ملخص المقال
الدار قطني .. مقال يؤصل لسيرة شيخ الإسلام الإمام الدارقطني منذ نشأته وحتى وفاته وتاريخه وتراثه العلمي المختلف وإنجازاته ومؤلفاته ومسيرته العلمية
أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي أبو الحسن البغدادي الدارقطني؛ الإمام شيخ الإسلام، حافظ الزمان، والدارقطني نسبة إلى دار القطن وهي محلة ببغداد.
ملامح شخصيته وأخلاقه
كان من بحور العلم، ومن أئمة الدنيا، انتهى إليه الحفظ ومعرفة علل الحديث ورجاله، مع التقدم في القراءات وطرقها، وقوة المشاركة في الفقه، والاختلاف، والمغازي، وأيام الناس" هكذا يصف الذهبي في سير أعلام النبلاء الإمام العلامة الدارقطني، أحد علماء العراق في القرن الرابع الهجري، وهو مقرئ ومحدث عالم بعلل الحديث ورجاله ولغوي وصاحب مؤلفات عديدة في علوم القرآن بل هو أول من صنف القراءات حسب ما قال الذهبي.
انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال وأحوال الرواة مع الصدق والأمانة والفقه والعدالة وقبول الشهادة وصحة الاعتقاد وسلامة المذهب.
وكان الدارقطني رحمه الله يحب العلماء والإقبال عليهم وملازمتهم، ومن هؤلاء العلماء الحسن بن أحمد بن صالح أبو محمد الهمداني السَّبيعي الحلبي، وكان حافظاً متقناً. سمع وروى عنه الدَّراقطني، وكان وجيهاً عند سيف الدولة وكان يزوره في داره. وصنّف له كتاب التبصرة في فضيلة العترة المطهَّرة. وكان له في العامة سوقٌ وهو الذي وقف حمام السَّبيعي على العلويّين. وتوفي سنة إحدى وسبعين وثلاثمئة وكان الحافظ أبو محد هذا قد طاف الدنيا وهو عسر الرواية. وكان الدارقطني يجلس بين يديه كجلوس الصبيِّ بين يدي معلّمه هيبةً له وقال: قدم علينا حلب الوزير جعفر بن الفضل فتلقاه الناس وكنت فيهم فعرف أني من أصحاب الحديث فقال: أتعرف حديثاً فيه إسناد أربعة من الصحابة كل واحدٍ عن صاحبه فقلت نعم حديث السّايب بن يزيد عن حويطب بن عبد العزَّى عن عبد الله بن السَّعدي عن عمر بن الخطاب في العمالة فعرف صحة قولي فأكرمني.
شيوخه وتلاميذه
سمع الدار قطني من أبي القاسم البغوي وخلق كثير ببغداد والكوفة والبصرة وواسط
وأخذ العلم عن الدارقطني محمد بن الحسن الشيباني وصعصعة بن سلام وأبو معاوية الضرير وغيرهم.
شدة ذكائه
ومما يؤكد شدة ذكائه هذا الموقف، فقد جلس مرة في مجلس إسماعيل الصفار وهو يملي على الناس الأحاديث والدارقطني ينسخ في جزء حديث فقال له بعض المحدثين في أثناء المجلس إن سماعك لا يصح وأنت تنسخ فقال الدارقطني فهمي للإملاء أحسن من فهمك وأحضر ثم قال له ذلك الرجل أتحفظ كم أملي حديثا فقال إنه أملى ثمانية عشر حديثا إلى الآن والحديث الأول منها عن فلان عن فلان ثم ساقها كلها بأسانيدها وألفاظها لم يخرم منها شيئا فتعجب الناس منه.
آراء العلماء فيه
قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: لم ير الدارقطني مثل نفسه، وقال ابن الجوزي وقد اجتمع له مع معرفة الحديث والعلم بالقراءات والنحو والفقه والشعر مع الإمامة والعدالة وصحة العقيدة.
قال ابن كثير: الحافظ الكبير أستاذ هذه الصناعة وقبله بمدة وبعده إلى زماننا هذا، سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ وألف وأجاد وأفاد، وأحسن النظر والتعليل والانتقاد وَالِاعْتِقَادَ، وَكَانَ فَرِيدَ عَصْرِهِ، وَنَسِيجَ وَحْدِهِ، وَإِمَامَ دَهْرِهِ فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ وَصَنَاعَةِ التَّعْلِيلِ، وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَحُسْنِ التَّصْنِيفِ وَالتَّأْلِيفِ، وَاتِّسَاعِ الرِّوَايَةِ، وَالِاطِّلَاعِ التام في الدراية، له كتابه المشهور من أحسن المصنفات في بابه، لم يسبق إلى مثله ولا يلحق في شكله إلا من استمد من بحره وعمل كعمله، وله كتاب العلل بين فيه الصواب من الدخل والمتصل من المرسل والمنقطع والمعضل وَكِتَابُ الْأَفْرَادِ الذي لا يفهمه فضلا عن أن ينظمه إلا من هو من الحفاظ الأفراد والأئمة النقاد والجهابدة الجياد وله غير ذلك من المصنفات التي هي كالعقود في الأجياد وكان من صغره موصوفا بالحفظ الباهر والفهم الثاقب والبحر الزاخر".
وقال عبد الغني بن سعيد الضرير: لم يتكلم على الأحاديث مثل: علي بن المديني في زمانه، وموسى بن هارون في زمانه، والدارقطني في زمانه.
وسئل الدارقطني هل رأى مثل نفسه؟ قال: أما في فن واحد فربما رأيت من هو أفضل مني، وأما فيما اجتمع لي من الفنون فلا.
وقال الذهبي: إن كان كتاب العلل الموجود قد أملاه الدارقطني من حفظه فهذا أمر عظيم يقضي به للدارقطني أنه أحفظ أهل الدنيا، وإن كان قد أملي بعضه من حفظه فهذا ممكن، وقد أهدي إليه رجل هدية فأملي عليه من حفظه سبعة عشر حديثا متون جميعها: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي فيما نقله عنه الحاكم: شهدت بالله أن شيخنا الدارقطني لم يخلف على أديم الأرض مثله في معرفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابة وأتباعهم.
وقال ابْنُ خَلِّكَانَ: وقد رحل إلى الديار المصرية فأكرمه الوزير أبو الفضل جَعْفَرُ بْنُ خنزابة وزير كافور الإخشيدي وساعده هو والحافظ عبد الغني على إكمال مسنده وحصل للدارقطني منه مال جزيل.
مؤلفاته
1- كتاب السنن.
2- العلل الواردة في الأحاديث النبوية.
3- المجتبى من السنن المأثورة.
4- المختلف والمؤتلف في أسماء الرجال.
5- كتاب الأفراد الذي لا يفهمه فضلا عن أن ينظمه إلا من هو من الحفاظ الأفراد والأئمة النقاد والجهابدة الجياد وله غير ذلك من المصنفات التي هي كالعقود في الأجياد.
6- سؤلات الحاكم وهو كتاب عمدة في الجرح والتعديل.
وفاة الإمام الدارقطني
وقد غادر الإمام الدارقطني الدنيا، بعد حياة حافلة بالجد والحرص على تلقي العلوم، ونشرها بين طلاب العلم، فكانت وفاته في يوم الثلاثاء السابع من ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وله من العمر سبع وسبعون سنة[1].
[1] للمزيد انظر: الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك: الوافي بالوفيات، تحقيق: أحمد الأرناءوط، وتركي مصطفى، إحياء التراث، بيروت، ١٤٢٠هـ=٢٠٠٠م، ابن العماد الحنبلي، أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد العَكري: شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق: محمود الأرناؤوط، خرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق–بيروت، الطبعة الأولى، 1406هـ=1986م، الذهبي، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز: تذكرة الحفاظ، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1419هـ=1998م، ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر الدمشقي: البداية والنهاية، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1418هـ=1997م.
التعليقات
إرسال تعليقك