التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
كثر عدد الرقيق في الخلافة الأموية نتيجة الفتوحات الإسلامية الواسعة، وقد سارت الدولة الأموية على سياسة رسول الله والخلفاء الراشدين فيما يتعلق بقضية
عَرَّف الفقهاء الرِّق بأنه عجز حكمي شُرِع في الأصل جزاءً عن الكفر، وترجع تسميته بالعجز إلى أن الرقيق لا يملك ما يملكه الحرُّ من الشهادة والقضاء وغيرهما، أما أنه حكمي فلأنَّ العبد قد يكون أقوى في الأعمال الحسية من الحر.
وعندما دخل المسلمون العراق والشام ومصر وكان عامة السكان يشكون من الرق والاستعباد، فقد جاءهم الإسلام رحمة ونجدة.
وكان معظم طبقة الرقيق في المجتمع الإسلامي من أسرى الحروب خلال الفتوحات الإسلامية في العراق وفارس والشام ومصر وغيرها.
وخيَّر القرآنُ المسلمين بين قتل الأسرى أو فدائهم أو المن عليهم بإطلاق سراحهم بغير فداء أو الاسترقاق، ولم يسترق المسلمون الفاتحون إلا حاميات المدن التي قاومتهم مقاومة عنيفة، وكان المسترقون من الأسرى يُعتبرون غنيمة فتأخذ الدولة الخمس وتوزع أربعة الأخماس الباقية بالتساوي على الجند، وتزايد عدد الرقيق بعد الفتوحات الإسلامية الواسعة النطاق، وخاصة في عهد الوليد بن عبد الملك.
وكان أسرى الحروب يوزعون على المحاربين المسلمين بعد إرسال الخمس إلى الخليفة في حاضرة الدولة الإسلامية، وقد زاد الرقيق زيادة كبيرة في العراق، فكان يوجد عند الواحد من العرب عشرة أرقاء أو مائة أو ألف، بل كان بيت الفقراء من عامة الناس لا يخلو من عبدٍ أو أكثر يقومون بالخدمة؛ بسبب رخص أسعار الرقيق نتيجة تكاثرهم، وكان الأمير ووجوه القوم يسيرون في طرقات البصرة الكوفة وخلفهم مئات العبيد يؤلفون موكبًا عظيمًا، وكان الأرقاء يختلفون في أشكالهم وألوانهم، منهم أسود اللون وهم أسرى فتوح الهند، أو أصفر اللون وهم عبيد الصين أو التركستان.
على أن الأمر الذي يجدر ملاحظته أن العبيد لم يكونوا جميعًا من الأسرى، بل كان منهم من تم شراؤه من أسواق النخاسة التي كانت منتشرة في أرجاء الدولة الإسلامية في ذلك الحين، وكان المسلمون يشترونهم لاستخدامهم في زراعة الأرض أو مساعدتهم في حرفهم أو خدمتهم في قصورهم وبيوتهم ومساعدتهم في حروبهم، مع ملاحظة أن العربي لا يُسترَقُّ إطلاقًا، ولم تُخالَف هذه القاعدة إلا في حالات نادرة، منها ما فعله الأمويون بعد إخماد ثورة يزيد بن المهلب؛ فقد باعوا النساء والأطفال في أسواق الرقيق خلافًا للمعتاد.
احتفظ القرآن بنظام الرق في دائرة ضيقة، ونصح بحسن معاملة الرقيق بالعمل على تحريرهم، فقد حبَّب الإسلام للمسلمين عتق رقيقهم، وجعله كفارته عن كثير من الذنوب والآثام، فضلاً عما فيه من تقرُّب لله تعالى، قال الله تعالى: {فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 11-13].
أما الذنوب التي جُعِلَت كفارتها عتقَ الرقيق فهي عديدة أبرزها كفارة القتل الخطأ قال تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، ولكن العتق لم يكن يقطع الصلة بين السيد ورقيقه بل يُبقِي بين الطرفين صلة تسمى (الولاء) فالمعتَق مولى للعاتق، ويترتب على الولاء أن السيد يدفع الدية عن مولاه إذا ارتكب جناية. وثانيها: أن يرث السيدُ مُعتَقَه؛ فقد كتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله "مولى العتاقة يُورَث ولا يَرِث".
وكان المسلمون يطلقون اسم (عبد العين) على العبد الذي لا يخدم إلا مادامت عليه عين مولاه، وكانوا يسمون العبد الذي يعمل في الأرض (القن)، وكان المسلمون يستخدمون آلافًا من الرقيق في الزراعة، وجعل عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- رقيق الخمس في خدمة ذوي العاهات والعمليات؛ فقد كانت الدولة تمتلك رقيق الخمس وأصله حصتها من أسرى الحرب الذين لم يُسَرَّحوا أو يُوزَّعوا على الجند المسلمين، وتتمتع الدولة بكافة الحقوق التي يتمتع بها الأفراد على رقيقهم، فلها أن تبيعهم أو تستخدمهم في الأعمال المختلفة أو تعتقهم، كما أنها كانت مسئولة عما يرتكبون من جرائم، كما كانت مسئولة عن طعامهم وملابسهم.
ومن الجميل أن الشريعة الإسلامية نصَّت في كثير من مصادرها على حسن معاملة الرقيق فمن أحاديث الرسول الكريم r: "للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يُكلَّف من العمل ما لا يطيق". ومنها: "اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون. فما أحببتم فأمسكوا، وما كرهتم فبيعوا، ولا تعذبوا خلق الله؛ فإنه مَلَّكَكُم إياهم ولو شاء لملكهم إياكم". وكان من أعمال المحتسب في الولايات الإسلامية ملاحظة تطبيق هذه القواعد الإسلامية على معاملة الرقيق.
وكان هناك نوعان من الرقيق هما: الخصيان والجواري، والخصاء ليست عادة عربية بل هي شرقية، وكانت شائعة في العراق زمن الآشوريين والبابليين.
وكان مصدر الجواري في الإسلام سبي الفتوح، فما يقع من النساء في أيدي الفاتحين يُعتَبر "سبيًا مسترقًّا" يقسم مع الغنائم، وكان مصير هذه السبايا إما الخدمة أو الاستيلاء أو البيع أو الإهداء، وكان بعض الجواري يقمن بالخدمة في قصور وجوه المسلمين.
ولما تعود الناس اقتناء الجواري اشتغل النخاسون في استجلابهم من أقصى بلاد الترك والهند وأرمينية والروم والسودان صغارًا وكبارًا يربونهن على ما تقتضيه مواهبهن أو جمالهن، وكان تعليم الجواري وتربيتهن من أبواب الكسب الواسعة فإذا ما اشترى أحدهم جارية، ولاحظ عليها أمارات الذكاء ثقَّفها وعلمها رواية الشعر.
ولكن الغالب على سياسة الخلافة الأموية أنها سارت -في أغلب الأحيان- على سياسة رسول الله r والخلفاء الراشدين من بعده فيما يتعلق بقضية الرقيق، من حيث الحرية، وعدم استرقاق إلا من استحق ذلك من المحاربين وغيرهم.
التعليقات
إرسال تعليقك