها.
ومن بين البقاع التي نَعِمت بنور الإسلام في وقت مبكر، تلك الأرض الممتدة على الساحل الشرقي للقارة الإفريقية والأراضي القريبة منها كذلك، والتي تضم اليوم مجموعة من الدول هي إريتريا وإثيوبيا والصومال وكينيا وتنزانيا وأوغندا وجيبوتي وموزمبيق ومدغشقر وملاوي وزامبيا وزمبابوي وبوروندي ورواندا وجزر القمر وموريشيوس وسيشيل... وقد كان يُطلق على الأراضي الساحلية منها[1] أرض الزنج[2].
غير أننا قبل أن نخوض في العَلاقات الوثيقة بين الإسلام وشرق القارة السمراء، نغوص معًا في أعماق التاريخ لنبدأ القصة من أوَّلها، ولنكشف الستار عن الأحداث التي مهَّدت لهذه العَلاقات الوطيدة التي جاء الإسلام ليُثَبِّتها ويُوطِّدها، لا ليبتدئها أو ينشئها.
بداية العلاقات العربية الأفريقية
كان السبئيون (عرب جنوب شبه الجزيرة العربية) أول الشعوب العربية التي أتت إلى الساحل الشرقي لإفريقيا بغرض التجارة لا الغزو، وعلى الرغم من أنهم وفدوا في أعداد قليلة إلا أنهم داوموا في تجارتهم، واختلطوا بأهل الساحل، وتزوَّجوا منهم، وأقاموا محطات تجارية، وفي منتصف الألف سنة التي سبقت ميلاد المسيح u بدأ الطابع العربي يَظْهَر على طول الساحل، ولم يَفْقِد هذا الساحل شخصيته المميَّزة، إذ كان يُدْعَم بشكل دائم بالوافدين من جزيرة العرب والخليج العربي[3].
ويذكر مؤرِّخو الإغريق القدماء عن "الزنج" الذين كانوا يعيشون في سواحل شرق إفريقيا، أنهم شيَّدوا مدنًا ساحلية كانت على عَلاقات تِجارية راسخة مع شبه الجزيرة العربية والهند[4].
ومن المرجَّح أن يكون عرب جزيرة العرب -خاصَّة عرب الجنوب- هم أقدم الشعوب العربية اتِّصالًا بالسواحل الشرقية الإفريقية، بحكم الجوار الجغرافي، وساعدهم على قيام هذه الصلات نظام الرياح الموسمية، والتي كانت تمكِّن السفن الشراعية الصغيرة من القيام برحلتين على الأقل في العام؛ ففي الخريف تدفعها الرياح الموسمية الجنوبية الغربية من خليج عُمَان وسواحل الجزيرة العربية نحو الساحل الإفريقي، وفي فصل الربيع تدفعها في اتجاه الشمال الشرقي، حيث تمكِّنها من العودة إلى قواعدها، وفي خلال دورة الرياح يتمُّ التعامل التِّجاري[5].
كانت تلك إذن هي بدء العَلاقات بين سكان شبه الجزيرة العربية وبين شرق القارة الإفريقية، وقد مهَّدَ هذا الأمر لوصول الإسلام ثُمَّ نَشْرِهِ بعد ذلك في تلك الأماكن.
هجرة المسلمين للحبشة
وقد كانت التجارة بين عرب شبه الجزيرة العربية وشعوب شرق إفريقيا ما زالت مستمرَّة حين جاء الإسلام، فلمَّا اشتدَّ أذى مشركي مكة للمسلمين أذن رسول الله r لبعض أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، حيث يوجد بها النجاشي، ولقد وصفه الرسول r بأنه لا يُظلم عنده أحد، ومن ثَمَّ كان اختيار الحبشة كمكان لهجرة المسلمين ابتداءً، وكان الاستقبال الحافل والحفاوة البالغة التي تمَّ بها استقبال المسلمين كَفِيلَة باستمرارهم، وتَكَرَّرت هجرتهم مرَّة أخرى بِفَوْج أكبر من الفوج الأول، فبلغ عددهم ثلاثة وثمانين رجلًا وتسعَ عشرةَ امرأة[6]، وقد حاولت قريش الإيقاع بين المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة وبين النجاشي ومَن معه من النصارى، ولكن قوَّة الحُجَّة عند المسلمين وحُسْن تصرفهم حالَ دون هذه الوقيعة، وازداد تمسُّك النجاشي بهم وحمايته لهم[7].
وقد كان للعَلاقات الودِّيَّة بين الرسول r والنجاشي، والمعاملة الطيبة التي لقيَها المسلمون المهاجرون إلى الحبشة أكبر الأثر في توثيق العَلاقات بين نصارى الحبشة وبين الإسلام، إلاَّ أن هذه الهجرات الإسلامية الأولية في عهد رسول الله r لم تترك أثرًا في حياة البلاد، وإن كانت قد تركت أثرًا في نفوس الأحباش، وأطلعتهم على الينبوع الرُّوحي الجديد المتفجِّر بالقوَّة والحياة، ووطَّدت الصلات بين الدولة الإسلامية في عهد الرسول r وبين الأحباش، وحين بلغ الرسولَ r وفاةُ النجاشي صلَّى عليه هو وأصحابه[8]؛ فعن أبي هريرة t قال: نعى لنا رسول الله r النجاشي صاحب الحبشة اليومَ الذي مات فيه فقال: "اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ". وعنه أيضًا t قال: إِنَّ النَّبِيَّ r صَفَّ بهم بِالْمُصَلَّى فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا[9]. وعن عروة بن الزبير t، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما مات النجاشي كان يُتَحَدَّث أنه لا يزال يُرَى على قبره نور[10].
وفي السنة التاسعة من الهجرة، أرسل رسول الله r الصحابي الجليل علقمة بن مُجَزِّز t على سريَّة في اتجاه الحبشة؛ لأن بعض مراكبهم كانت تقترب من مكة بحرًا، ولكنه لم يَلْقَ كيدًا كما تَذْكُر الرواية[11].
ومن هنا كانت منطقة شرق إفريقيا أسبق بقعة في العالم القديم في استقبال الدعوة الإسلامية الخالدة[12].
فتح الحبشة
لم تكن الحبشة ضمن الممالك التي وجَّه المسلمون إليها حملاتهم في ذلك العهد الأول الذي شهد الفتوحات الإسلامية العظيمة لنشر دين الإسلام، ويبدو أن ذلك راجع إلى عدَّة عواملَ، منها تركيز المسلمين على كسر شوكة الإمبراطوريتين المجاورتين لبلاد العرب، واللَّتين يُخشى منهما على الدولة الإسلامية الناشئة وهما إمبراطورية الفرس والإمبراطورية الرومانية الشرقية، وكذلك اعتبار المسلمين أن مصر أكثر أهمية من الحبشة لمركزها المهم وسبقها في ميدان الحضارة والعمران. ومن أهمِّ الأسباب أيضًا قُرْب عهد المسلمين بالعَلاقات الطيبة التي كان للنجاشي فيها فضلٌ مشكور، حتى يُروى أن النبي r نَصَحَ بِتَرْكِ الأَحْبَاشِ وشأنهم طالما أنهم لم يبدءوا بالعدوان، ففي الحديث الشريف: "اتْرُكُوا الْحَبَشَةَ مَا تَرَكُوكُمْ"[13].
ولكن بعد فترة من الزمن أخذ بعض القراصنة الأحباش يهدِّدون تجارة العرب في البحر الأحمر، مما اضطرَّ الخليفة عمر بن الخطاب t إلى إيفاد حملة بحرية صغيرة لتأديبهم، ولكنها لم تُكَلَّل بالنجاح.
وعاود القرصان نشاطهم مرَّة أخرى في عصر الخلافة الأموية، حيث اتخذوا من خرائب ميناء "عدوليس"[14] على جدة مأوى لهم، ودمروا السفن الراسية فيه، بل وهدَّدوا الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، فاضطرَّ المسلمون عام 83هـ إلى اتخاذ خطوة حاسمة لوضع حدٍّ لتلك العمليات، بأن جرد عبد الملك بن مروان حملة بحرية لاتخاذ مركز حربي على الشاطئ الغربي، وتمَّ الاستيلاء على مجموع جزر "دهلك"[15] المجاورة لمدينة "مصوع"[16]، وكان أَخْذُ المسلمين لهذا المركز الممتاز بَدْءَ استيلائهم على باقي المراكز البحرية على الشاطئ الإفريقي، وعلى الانتشار التدريجي للإسلام في شرق إفريقية[17].
السيطرة على دهلك
كانت السيطرة العربية على جزر "دهلك" سببًا في تطوُّرات عديدة مُهِمَّة في تاريخ المنطقة، من أهمها أنها أعطت فرصة لانتشار الإسلام من قاعدة ثابتة، فضلًا عن ارتباط حركة التجارة في المنطقة بالواقع الجديد الذي أحلَّ النظام والعدل محلَّ الفوضى والقرصنة[18].
وتَنْسِب الروايات تأسيس الإمارات العربية الأُولَى في شرقي إفريقيا لعهد عبد الملك بن مروان ورجاله الشاميين، وما زال اسم عبد الملك بن مروان يُذْكَر في تلك الجهات، لدرجة أن السكان قد حرَّفوا اسمه، فينطقون (عبد المالك) (ابن مرواني)، ومرُّد ذلك ضعف اللغة العربية وظهور اللغة السواحلية.
وفي أواخر عهد الدولة الأموية كانت هجرة الزُّيُود من اليمن عقب مقتل زيد بن علي زين العابدين عام (122هـ/740م)؛ فِرَارًا من اضطهاد بني أمية لهم، وعُرِف هؤلاء بالزيدية، واستقرَّت هذه الجماعات -كما أشارت المصادر- في ساحل (بنادر) الصومالي، وحكموا فيه ما يقرب من مائَتَيْ سنة، ونشروا الإسلام بين قبائل (بنادر)، كما أصلحوا الأراضي، وزرعوا بعض النباتات، بل توغَّل الزيدية إلى داخل الأراضي الصومالية ونشروا الإسلام بين قبائل (أنهار جوبا) و(شبيلي) من بينها قبائل (الجالا) التي اعتنقت الإسلام بحماسة كبيرة، بدليل أن كثيرًا من الصوماليين من أفراد هذه القبائل قد أصبحوا فقهاء ووعَّاظًا، واضطلعوا بنشر الإسلام بين القبائل الوثنية[19].
[10] رواه أبو داود (2523)، وضعفه الألباني، انظر ضعيف سنن أبي داود (542). وانظر: ابن هشام: السيرة النبوية 1/340.
[11] ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 8/59، ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/163، ابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/ 515.
[13] رواه أبو داود (4302)، وأحمد (23203) وقال شعيب الأرناءوط: صحيح لغيره وهذا إسناد حسن في الشواهد. والحاكم في المستدرك (8396)، وقال الذهبي في التلخيص: صحيح. وصححه الألباني، انظر السلسلة الصحيحة (772).
التعليقات
إرسال تعليقك