التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
عُرف عثمان بن عفان بذي النورين، ومع ذلك اختلف المؤرخون حول سر هذه التسمية، وأشهر الأسباب وأصحها أنه سُمِّي بذلك لأنه تزوَّج ابنتين لرسول الله.
عُرِف عثمان بن عفان رضي الله عنه بذي النورين، ومع ذلك اختلف المؤرِّخون حول سرِّ هذه التسمية، وأشهر الأسباب وأصحُّها أنه سُمِّي بذلك لأنه تزوَّج ابنتين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الواحدة بعد الأخرى، وهذا أمر فريد في تاريخ الإنسانية!
روى البيهقي عن عبدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ بنِ أبانٍ الجُعْفِيَّ قال: قال لِي خالِي حُسَينٌ الجُعْفِيُّ: يا بُنَيَّ تَدرِي لِمَ سُمِّيَ عثمانُ ذو النُّورَينِ؟ قُلتُ: لا أدرِي. قال: لَم يَجمَعْ بَينَ ابنَتَى نَبِيٍّ، مُنذُ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ إلَى أن تَقومَ السَّاعَةُ، غيرُ عثمانَ بنِ عَفّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ فلِذَلِكَ سُمِّيَ ذو النُّورَينِ.
وقال الْمُهَلِّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ: مَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَغْلَقَ بَابَهُ عَلَى ابْنَتِي نَبِيٍّ إِلَّا عُثْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ، «فَكَانَ هَؤُلاءِ الثَّمَانِيَةُ، النَّفَرَ الَّذِينَ سَبَقُوا إِلَى الإِسْلامِ، فَصَلُّوا وصدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وَآمَنُوا بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»[1].
كان لعثمان بن عفان عند إسلامه 34 سنة وهو من العشرة المبشرين بالجنة، وهم: أبو بكر، وعلي، وعثمان، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن، وسعد، ومعهم زيد بن حارثة، وبعدهم بقليل أبو عبيدة، وسعيد بن زيد، وتأخر عمر.
مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إعلان الإسلام بعد ثلاث سنوات من البعثة بأزمة؛ إذ كانت بناته متزوِّجات أو مخطوبات لكفار، زينب كانت زوج أبي العاص بن الربيع، ورقية كانت زوج عتبة بن أبي لهب، وأم كلثوم كانت زوجة لعتيبة بن أبي لهب، فعندما أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلام سعى أهل الكفر لأزواج بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم لتطليقهن: أما أبو العاص بن الربيع فقد أبى أن يطلِّق زينب، وأما أبو لهب فقد ضغط على ولديه فطلَّقا رقية وأمَّ كلثوم.
زواج عثمان من رقية:
كان عثمان شابًّا وسيمًا نسيبًا، فعَنْ أُمِّ مُوسَى (وهي فاختة سريَّة علي بن أبي طالب)، قَالَتْ: «كَانَ عُثْمَانُ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ»[2]. أيضًا كانت رقية مشهورة بالجمال، وكان الزواج في العام الرابع من البعثة تقريبًا، وكان عُمْرُ عثمان عند زواجه 38 سنة تقريبًا، بينما كانت رقية في الحادية عشرة فقط. (كان أمرًا عاديًّا في هذه المرحلة التاريخية). ولم يثبت أن عثمان تزوَّج قبل زواجه من رقية، وهذا غريب، ولعل الله ادَّخره لرقية، وقيل إنه تزوج اثنتين؛ أم عمرو بنت جندب، وفاطمة بنت الوليد، ولكن الأثبت أن هاتين تزوجهما لاحقًا في عهد عمر. يُنْظر أيضًا إلى زواج عثمان على أنه تقريب بين عائلتي بني أمية، وبني هاشم.
هجرة عثمان إلى الحبشة:
هاجر عثمان بن عفان برقية، وعلَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم على هجرتهما بقوله: «صَحِبَهُمَا اللَّهُ، إِنَّ عُثْمَانَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِهِ بَعْدَ لُوطٍ»[3]، وكانت عودة عثمان إلى مكة، وإنجاب عبد الله غالبًا في العام الحادي عشر من البعثة.
الهجرة إلى المدينة:
يقول عثمان: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالحَقِّ، وَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَآمَنَ بِمَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ هَاجَرْتُ هِجْرَتَيْنِ، وَنِلْتُ صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَايَعْتُهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلاَ غَشَشْتُهُ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ»[4].
موت رقية عام 2 هجرية وعمرها 22 سنة وعثمان 49 سنة، روى البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: إِنَّمَا تَغَيَّبَ عُثْمَانُ عَنْ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ»[5]، وعن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «خَلَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلَى رُقَيَّةَ فِي مَرَضِهَا، وَخَرَجَ إِلَى بَدْرٍ وَهِيَ وَجِعَةٌ، فَجَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عَلَى الْعَضْبَاءِ بِالْبِشَارَةِ وَقَدْ مَاتَتْ رُقَيَّةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا..»[6].
سعي عثمان للزواج من حفصة بنت عمر بعد وفاة زوجها خنيس بن حذافة بعد أُحُد، ورفض عمر، ثم سعي عمر بعد ذلك لتزويجها من عثمان ورفض عثمان لتجدُّد الظروف، وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حفصة آخر عام 3 من الهجرة أو أول عام 4 من الهجرة وكان عمرها 20 سنة. ومات عبد الله بن عثمان (ابن رقية) في العام الرابع من الهجرة، بعد أمِّه بعامين، وكان في السادسة من عمره.
زواج عثمان من أمِّ كلثوم:
ثم زوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته الثانية أمَّ كلثوم من عثمان، وَعَنْ أُمِّ عَيَّاشٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا زَوَّجْتُ عُثْمَانَ أُمَّ كُلْثُومٍ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنَ السَّمَاءِ»[7]، وكانت أمُّ كلثوم في الثانية والعشرين تقريبًا، وصار عثمان 51 سنة، وهذا غريب؛ لعدم زواجها حتى هذا السِّنِّ مع وجود الصحابة الشباب الكثيرون، ولكن اللهَ ادَّخرها لعثمان، وقد ماتت كذلك أمُّ كلثوم في شعبان 9 هجرية، وكان عمرها 27 سنة، وعثمان في السادسة والخمسين، ولم تنجب لعثمان.
هذا هو عثمان الذي زوَّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين، ونعجب من الشيعة الذين يُقَدِّمون عليًّا عليه متعللين بزواجه من فاطمة رضي الله عنها، فكيف بمن تزوج اثنتين لا واحدة؟ لذا يقول الدارقطني: "من قدَّم عليًّا على عثمان فقد أَزْرَى بالمهاجرين والأنصارِ"، وعلَّق ابن كثير على هذه المقولة بقوله: "وَهَذَا الْكَلَامُ حَقٌّ وَصِدْقٌ وَصَحِيحٌ وَمَلِيحٌ".
وروى الطبراني عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: "كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ: أَفْضَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَيَسْمَعُ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يُنْكِرُهُ"[8].
[1] الطبري: تاريخ الرسل والملوك2/ 317، وابن كثير: البداية والنهاية، 4/ 73.
[2] أحمد (522)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن. وقال الهيثمي: رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، غَيْرُ أُمِّ مُوسَى وَهِيَ ثِقَةٌ. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (9/ 80).
[3] «المعرفة والتاريخ - ت العمري - ط العراق» 3/ 255، وقال عاطف عبد الوهاب حماد: ربما يتقوى الحديث والله أعلم. انظر: جامع الآثار القولية والفعلية الصحيحة للخليفة الراشد عثمان بن عفان t، ص 81.
[4] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، (3712).
[5] البخاري: كتاب الخمس، باب إذا بعث الإمام رسولًا في حاجة أو أمره بالمقام هل يسهم له، (2962).
[6] الحاكم (6851)، وقال عاطف عبد الوهاب حماد: إسناده صحيح ولكنه مرسل. انظر: جامع الآثار القولية والفعلية الصحيحة للخليفة الراشد عثمان بن عفان t، ص 86.
[7] «المعجم الكبير للطبراني» (25/ 92)، وقال الهيثمي: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ لِمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الشَّوَاهِدِ. «مجمع الزوائد ومنبع الفوائد» (9/ 83).
[8] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك