التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
بوسنة جديدة تولد من إحصاء 2013 مقال لمحمد الأرناؤوط يعرض فيه لحقيقة إحصاء سكان البوسنة وأسبابه، واختلال التركيبة السكانية بعد اتفاق دايتون، وأثره على
على الرغم من أن «جمهورية البوسنة والهرسك» ولدت بصعوبة في قاعدة دايتون الأميركية في أكتوبر 1995، فإنها لا تزال تبحث عن هويتها وقدرها في الوقت الذي تقدمت «الدول الشقيقة» من يوغسلافيا السابقة في شكل واضح باتجاه بروكسل؛ فقد انضمت سلوفينيا إلى الاتحاد الأوربي في 2005، وهي السنة التي حظيت فيها «جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة» (فيروم) بوضع «دولة مرشحة»، بينما انضمت كرواتيا إلى الاتحاد في صيف 2013، وبدأت جمهورية الجبل الأسود (مونتينجرو) المفاوضات مع بروكسل حول الملفات العالقة، بينما يفترض أن تبدأ صربيا المفاوضات مع بروكسل في نهاية 2013 أو بداية 2014، وحتى كوسوفو التي استقلت عن صربيا في 2008 بدأت خطواتها الأولى نحو بروكسل في هذا العام.
محاصصة على الطريقة البوسنوية
ويمكن القول: إن «اتفاق دايتون» نفسه هو السبب الذي جعل البوسنة على ما هي عليه، فتتخلَّف عن «الدول الشقيقة» من يوغسلافيا السابقة؛ كانت واشنطن حريصة مع «حبس» أطراف النزاع في قاعدة دايتون على ألا يخرجوا من دون اتفاق بسبب حراجة الوضع في المنطقة؛ ولذلك فقد جاء «اتفاق دايتون» بما يوحي لكل طرف أنه قد حقق ما يريد؛ فقد أرضى الاتفاق الصرب بأن منحهم 49% من أراضي البوسنة ودولة شبه مستقلة (جمهورية الصرب).
وفي الوقت نفسه أرضى المسلمين أو «البشناق» باستمرار وجود بوسنة موحدة، مع أنه أدخلهم في فيديرالية مع الكروات تحكم الـ 51% الباقية؛ ولكن في الوقت نفسه ساوى بين العناصر الثلاثة المؤسسة للدولة الجديدة (البشناق والصرب والكروات) على الرغم من التباين في أعدادهم بأن شكَّل مجلس رئاسة أعلى يتكون من ثلاثة أشخاص (صربي وبشناقي وكرواتي)، ويمتلك كل واحد منهم حق الاعتراض (الفيتو) على الأمور السيادية.
ومع ذلك فقد كان الإخفاق الأكبر لـ «اتفاق دايتون» يتمثل في فشله بعدم إنجاز أي تقدُّم للتخلص من أهم آفات الحرب (1992-1995)، ألا وهي إعادة المهجرين إلى ديارهم؛ صحيح أن الحرب تمخضت عن مقتل مائة ألف بوسنوي معظمهم من البشناق، إلا أن الحرب أدت إلى تهجير حوالي نصف سكان البوسنة بين الداخل والخارج؛ ولذلك كان الشرط الأساس لـ «البوسنة الدايتونية» إعادة المهجرين إلى ديارهم بمقتضى الملحق السابع للاتفاق.
ولكن على الرغم من ذلك وضعت مختلف العراقيل لعرقلة تطبيق الملحق السابع خلال السنوات السابقة، ما ترك «البوسنة الدايتونية» مشوهة أكثر بعد مرور حوالي عشرين سنة.
وبسبب هذه التعقيدات لم يعد أحد يعرف حقيقة البوسنة على الأرض وهويتها بالاستناد إلى تشتت سكانها، ووجود أكثر من اسم لشعبها ولغتها؛ فقد كان آخر إحصاء أُجري في البوسنة عشية انهيار يوغسلافيا التيتوية قد كشف عن وجود 4,4 مليون نسمة منهم 43,5% من «المسلمين» بالمعنى القومي، و31,2% من الصرب الأرثوذكس، و17,4% من الكروات الكاثوليك.
ولكن «المسلمين» بالمعنى القومي أزاحوا عنهم هذا الاسم؛ الذي فُرض عليهم، واستعادوا اسمهم التاريخي «البشناق»، الذي يعني هنا سكان البوسنة الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام؛ ولكنهم بقوا يسمون لغتهم «البوسنوية»، بينما يصر الصرب على كون لغتهم هي «الصربية»، وكذلك الكروات (الكرواتية).
ومع تقدم «الدول الشقيقة» باتجاه بروكسل، بقيت البوسنة متخلفة؛ لأنها لم تعد تحقق الحد الأدنى من معايير الاتحاد الأوربي: وجود إحصاء يبيِّن المعطيات الأساسية للدولة، ووجود سلطة مركزية في مجال الدفاع والأمن ومكافحة الجريمة المنظمة.. إلخ.
ومن هنا فقد تم التوافق بين الأطراف الثلاثة على تنظيم أول إحصاء عام الشهر الجاري مع حشد جيش من المسجلين (40 ألفًا) لإنجاز هذا الإحصاء، الذي سيكشف للمرة الأولى عن مكونات هذه الدولة (عدد السكان ولغاتهم وأديانهم.. إلخ).
دولة بشعب أو بثلاثة
إلا أن مجرد الكشف عن أسس الإحصاء الجديد أصاب بالإحباط «البشناق»، الذين يعتبرون أنفسهم الخاسر الأكبر في حرب 1992-1995، فعرقلة تطبيق الفصل السابع من «اتفاق دايتون» جعلت أكثر من مليون بوسنوي يبقون في الخارج؛ بينما جاء الإحصاء الآن ليصدمهم باستثنائهم من الانخراط في عملية الإحصاء، إلا مَنْ كان يثبت وجوده في دياره خلال أيام الإحصاء، وهو غير متاح إلا لقلة قليلة منهم بسبب الموعد غير المناسب الذي جاء بعد عودة هؤلاء المغتربين إلى الدول الأوربية بعد الإجازات الصيفية.
ويكفي أن نذكر هنا أنه في ألمانيا وحدها لدينا حوالي ربع مليون من أصول بوسنوية؛ منهم 160 ألفًا يحملون جوازات سفر بوسنوية؛ ولكنهم سيملئون استمارات خاصة بالإنترنت تُحفظ في «معهد الإحصاء البوسنوي» من دون أن يُعَدُّوا من سكان البوسنة.
واضح هنا أن هذا الأمر يقصد منه التقليل من عدد «البشناق» إلى الحد الأدنى؛ ولكن هذا الأمر ليس الوحيد الذي يشكو منه البشناق، الذين كانوا يشكلون غالبية السكان في إحصاء 1991؛ فقد أتاح الإحصاء الجديد للسكان خانات عدة للتعبير عن انتمائهم القومي؛ (بشناق، وصرب، وكروات.. وغير ذلك) ولغاتهم وأديانهم.
ومن هنا أصبح المسلمون في البوسنة يترددون بين الإفصاح عن هويتهم كـ«مسلمين» بالمعنى القومي كما في إحصاء 1991، أو «بوسنويين» بمعنى أنهم ينتمون إلى دولة البوسنة، التي كافحوا باستمرار لتبقى دولة واحدة أو «بشناق»، وهو ما يعتبر مقصودًا لتشتيت عددهم في خانات عدة بدلاً من خانة واحدة، كما هو الأمر مع الصرب والكروات.
ويلاحظ هنا أن المفتي العام الجديد للبوسنة حسين كافازوفيتش قد دعا عشية الإحصاء «البشناق كي يعبِّروا عن بشناقيتهم»، وبذلك قد حسم مبكرًا الهوية القومية المرغوبة للمسلمين في البوسنة.
ولكن «البشناق» أو مسلمي البوسنة الذين يرغبون في تأكيد هويتهم القومية بهذا الاسم التاريخي، كانوا يشتكون مرَّ الشكوى من عراقيل كثيرة لشملهم في الإحصاء في نصف البوسنة، أو في أراضي «جمهورية الصرب» التي تمتد على مساحة 49% من «البوسنة الدايتونية»؛ فقد اشتكوا في الأيام الأولى من عدم وجود مسجلين يقومون بإجراءات الإحصاء، بينما اشتكى هؤلاء من عدم وجود استمارات كافية للإحصاء.
ووفق الجريدة البوسنوية المعروفة «دنفني أفاز» فإن «البشناق» تظاهروا استنكارًا في بعض مناطق «جمهورية الصرب»، وطالبوا بتمديد أيام الإحصاء مع استنكارهم لتعسف المسجلين الصرب في عدم إضافة أي فرد من العائلة لم يجده المسجلون، ولو كان في المستشفى.. على سبيل المثال.
وبالاستناد إلى كل ذلك يمكن القول: إن بوسنة جديدة ستولد من إحصاء 2013؛ إذ سنعرف أخيرًا عدد سكان البوسنة، وتوزعهم ولغاتهم وأديانهم.. إلخ، وهو ما لا بدّ منه لـ «البوسنة الجديدة» ما بعد الدايتونية، وأصبح من الواضح أن الإحصاء الجديد سيحمل مفاجئات فيما يتعلق بعدد السكان الإجمالي؛ حيت يتوقع أن يكون أقل من أربعة ملايين، بينما كانت البوسنة في إحصاء 1991 تشمل حوالي أربعة ملايين ونصف مليون، كما أن اتضاح حجم الأطراف الثلاثة الرئيسة في البوسنة (البشناق والصرب والكروات) سيؤثر في بلورة مستقبل البوسنة خلال السنوات المقبلة.
المصدر: الحياة اللندنية
التعليقات
إرسال تعليقك