جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
المسجد الأقصى يترنح الآن تحت وطأة تهويد منظم تقوده دولة قامت من العدم لإنجاز مهمة هي شطب المشهد القدسي الإسلامي بأكمله
رغم محاولات تهويد وهدم الأقصى لا ينقطع الأمل في النصر.
320اعتداء على بيت المقدس منذ1976م
6 ملايين حجر لدى الصهاينة لبناء الهيكل بعد الانهيار المنتظر.
حذر باحث فلسطيني متخصص في شئون المسجد الأقصى ومدينة القدس الفلسطينية، من حدوث انهيارات كبيرة في أجزاء رئيسية من جسم المسجد الأقصى في القدس الشريف، وذلك في أية لحظة - لا سمح الله- ما لم تتدخل الجهات المعنية من عربية وإسلامية ودولية لوقف هذا المخطط الصهيوني الرهيب.
فقد كشف الباحث الفلسطيني "سمير سعيد" عن تعرض المسجد الأقصى لأكثر من 320 اعتداء صهيوني كبير منذ العام 1967م، وأن وتيرة هذه الاعتداءات هي في تصاعد، حيث بلغت خلال العام الماضي وحده 63 اعتداء على شكل حفريات وتجاويف أسفل المسجد الأقصى وفي جنباته، والعديد من أشكال الاعتداءات الخطيرة الأخرى، ما يجعله عرضة للانهيار في أية لحظة، موضحًا أن الأقصى إنما يقف الآن بحراسة الله ورعايته.
وأضاف خلال محاضرة ألقاها بمقر الندوة العالمية للشباب الإسلامي بجدة أن سلطات الاحتلال وضعت 19 كاميرا داخل المسجد الأقصى لرصد المصلين الفلسطينيين ومراقبتهم، فمن يدخل المسجد أربع مرات في الأسبوع لصلاة الفجر يُسْتَدعَى من قبل الاحتلال، ويُمْنَع من دخول المسجد لمدة شهرين، حتى وصل الأمر إلى منعه نهائيًّا من دخول المسجد.
وكشف المحاضر عن تصاعد عمليات استهداف الأقصى واستفحال الحفريات تحت أرضيته بحيث أصبح في مقدور السيارات الدخول في بعض الأنفاق، ووصل الأمر إلى تخصيص سبع حجرات تحت أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ليكون معارض لحقب التاريخ اليهودي المزعوم، يسردون فيها قصصًا خيالية عن الهيكل المزعوم، لغسل أدمغة كثير من السياح القادمين من أوربا وأمريكا وغيرها، بأن الهيكل كان موجودًا تحت الأقصى الشريف ولكن أين؟ ولهذا طرح غلاة الصهاينة أربع إجابات وخيارات هي:
شمال الصخرة المشرفة، جنوب الصخرة المشرفة، حارة المغاربة بجوار البراق الشريف، فوق الصخرة المشرفة، وأخيرًا حسموا أمرهم على أن الهيكل كان موجودًا فوق كأس الوضوء جنوب الصخرة، وكشف عن قيام جيش الاحتلال بتزويد غلاة المتطرفين الصهاينة بطائرات هيلوكبتر ووفر لهم أجهزة رادار متطورة وأجهزة حاسوب دقيقة وأشعة تحت الحمراء، حيث يقوم هؤلاء باستخدام أدوات المسح الحراري، لكن ذلك كله جاء بلا نتيجة ولكنه اختلاق الأكاذيب وخلطها بالأساطير لإنتاج ذاكرة تاريخية مكذوبة وخلقها من عدم بسبب العجز عن إثبات ذلك بالحجة والدليل.
وأضاف الباحث أن الصهاينة الآن يذكرون الهيكل في كل المناسبات كالزواج والوفاة والطعام والسفر، وأصبح للهيكل مركزية السلطان السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وبَيَّنَ المحاضر أن الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى منذ عام 1967 إلى 2000م كانت 114 اعتداء، بينما تصاعدت من عام 2000 إلى 2004 إلى 143 اعتداء، وفي عام 2005-2006 وصلت إلى 63 اعتداء.
وأشار إلى أن المسجد الأقصى المبارك يترنح الآن تحت وطأة تهويد منظَّم تقوده دولة قامت من العدم لإنجاز مهمة محددة هي شطب المشهد القدسي الإسلامي بأكمله وبناء الهيكل المزعوم. فالكيان الإسرائيلي رغم عدوانيته وغرابة قيامه ليس إلا وسيلة لغاية وهي الهيكل، حيث "لا قيمة لإسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل".
وقال: "إن المخطط الإسرائيلي يهدف في الأساس إلى هدم وإزالة المسجد الأقصى، وأن كل السيناريوهات المتبعة ترمي إلى تحقيق هذا الهدف بحيث إن معظم أجزاء المسجد الأقصى قد طالها الحفر والتجويف والنَخْر من الداخل ليصبح آيلاً للسقوط. وأقل الخطط المتبعة في ذلك هي أن تمر طائرة نفاثة فيرتج المسجد وينهار. وقد حدد اليهود المدة الزمنية لهدم المسجد الأقصى بـتسعة أشهر كحد أدنى، وخمس سنوات كحدٍّ أعلى لتطبيق هذا المشروع.
وكشف المُحاضِر أن الاحتلال طوق القدس بأحزمة استيطانية وأطواق وأغلفة من المستوطنات والمراكز المعمارية ليشل تواصلها مع محيطها العربي وزَرَعَ الحي اليهودي مكان حارة شرف المملوكية، وأخذ الحي اليهودي يزحف بالتدريج نحو المسجد الأقصى، بحيث أصبح أقرب الحارات إلى المسجد الأقصى.
وبَيَّنَ أنه في سنة 1838 لم يكن لليهود عقار داخل القدس، وفي نهاية القرن امتلكوا 5.000م2، والآن يمتلكون 135.000م2.
وأكد أن الحفر تحت أساسات الأقصى لم يتوقف.. وأن جهود تغيير معالمه لم تتوقف وأصبح المسجد الأقصى مستباحًا للعصابات اليهودية بمختلف أنواعها، بحيث أضافوا ما يسمى بنجمة داود إلى البلاطة الواقعة أمام الباب الغربي للقدس حتى ينتحلوا ادّعاء ملكية المكان.
كما قام الأثري التوراتي دان بهاط بتسويق وترويج معلومة مفادها بأن قدس الأقداس الذي فيه وثيقة العهد التي تضم الوصايا العشر يوجد تحت قبة الصخرة لذلك حشد التأييد لحفر النفق باتجاه حجر الأساس الذي يقع تحت قبة الصخرة حيث يوجد قدس الأقداس. إن ما فعله اليهود في الطبقات السفلى لساحات المسجد الأقصى يعتبر تجاوزًا وتطاولاً على الحقوق الإسلامية وانتهاكًا لقداسة المكان.
كما اتخذ الصهاينة ردهة في النفق أسفل المدرسة الجعفرية فيها مجسم للقدس والهيكل الثاني في موقع المسجد الأقصى وأعدوها قاعة لاستقبال كبار الزوار وتقديم شروحات مضللة لهم.
وأشار المحُاضِر إلى أن اليهود جهزوا الآن 6 ملايين حجر في كسارة على بعد 25 كم جنوب بئر السبع ورقموها، وذلك لبناء الهيكل مكان الأقصى، وهم يعملون بكل ما أوتوا من قوة ومال لتغيير معالم المسجد الأقصى وضم أراضٍ جديدة إليه. وذكر في هذا الجانب قصة اليهودي الأمريكي الذي عرض على أحد سكان القدس القريبين من الحرم القدسي مبلغ 11 مليون دولار لشراء 200م2 من أرضه وضمها للأراضي التي جرى تهويدها بالقوة، إضافةً إلى منحه إقامة دائمة في أمريكا وتعليم أبنائه مجانًا في جميع المراحل، إلا أن الفلسطيني رفض ذلك بكل إباء.
وختم مناشدًا المسلمين جميعًا قائلاً: "إن كل شيء قد تغير في المسجد الأقصى، الكتابة تغيرت والزوار تغيروا والمصلون طردوا والمسجد سلب، الأقصى في خطر... افعلوا شيئًا أيها المسلمون في كل مكان؛ فإن الله سائلكم يوم القيامة بحق مسرى نبيكم محمد، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومهد عيسى، وموئل الأنبياء عليهم السلام".
أما الدكتور محمد بن موسى الشريف المشرف على موقع التاريخ، فقد شدد بمقر الندوة العالمية للشباب الإسلامي في محاضرة ضافية على "فلسطين الأمل"، وأنّ قضية فلسطين هي قضية المسلمين الأولى وليست قضية الشعب الفلسطيني المجاهد فقط، وأن الله وعد بالنصرة لأوليائه الظاهرين كما بشرنا رسول الله مهما لاقت القدس من كيد، ومهما كانت هناك من محاولات لتهويد، وسعي دءوب لإقامة هيكلهم على أنقاض المسجد الأقصى، ولا يعني ذلك ألا نعير التهديد والتهويد اهتمامًا، وألا يسعى المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها للدفاع عن الأقصى بيت الله الذي بارك حوله، ولكن لا بد من الأمل؛ فاليهود وكيانهم إلى زوال والأمل معلق بهذه القضية، مهما حيكت المؤامرات، لقد وعدنا الله بالنصر وأنه سينطق الحجر والشجر التي تعدّ من المبشرات لنصر الله لفئة بعينها لها كراماتها.
فهي الأرض المباركة التي قال الله فيها حكاية عن موسى لقومه في محكم تنزيله: {إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]، والله يقول أيضًا: {إنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]. وفلسطين ليست ترابًا، ولا أرضًا، إنما هي قضية دين، قضية قدس أرض فتحها أجدادنا الصحابة بدمائهم، وفتحها صلاح الدين، وليس المسلمون مستعدين للتفريط فيها، ولا قبول أي عرض إلا الجلاء عنها، ونحمد الله أنه لا يزال في فلسطين رجال يرفضون كل الضغوط، ويتعالون على كل المؤامرات.
وأكد الدكتور محمد بن موسى الشريف على أن الأمل معقود بعودتها كما قال الشاعر:
ما أضيـق العيـش لـولا فسـحة الأمـل
وإلاّ كان العيش مكدرًا ضيقًا، فكلما ضاقت حلقات الأمور وصبر الإنسان وهو يعتقد أن هناك فرجًا تحقق الأمل فما أقربَ الفرجَ، من راقب الله في الأمور نجا، من راقب الله لم ينله أذى، وكان منه الله حيث رجا.
وأن الأمل أمر مطلوب، ولا يفارق المسلم أبدًا {وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]، وأنه كما كان في شأن يعقوب حين فَقَد ابنيه.
وذكر الشريف أن فلسطين بقيت في قبضة الصليبيين إحدى وتسعين سنة لا يرفع فيها أذان، ولا يظهر فيها إسلام، وأن الوضع مختلف الآن؛ فهناك وجود إسلامي فاعل في فلسطين، وهناك مرابطون سواء في غزة والقطاع، أو الضفة الغربية، وأرض 1948، وعاد بالذاكرة إلى ماضي الاحتلال الصليبي لم يكن هناك إسلام ولا شعائر تقام إلا في أضيق نطاق،ورجعت إلى أيدي المسلمين المرابطين بفضل الله، حيث قيّض الله لها رجالاً أعادوها إلى حظيرة الإسلام في حطين ربيع الآخر 583هـ بعد حملة توحيد لبلادنا، وإصلاح للمجتمع وللناس، وتعبئة من أجل المعركة الفاصلة، ولم يكن في الأمر تخاذل بل إعداد دام سنوات قيادة وشعبًا.
وأضاف الدكتور الشريف أن المسلمين ينبغي أن يكونوا في أمل أن يعود بيت المقدس إليهم، وأنها أرض جليلة وعودتها ستكون قريبًا، وقريبا جدًّا إن شاء الله {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء: 51]، و{لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 4-6].
فلسطين ومنزلتها
ويلفت الدكتور محمد بن موسى الشريف الانتباه على أن فلسطين هي جزء من بلاد الشام، وأن الله قد أثنى على بلاد الشام في مواطن عديدة في كتابه الكريم، مثل: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71]، وقوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الإسراء: 1]. فإذا بورك حوله، فكيف به؟! وعن المسيح وأمِّه قال: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50]. وهي بلاد الشام، وقيل في فلسطين.
وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} [سبأ: 18]. وهذا في معرض مَنِّه سبحانه على سبأ بأنه جعل بين سبأ وفلسطين قرى ظاهرة متمتعة بالأمن في رحلاتهم إلى فلسطين ومراحل توقفهم لا يتعرض لهم أحد؛ لأن العرب كانت تؤمِّن هذا الطريق الذي يضمن الميرة للحرم، فالله سبحانه زلّـل هذا الطريق للعرب ومنّ عليهم به بقوله: {لإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 1-4]. فالله سبحانه يسجل تعجب الناس من هذا الطريق الآمن.
وفي القرآن إشارات كثيرة إلى فلسطين وبيت المقدس، فهي موطن الأنبياء العظام، وفي ثراها الطاهر عدد من أنبياء الله ورسله الذين قتلتهم بنو إسرائيل كما تروي المصادر أنهم كانوا سبعين نبيًّا {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87]، فثراها مبارك، وكتب الله أن تكون خلاصًا للمسلمين في أعظم الوقائع؛ ففي الخامس عشر من رمضان سنة 658هـ كانت موقعة عين جالوت، التي حاول التتار فيها القضاء على الإسلام في دياره فهزمهم المسلمون هزيمة منكرة بعد أن قتلوا ملايين من المسلمين، فكان أن قدر الله في أزله أن تكون نهاية هؤلاء على أرض فلسطين بالقرب من بيسان في سهل عين جالوت التي كان من الممكن أن يستأصل شأفة المسلمين لو أنهم هزموا. وأضاف الشريف: فعلى ثراها كانت معارك جليلة ضخمة قدر فيها النصر للمسلمين.
ويذكر الدكتور محمد بن موسى الشريف أنّ في أرض فلسطين ظَهَر ورابط أبطال عظماء، وكان فيها مجاهدون وعلماء، وأحاديث رسول الله r عمّت بلاد الشام بمدح عجيب، وأن فلسطين درة بلاد الشام تعرّف بمقامها ومكانتها ومن هذه الأحاديث:
قوله r في الحديث الصحيح: "طُوبَى لِلشَّامِ". وحين سئل: ولمَ ذاك يا رسول الله؟ قال: "إِنَّ مَلاَئِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهِ".
ولما جاء الحواليُّ الأزديُّ -وهو من حُوالَى في اليمن- عندما سمع من رسول الله: "ستُجنّدُون أجنادًا: جُند بالعراق، وجُند بالشام، وجُند باليمن". فقال له من أدبه t: خرْ لي يا رسول الله. أي تخير لي، قال: "عليك بالشام". فلمّا رأى رسول الله كراهته للشام -وهو اليمني- قال له: "عليك بالشّام، فمن أبى فليلحقْ بيمنه، وليُسقَ من غُدُره" (جمع غدير: وهو مجتمع الماء الصغير، وبالنسبة للشام فأنهار وعيون وأمطار). وقال r: "إني رأيت عمود الكتاب قد ارتفع، فخشيت أن يُرفع فوُضع في الشام". وحديث: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يلقون الله على ذلك". فقالوا: وأين هم يا رسول الله؟ قال: "في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس".
والطائفة المنصورة موزَّعة اليوم في الأمّة منها التجار، ومنها الفلاّحون والعلماء، والمثقفون، والمتعلمون، وغيرهم، كل طبقة بها جزء من الطائفة المنصورة.
ويؤكد الدكتور الشريف على أن في آخر الزمان ستجتمع هذه الطائفة في بيت المقدس، ولعلّها -والله أعلم- ستجتمع مع المهدي حين يذهب هو والمسيح عيسى بن مريم لقتل المسيح الدجال، حيث يقتل على أبواب اللُّدّ في فلسطين.
وهذه بشريات كلها تعرّف بالمكان والمكانة، وأن النصرة لهذه الأمة إن استقامت أما إن تخاذلت وقعدت فالتحذير الرباني نذير خطر {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54]، {وإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].
التعليقات
إرسال تعليقك