التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
أحد أهم صفات عثمان بن عفان رضي الله عنه الجرأة في اتِّخاذ مواقف تجد في العادة معارضة من الناس، ويكون الصواب في اختياراته، ومن هذه المواقف تولية الشباب.
أحد أهم صفات عثمان بن عفان رضي الله عنه الجرأة في اتِّخاذ مواقف تجد في العادة معارضة من الناس، ويكون الصواب في اختياراته: منها خوض البحر وتكوين أول أسطول إسلامي، ومنها فتح تونس، ومنها تغيير بناء المسجد النبوي من الخشب إلى البناء بالطوب، ومنها حرق القراءات المختلفة للقرآن الكريم والإبقاء على قراءة وحدة، ومنها تولية الشباب. والسبب في توليته للشباب أنه كان يبحث عن الكفاءة مع صغر السنِّ ليضمن استمرارية العمل لعهود أطول، وأيضًا للاستفادة من حركة الشباب وجهدهم، وخاصَّة مع تكرار الجهاد والحروب، وأمثلة على ذلك في الولايات العامة: ولاية الوليد بن عقبة رضي الله عنه على الكوفة: بين الثلاثين والأربعين، ولاية سعيد بن العاص رضي الله عنه على الكوفة وعمره ثلاثون عامًا، ولاية عبد الله بن عامر رضي الله عنه على البصرة وعمره أربعة وعشرون عامًا.
أيضًا في جمع القرآن على قراءة واحدة كانت المجموعة التي كلَّفها عثمان رضي الله عنه بنسخ القرآن كلُّها من الشباب، فرئيسهم كان زيد بن ثابت الخزرجي رضي الله عنه، وهو الذي كُلِّفَ بمفرده في عهد الصدِّيق رضي الله عنه بجمع القرآن، وعمره في عمليَّة النَّسخ زمن عثمان رضي الله عنه ستَّةً وثلاثين عامًا، وعبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي رضي الله عنهما، وكان عمره خمسة وعشرين عامًا، وسعيد بن العاص الأموي رضي الله عنه، وكان عمره خمسة وعشرين عامًا أيضًا، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي رضي الله عنهما، وكان عمره على الأكثر خمسة وعشرين عامًا كذلك، وقيل أقل!
إنَّ هذا الاختيار يكشف عن: ثقة عثمان بن عفَّان رضي الله عنه في شباب المسلمين، وإيمانه بقدراتهم، وسياسة عثمان رضي الله عنه في اختيار المسئولين والقادة، غرابة هذا الفكر المتطوِّر لرجل قد تجاوز السَّبعين، فهذا من أروع حسناته! من الجدير بالذكر أن هؤلاء الأربعة امتازوا بدرجة من الورع والعلم والزهد تُجْمِع عليها كلُّ الروايات، وفوق ذلك فقد تميَّزوا في جانب القرآن بشكل لافت:
عن سُوَيْدُ بْنُ غَفْلَةَ الْجُعْفِيُّ[1] قال: قِيلَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْصَحُ، وَأَيُّ النَّاسِ أَقْرَأُ؟ قَالُوا: أَفْصَحُ النَّاسِ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ رضي الله عنه، وَأَقْرَأُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه، فَقَالَ[2]: لِيَكْتُبْ أَحَدُهُمَا وَيُمْلِ الْآخَرُ، فَفَعَلَا، وَجُمِعَ النَّاسُ عَلَى مُصْحَفٍ»[3]، وذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ[4] أَنَّ عَرَبِيَّةَ الْقُرْآنِ أُقِيمَتْ عَلَى لِسَانِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ رضي الله عنه؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَشْبَهَهُمْ لَهْجَةً بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم[5].
يلفت النظر أيضًا أن اختيار عثمان رضي الله عنه لهؤلاء الشباب الذين كانوا أطفالًا صغارًا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كان في وجود أشياخ الصحابة، ولكن تفوُّقهم في القرآن أعطاهم هذه المكانة العظيمة، وفي هذا دليل قوي على تقديم الكفاءة في حضارة المسلمين[6].
[1] أسلم زمن النبي r لكنه لم يره، فلا يُعتبر من الصحابة، بل هو تابعي، ولقد تجاوز عمره مائة وعشرين عامًا.
[2] القائل هو عثمان بن عفَّان.
[3] ابن أبي داود: المصاحف، ص96.
[4] من كبار أتباع التابعين، وهو من العلماء الثقات.
[5] ابن أبي داود: المصاحف، ص102.
[6] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك