التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
ملوك الطوائف، مقال بقلم د. راغب السرجاني، يتناول الطوائف في الأندلس، وأشهر ملوك الطوائف وتوزيعهم في بلاد الأندلس، مثل بنو عباد وبنو هود
هذه فترة من أصعب فترات التاريخ الأندلسي قاطبة، وأكثرها تعقيدًا وتشابكًا، فعلى الرغم من قِصَر مدتها -التي لا تتجاوز القرن الواحد- إلا أنها تتسم بالأحداث المتعاقبة والأطماع المتزايدة، والفُرْقَة والتنازع الشديدين؛ فغدت الأندلس كحبَّات العِقد المتناثرة، التي لا يجمعها رابط عرق ولا دين، وكانت هذه الأحداث جديرة بأن تجعل القرن الخامس الهجري من القرون المظلمة في تاريخ الأندلس كله، فمنذ إعلان إلغاء الخلافة الأموية في الأندلس بدأت الأندلس بالفعل تُقسَّم بحسب العنصر إلى دويلات مختلفة، ليبدأ ما يُسَمَّى بعهد دويلات الطوائف، أو عهد ملوك الطوائف.
كيف تكونت ملوك الطوائف؟
استحالت الأندلس بعد أن كانت كتلة موحدة إلى أشلاء ممزقة ورقاع متناثرة، ودولايات ومدن متباعدة متخاصمة، يُسيطر على كل منها حاكم سابق استطاع أن يحافظ على سلطته المحلية خلال الانهيار، أو متغلِّبٌ من الفتيان الصقالبة أو القادة ذوي السلطان السابق، أو زعيم أسرة محلي من ذوي الجاه والعصبية، وسيطر البربر من جانبهم على أراضي المثلث الإسباني الجنوبي، وما كان منه بيد الدولة الحمودية، وأنشئوا هنالك إمارات عدَّة، ما لبثت أن نزلت إلى ميدان الصراع العام، الذي شمل هذه المنطقة، وهكذا قامت على أنقاض الدولة الأندلسية الكبرى دول عديدة هي دول الطوائف، وذلك منذ أوائل الربع الأول من القرن الخامس حتى الفتح المرابطي، زهاء سبعين عامًا، قضتها جميعًا في سلسلة لا نهاية لها من المنازعات الصغيرة، والخصومات والحروب الأهلية، وكادت بتنابُذها وتفرُّقها ومنافساتها تمهِّد لسقوط الأندلس النهائي[1].
وقد ذكرنا -سابقًا- أن مساحة الأندلس تقسمت إلى اثنتين وعشرين دولة؛ فتفتَّت المسلمون في الأندلس تفتُّتًا لم يُعهد من قبل في تاريخهم، وفقدوا بذلك عنصرًا مهمًّا جدًّا من عناصر قوتهم وهو الوحدة، فكان الهبوط على أشدِّ ما يكون، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
الطوائف .. تقسيم بلاد الأندلس
في ذلك العصر قُسِّمَتْ فيه بلاد الأندلس إلى سبع مناطق رئيسة؛ هي كما يلي:
أولاً: بنو عباد: وهم ينتمون إلى العرب من بني لخم، وقد أخذوا منطقة إِشْبِيلِيَة.
ثانيًا: بنو زيري: وهم من البربر، وقد أخذوا منطقة غَرْنَاطَة، وكانت إِشْبِيلِيَة وغَرْنَاطَة في جنوب الأندلس.
ثالثًا: بنو جهور: وهم الذين كان منهم أبو الحزم بن جهور زعيم مجلس الشورى، وقد أخذوا منطقة قُرْطُبَة وسط الأندلس.
رابعًا: بنو الأفطس: وهم من البربر، استوطنوا غرب الأندلس، وأسسوا هناك إمارة بَطَلْيُوس[2] الواقعة في الثغر الأدنى.
خامسًا: بنو ذي النون: وهم من البربر، استوطنوا المنطقة الشمالية، التي فيها طُلَيْطِلَة وما فوقها (الثغر الأوسط).
سادسًا: بنو عامر: وهم أولاد بني عامر، الذين هم عرب معافريون من العرب اليمانية، استوطنوا شرق الأندلس، وكانت عاصمتهم بَلَنْسِيَة.
سابعًا: بنو هود: وهؤلاء أخذوا منطقة سَرَقُسْطَة (الثغر الأعلى)، تلك التي تقع في الشمال الشرقي.
وهكذا قُسِّمَتْ بلاد الأندلس إلى سبعة أقسام شبه متساوية، كل قسم يضمُّ إما عنصرًا من العناصر، أو قبيلة من البربر، أو قبيلة من العرب، بل إنَّ كل قسم أو منطقة من هذه المناطق كانت مُقَسَّمة إلى تقسيمات أخرى داخلية، حتى وصل عدد الدويلات الإسلامية داخل أراضي الأندلس عامة إلى اثنتين وعشرين دويلة، وذلك على الرغم من وجود ما يقرب من خمس وعشرين بالمائة من مساحة الأندلس في المناطق الشمالية في أيدي النصارى.
وفيما يلي من المقالات ذكر لحال أشهر تلك الدويلات.
[1] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 2/676، 677.
[2] بطليوس: مدينة كبيرة بالأندلس من أعمال ماردة على نهر آنة غربي قرطبة. ياقوت الحموي: معجم البلدان 1/447.
التعليقات
إرسال تعليقك